تعريف المحاسبة

الطبيعة العلمية للمحاسبة

لدراسة الطبيعة العلمية للمحاسبة نجد خلاف في وجهات النظر حول طبيعتها العلمية، هل المحاسبة فن أم علم؟ أم ماذا؟

والإجابة على هذا السؤال تحكمه مجموعة من الآراء يمكن تلخيصها في ثلاث مدارس فكرية:

أولا: المدرسة الفنية

إن أصحاب هذه المدرسة ينظرون إلى أن المحاسبة ماهي إلا تطبيقات لفنون وممارسات المحاسبين، دون أن يسترشدوا ببعض المبادئ العلمية والأسس والأصول المحاسبية. لذا تركز هذه النظرية على الجانب العملي والتطبيقي لتدوين الأحداث الاقتصادية والمعاملات المالية.

ومن مؤيدي هذه المدرسة المحاسب الفرنسي دي مور MURE DE  إذ قدم تعريف للمحاسبة يؤيد هذه النظرية، جاء فيه: “إن المحاسبة هي مجموعة دفتر أستاذ Book Ledger وبعض الدفاتر الأخرى، والسجلات والمستندات التي تمكن من التسجيل في الحسابات مع تلافي إضاعة الوقت، أو الوقوع في الأخطاء، بالإضافة إلى تلخيص أو مراقبة القيود المسجلة في الحسابات واستخلاص الملاحظات المختلفة لحسن إدارة المشاريع التجارية أو الصناعية أو الزراعية”.

إن هذه الأفكار المعبرة عن تلك المدرسة قد لاقت قبولا في بداية ظهور واستخدام المحاسبة بمفهومها الفني والبسيط، بسبب كون مجال استخدامها كان ضيقا وحجم أعمال المشروعات كان صغيرًا كما أن الطابع والشكل القانوني لملكية تلك المشروعات كان فرديًا.

وتجسد كل ذلك من جراء تطبيق نظام القيد المفرد كأساس للتسجيل المحاسبي. واستمر هذا الوضع لغاية حصول تطور نوعي ملموس في نظام التسجيل المحاسبي في القرن الرابع عشر عندما بدأ الحديث في الأوساط المهتمة بمهنة المحاسبة بالانتقال إلى نظام مغاير للتسجيل المحاسبي اصطلح عليه نظام القيد المزدوج أو (نظام الحساب الثنائي)، وتطورت هذه الأفكار خلال أكثر من قرن لحين ظهورها بشكل مكتوب في نهاية القرن الخامس عشر وذلك عندما أصدر الباحث الإيطالي لوكا باسيولي كتابه عام 1494 تناول فيه نظام القيد المزدوج.

وكان ذلك بمثابة الأساس الموضوعي لظهور المدرسة الثانية.

ثانيًا: المدرسة العلمية

مثلما أسلفنا فإن الكتاب الذي أصدره الباحث الرياضي لوكا باسيولي عام 1494 قد أفرد فيه فصلا عن نظام القيد المزدوج (نظام الحساب الثنائي) ليشكل البداية الفعلية لهذه المدرسة، نظرا لعدم إمكانية استمرار تبني آراء المدرسة الفنية وعدم ملائمة القيد المفرد كنظام لتسجيل الأحداث والمعاملات المالية، التي بدأت تلك الأحداث تتوسع وتزداد انعكاسًا لتوسع حجم ونوع الأنشطة والفعاليات الاقتصادية.

إن جوهر هذه النظرية يدعوا إلى اعتبار المحاسبة علمًا فقط له مبادئ وأسس علمية وفلسفية نظرية ومجال ومنهج بحث علمي كباقي العلوم.

ومن مؤيدي هذه النظرية (غابريل فور) FAURE GABRIEL الذي قدم تعريفا للمحاسبة بأنها:

“علم الحسابات، يمكن من تسجيل الحوادث التي تؤثر على مجموعة من الأموال لإظهار تفاصيل هذه الحوادث والنتيجة التي تنتج عنها”.

غابريل فور – تعريف المحاسبة

كما عرف ليون باتارودون BATARDON LEON بأن:

“المحاسبة هي العلم الذي يبين القواعد الواجب اتباعها لتسجيل العمليات الاقتصادية التي يقوم هبا شخص واحد أو عدة أشخاص”.

ليون باتارودون – تعريف المحاسبة

إن المدرسة الثانية قد عالجت بعض أوجه قصور المدرسة الأولى، لكنها ذاتها لم تخلو من بعض العيوب. وفي مقدمتها نظرتها الأحادية الداعية إلى أن المحاسبة هي علم فقط، وإغفال الجانب الفني عنها. ونظرًا لعدم قدرة أصحاب هذه المدرسة على الصمود والاستمرار في الدفاع عن آرائهم.

وهذا ما استدعى ظهور مدرسة ثالثة كبديل عن المدرستين السابقتين.

ثالثًا: المدرسة الحديثة

إن أصحاب هذه المدرسة لهم رأي مغاير عن المدرستين السابقتين، بحيث يرون بأن المحاسبة علم وفن معًا إذ تحكمها أسس ومبادئ وقواعد ومعايير وأصول وفرضيات وأهداف تتجسد في صياغة نظرية علمية يتم الاستفادة منها والاسترشاد بها في تطبيق الأنظمة المحاسبية في تحقيق الهدف العام للنظام المحاسبي المتمثل بإنتاج وخلق المعلومات المحاسبية اللازمة لاتخاذ القرارات.

نجد أن الأسس قائمة لكن التطبيق متباين طبقًا لآراء وأفكار ومعالجات هذا المحاسب أو ذاك.

مثلا، لا بد من حساب مصروف الإهلاك للتعبير عن تناقص قيمة الأصول الثابتة، حيث يعتبر ذلك أمرًا أساسيًا لا بد من الالتزام به من قبل جميع المحاسبين انسجامًا مع كل من مبدأ التكلفة التاريخية من جهة، ومبدأ مقابلة الإيرادات بالمصاريف من جهة أخرى، لكن نجد أن تطبيق هذا المبدأ متباين بين محاسب وآخر، حسب طريقة ومعدل الإهلاك. وكذلك لا بد من تقويم المخزون الصادر من المخازن إلى مراكز التوزيع بالنسبة للمؤسسات التجارية، أو إلى الأقسام الإنتاجية بالنسبة للوحدات الصناعية، لكن الجانب الفني هنا الذي يختلف حوله المحاسبون، أي من طرق تسعير المخزون التي يستخدمها هذا المحاسب أو ذاك، من الطرق الثلاثة عشر لتسعير المخزون.

من هذه الأمثلة وغيرها تأكد صحة الرأي القائل بأن المحاسبة هي أحد العلوم الاجتماعية، لها أحكامها وأصولها.

كما أنها فن من الفنون التي تعتمد على طريقة فنية للتسجيل المحاسبي للأحداث والمعاملات المالية، والمعالجة المحاسبية لها بما لا يتعارض مع الأصول والمبادئ العلمية والقواعد الأساسية في المحاسبة. كما أن إضفاء الطابع العلمي للمحاسبة ينسجم مع فلسفة تطور الفكر المحاسبي ذاته، والذي كان نتيجة موضوعية لتلبية حاجات ومتطلبات اجتماعية وسياسية واقتصادية وقانونية وبيئية وغيرها من العوامل التي تعكس تطور المجتمع البشري، وحاجة مختلف فئاته إلى نظام للمعلومات يساعدهم في اتخاذ القرارات. فكانت المحاسبة بإطاريها العلمي والعملي تلك الأداة الفعالة التي حققت هذه الأهداف.

الخلاصة

وهكذا كان ظهور المحاسبة وليد التطور الصناعي والتجاري، فأصبح من الضروري على أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والشركات الكبرى أن يسجلوا عملياتهم في الدفاتر والسجلات بشكل يسمح لهم بمعرفة ما عليهم من ديون تجاه الغير، وما لهم من مطلوبات مستحقة لصالحهم. وتتجسد مكانة المحاسبة في إعطاء ونقل المعلومات المالية والاقتصادية مع تبيان المركز المالي الحقيقي للمؤسسة، كما تقوم بتقديم البيانات والنتائج للجهات الإدارية العليا مما يساعدنا على اتخاذ القرارات السليمة، خاصة بالنسبة للحكومة في تحديد سياستها الاقتصادية كوسيلة للرقابة والتخطيط، وكذلك بالنسبة للبنوك في إمكانية منح القروض، وإدارة الضرائب في تحديد الوعاء الضريبي، وغيرها من الهيئات الإدارية الناشطة في مختلف المجالات.

ماهية المحاسبة

لقد كان لقيام الثورة الصناعية في أوربا، وتدفق رؤوس الأموال نحو الصناعة انعكاسات هامة أدى إلى ضرورة البحث في تطوير الأساليب والنظم المحاسبية بقصد تحقيق الهدف الأول وهو إحكام الرقابة، خاصة في المشاريع الصناعية الكبرى التي تواجه مشاكل إدارية تتعقد يومًا بعد يوم، وكذا هدف رسم السياسات السلبية مع تجنب أخطاء الماضي. لهذا تعتبر المحاسبة أداة لا يمكن الاستغناء عنها من أجل التسيير الناجح لمختلف المؤسسات، وفق قيود وشروط محددة تستوجب استعمال مجموعة من المبادئ والأسس والقواعد في تحليل العمليات المالية والمحاسبية عند حدوثها وتسجيلها على أساس الوثائق المثبتة لها، ثم تبويب وتصنيف هذه العمليات وتلخيصها في الوقت المناسب وبصورة سليمة، حتى تتمكن إدارة المؤسسة من تسييرها بكفاءة ونجاح.

تعريف المحاسبة

لقد وردت عدة تعاريف لتوضيح ما المقصود بمفهوم المحاسبة. سنحاول أن نورد بعض التعاريف التي توضح مفهوم المحاسبة الذي أورده بعض الكتاب والباحثين في مجال المحاسبة. وكذلك بعض التعاريف الصادرة عن بعض الجمعيات العلمية والمعاهد المتخصصة في المحاسبة.

تعريف المحاسبة 1

المحاسبة هي علم يشمل مجموعة من المبادئ والأسس والقواعد التي تستعمل في تحليل العمليات المالية عند حدوثها، وتسجيلها من واقع مستندات مؤيدة لها، ثم تبويب وتصنيف هذه العمليات وتلخيصها بحيث تمكن الوحدة الاقتصادية من تحديد إيراداتها وتكلفة الحصول على هذه الإيرادات، ومن ثم استخراج نتيجة أعمالها من ربح أو خسارة عن فترة مالية معينة، وبيان مركزها المالي في نهاية هذه الفترة.

تعريف المحاسبة 2

تعريف المعهد الأمريكي للمحاسبين الأمريكيين AICPA:

المحاسبة هي: “عملية تسجيل وتصنيف (تبويب) وتلخيص العمليات التجارية ذات الأثر المالي، إضافة لاستخلاص النتائج المالية وتفسير هذه النتائج وتحليلها”.

تعريف المحاسبة 3

المحاسبة هي مجموعة من الإجراءات والطرق الفنية الموجهة لمتابعة نشاط المؤسسة، ومدى تأثيره على هيكلة أموالها أو ذمتها المالية خلال مدة معينة هي عمومها السنة المالية.

تعريف المحاسبة 4

المحاسبة هي مجموعة من المبادئ والقواعد المتعارف عليها التي تُستعمل في تسجيل وتبويب وتحليل العمليات المالية والتبادلات التجارية ذات القيمة النقدية في السجلات المحاسبية لغرض تحديد نتائج عمليات الوحدة الاقتصادية خلال فترة مالية معينة وكذلك المركز المالي في نهاية تلك الفترة.

المراجع

  • موسوعة المحاسبة، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top