الأوراق التجارية

ما هي الأوراق التجارية

تعتبر الأوراق التجارية (بالإنجليزية: COMMERCIAL PAPERS) من بين أقدم الأدوات النقدية المستعملة في الأسواق المالية. وقد تناولها الكتّاب بالتحليل والنقاش حتى أصبح المجال خاليًا من أية إمكانية للإضافة النظرية على ما هو معروف عن هذه الأوراق.

المفهوم القانوني والمصرفي للأوراق التجارية

هناك فرق واضح بين المفهوم القانوني والمفهوم المصرفي المعاصر للأوراق التجارية حيث سيتم تناول هذه الأوراق من الناحية القانونية بصورة سريعة. وبعد ذلك سيتم الحديث عن الجانب المصرفي لهذه الأوراق.

المفهوم القانوني للأوراق التجارية

الأوراق التجارية هي سندات قابلة للتداول بمقتضى أحكام القانون وتشمل على ما يلي:

  1. سند السحب، ويسمى أيضًا البوليصة أو السفتجة، وهو محرر مكتوب وفق شرائط مذكورة في القانون يتضمن أمرًا صادرًا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه بأن يدفع لأمر شخص ثالث هو المستفيد أو حامل السند مبلغًا معينًا بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين.
  2. سند الأمر، ويسمى أيضًا بالسند الإذني، ومعروف باسم الكمبيالة وهو محرر مكتوب وفق شروط مذكورة في القانون، ويتضمن تعهد محرره يدفع مبلغ معين بمجرد الاطلاع أو في ميعاد معين أو قابل للتعيين لأمر شخص آخر هو المستفيد أو حامل السند.
  3. الشيك، وهو محرر مكتوب وفق شروط مذكورة في القانون، ويتضمن أمرًا صادرًا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر يكون معرفًا وهو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو لحامل الشيك وهو المستفيد مبلغًا معينًا بمجرد الاطلاع على الشيك.
  4. السند لحامله أو القابل للانتقال بالتظهير..

وتختلف قوانين التجارة في بعض الدول العربية في مجال أنواع الأوراق التجارية عن القانون الأمريكي والإنجليزي في هذا المجال حيث أن القانونين الأخيرين يشملان شهادات الإيداع ضمن هذه الأوراق بينما لا تتناولها قوانين الدول العربية، وشهادة الإيداع حسب تعريف القانون الأمريكي لها هي: اعتراف من بنك باستلام مبلغ من المال، وتعبير عن رغبة صريحة أو ضمنية بإعادة هذا المبلغ في تاريخ معين. وهذه الشهادة تشبه السند الإذني من حيث أن الطرف المصدر الشهادة هو الذي يلتزم بالدفع وتشبه الشيك من جانب آخر لأن الملتزم بالدفع هو بنك.

التعريف المصرفي المعاصر للأوراق التجارية

ينطلق التعريف المصرفي المعاصر للأوراق التجارية من غاية هذه الأوراق كأداة للتمويل قصير الأجل.

هذا ولا يشمل هذا التعريف في مضمونه الكمبيالات والشيكات أو شهادات الإيداع، وإنما يقتصر على السند الإذني أو السند لأمر، ويُقصد به عند الإشارة إلى الأوراق التجارية في هذا الكتاب لاحقًا.

وطبقًا لهذا المفهوم، تُعرف الأوراق التجارية بأنها:

سندات لأمر، قصيرة الأجل، تصدر في السوق المفتوحة من قبل الشركات العالية الملاءة دون ضمانات معينة كالتزام على الجهة المصدرة نفسها.

تعريف الأوراق التجارية

ومن أهم الفروق فيما بين الأوراق التجارية والكمبيالات والسندات لأمر هو أن الأوراق التجارية لا تنطلق في وجودها من عملية تجارية، بل هي عملية مستقلة بذاتها.

وحيث أن مثل هذه الأوراق لا تكون مضمونة وتحمل اسم المصدر فقط، لذا كانت أوراق الشركات الكبيرة ذات الملاءة الائتمانية العالية هي الغالبة على السوق؛ وللتدليل على ذلك، نشير الى أن 90% من الأوراق التجارية المصدرة في السوق الأمريكي تحمل تصنيفًا ائتمانيًا A1-P1، وهذا هو أعلى تصنيف ممكن منحه للأوراق التجارية.

غايات الأوراق التجارية

تلعب الأوراق التجارية دورًا هامًا في الحياة الاقتصادية بسبب سهولة وانخفاض تكلفة إصدارها وتوفيرها لمصدر إضافي للحصول على الأموال إلى جانب طرق الاقتراض التقليدية.

وقد سهلت هذه الأوراق التوسع في العمليات الآجلة وبالتالي زيادة سرعة معدلات النمو الاقتصادي.

ولم يكن لهذا التوسع أن يتحقق بنفس السرعة التي تم بها في ظل غياب هذه الأداة النقدية الهامة.

أهم ما يميز الأوراق التجارية ويساعد في أداء دورها الاقتصادي الهام هو قابليتها للتداول (بالإنجليزية: Negotiability).

حيث وضعت هذه الصفة الأوراق التجارية في مكانة متوسطة بين النقود بقابليتها غير المقيدة للتداول والأموال المنقولة (بالإنجليزية: Chattel) ذات القابلية الأقل للتداول. وقد نتج عن هذا الموقع أن محول أو ناقل ملكية الأوراق التجارية يمنح حماية أقل من تلك الممنوحة لمحول أو ناقل ملكية النقود. لكنه في نفس الوقت يمنح حماية أفضل من ناقل أو بائع الأموال غير المنقولة. وبالرغم من أن الأوراق التجارية تفتقر إلى حرية التحويل التامة التي تتمتع بها النقود، إلا أنها تمتلك خصائص تمكنها من القيام بدور النقود كوسيط في التداول، الأمر الذي كان وراء اتساع استعمالها.

هذا وقد تم استعمال الأوراق التجارية تاريخيًا لغايات عديدة، من أهمها:

  1. وسيلة للاقتراض أو (بالإنجليزية: Borrowing)
  2. وسيلة للحصول على الدفع الآجل أو (بالإنجليزية: Buying on Credit)
  3. ووسيلة لإثبات دين قانم

ويركز المفهوم المصرفي المعاصر للأوراق التجارية على وظيفة الاقتراض لهذه الأوراق.

ويرى فيها وسيلة هامة لتوفير التمويل قصير الأجل، بما فيه التمويل الموسمي وتمويل رأس المال العامل ومواجهة الالتزامات الطارئة مثل دفع الضرائب وتسديد الالتزامات قصيرة الأجل؛ ثم أخذت تستعمل لغايات التمويل التجسيري لبعض المشاريع مثل بناء خطوط الأنابيب والسفن وبنايات المكاتب وخطوط الإنتاج حيث يقوم المقرضون بتحويل هذه الأوراق التجارية قصيرة الأجل إلى قروض طويلة بعد فترة عندما تكون ظروف السوق المالي أكثر مواتاة.

وبعدما يظهر أصحاب المشاريع جديتهم في بناء المشروع المعني وتقل مخاطره ليكون هناك إقبال أكبر من أصحاب الديون طويلة الأجل.

خلفية تاريخية للأوراق التجارية

لا تعتبر الأوراق التجارية القابلة للتداول ابتكارًا حديثًا، بل تعود بأصولها للحضارات المصرية والبابلية القديمة.

وبالتالي فقد كانت معروفة أيام الرومان ولسكان حوض المتوسط فيما بعد وتجر العصور الوسطى.

وقد اعتمد واضعو قوانين الأوراق التجارية الحديثة على تراث تلك الحضارات وما تم توارثه عنها في هذا المجال.

أما المفهوم المعاصر للأوراق التجارية، فتعود أصوله إلى مطلع القرن التاسع عندما بدأت مجموعات كبيرة من الشركات الأمريكية بتطوير إنتاجها وتحديثه، فكانت تحتاج إلى قروض قصيرة الأجل لتمويل رأس المال العامل حيث لجأت إلى إصدار الأوراق التجارية وبيعها خارج الولايات التي تتواجد فيها كبديل للاقتراض المباشر من البنوك، الذي كانت تعيقه طبيعة النظام المصرفي الأمريكي القائم على نظرية الوحدة المصرفية الواحدة التي تمنع البنوك من التفرع على مستوى البلاد. وبالرغم من أن الشركات المالية هي الأنشط في هذا السوق، إلا أنها لم تكن البادئة في تطوير هذه الأداة بل سيقتها إليها الشركات الصناعية، ولم تدخل الشركات المالية هذا السوق إلا في بداية العشرينات من القرن الماضي عندما توسع إنتاج السلع الاستهلاكية المعمرة الأمر الذي أدى إلى زيادة طلب المستهلكين على الائتمان قصير الأجل.

وقد تزايد نشاط هذا السوق بدخول الشركات المصرفية القابضة والبنوك الأجنبية وحتى الدول لهذا السوق.

المناخ المناسب لإصدار الأوراق التجارية

إن المناخ المناسب لإصدار هذه الأوراق في أي سوق مالي هو مناخ تتوفر فيه المعطيات التالية:

  1. رغبة الشركات الكبرى والمؤسسات المالية باستخدامها كأداة للتمويل قصير الأجل على نطاق واسع.
  2. وجود مستثمرين لديهم الرغبة في الاستثمار في هذه الورقة كبديل للطرق التقليدية للاستثمار.
  3. وجود سوق نقدي ووسطاء ماليين للتعامل في هذه الأوراق وتداولها لتعزيز سيولتها.
  4. كذلك وجود إطار قانوني لتنظيم عمليات الإصدار والتداول.
  5. ووجود مميزات لهذه الورقة تغري كافة الأطراف بالتعامل فيها، مثل الدعم الائتماني وسهولة وبساطة إجراءات الإصدار والتحصيل وانخفاض كلفتها.

سقوف الدعم لمصدري الأوراق التجارية

يلجأ مصدرو الأوراق التجارية في معظم الحالات إلى دعم الأوراق الصادرة عنهم كاملا بخطوط ائتمان (بالإنجليزية: Back up Lines of Credit) متفق عليها مع البنوك التجارية وغاية هذه الخطوط هي مساعدة المصدرين على تجاوز مخاطر عدم القدرة على التسديد في موعد الاستحقاق بسبب أزمات قد يتعرضون لها لأسباب تتعلق بأوضاعهم المالية أو لأسباب تتعلق بظروف السوق.

والى جانب مساعدة المصدرين في تجاوز مخاطر عدم القدرة على التسديد، فإن هذه الخطوط تقدم ميزة أخرى هي الاقتراض لفترات قصيرة جدًا.

كما يمكن اقتراض ما يعادل الجزء الذي لا يتم تسويقه من الأوراق المصدرة.

سوق الأوراق المالية

تصدر الأوراق المالية عن العديد من المؤسسات التجارية والصناعية والحكومية.

أما المصدرون الرئيسيون للأوراق التجارية في معظم أسواق العالم فهم المؤسسات الكبيرة ذات الملاءة العالية.

ومن أمثلة هذه المؤسسات:

1. الشركات المالية

تتضمن هذه الفئة ثلاثة أنواع من الشركات المالية هي:

  1. الشركات المملوكة من الشركات الصناعية الكبرى (بالإنجليزية: Captive Financial Companies): وتكون الغاية من إصدارات هذه الشركات تمويل مبيعات الشركة الأم، وتعتبر شركات التمويل الرئيسية الأربع التالية المملوكة من قبل شركات السيارات الكبرى في أمريكا وبعض الشركات الأخرى من أفضل الأمثلة على هذه النوع من الشركات: GENERAL MOTORS ACCEPTANCE CORP, FORD CREDIT, CHRYSLER FINANCE, SEARS ROEBUCK ACCEPTANCE CORP
  2. الشركات المملوكة من الشركات المصرفية القابضة أو (بالإنجليزية: Bank Related Finance Co): تستعمل هذه المجموعة حصيلة الإصدارات لتمويل عمليات ذات صلة بالأعمال المصرفية مثل تقديم القروض لتمويل الأصول الثابتة ومختلف أنواع التمويل الطويل الأجل مثل التأجير أو (بالإنجليزية: Leasing) والرهونات العقارية.
  3. والشركات المالية المستقلة أو (بالإنجليزية: Independent Financial Companies).

2. الشركات غير المالية

تعتبر إصدارات هذه المجموعة من الشركات غير المالية أو (بالإنجليزية: NON – FINANCIAL COMPANIES) أقل تكرارًا من إصدارات المجموعة الأولى. وغالبًا ما يستعمل الاقتراض لغايات مواجهة رأس المال العامل، مثل الزيادة في المخزون أو دفع الرواتب أو ما شابهها من الالتزامات قصيرة الأجل.

وعلى الرغم من أن المصدرين التقليديين للأوراق التجارية هي الشركات الكبيرة ذات الملاءة العالية، إلا أن الشركات الصغيرة الأقل ملاءة قد تمكنت من دخول هذا السوق أيضًا في السنوات الأخيرة وذلك من خلال إضافتها لدعم مالي (بالإنجليزية: CREDIT SUPPORT) لمراكزها المالية إما من مؤسسة أخرى ذات تصنيف ائتماني عال، وقد أطلق على الأوراق التجارية التي تصدر بمثل هذا الترتيب تسمية بالإنجليزية وهي (CREDIT SUPPORTED COMMERCIAL PAPER)، أو من خلال تقديم ضمانة عينية من نوعية جيدة ضمانًا للإصدار، وقد أطلق على هذه الأوراق تسمية بالإنجليزية وهي (ASSET – BACKED COMMERCIAL PAPER).

إن تقديم دعم للأوراق المصدرة بأحد الشكلين السابقين، وبشكل خاص الدعم المصرفي، يساعد مصدر الأوراق في الحصول على تصنيف A1-P1.

وقد اجتذبت هذه الأداة في السنوات الأخيرة الكثير من الاهتمام بسبب انتشارها الواسع واستعمالها كبديل للحصول على القروض المصرفية قصيرة الأجل.

أهمية الورقة

وللتدليل على أهمية هذه الورقة، يمكن مراجعة بعض الإحصائيات من سوق الأوراق التجارية الأمريكي (بالإنجليزية: USCP)، وسوق الأوراق التجارية الأوروبي (بالإنجليزية: ECP) الذي بدأ في الظهور عام 1960 عندما كان تصدير رأس المال من أمريكا مقيدًا بالضرائب وإجراءات أخرى، حيث بدأت بعض الشركات الأمريكية بإصدار أوراق تجارية في سوق لندن، بعد إلغاء ضريبة تعادل الفائدة في أمريكا، والتي كانت أصلا السبب الرئيسي في نشوء سوق لندن الأمر الذي جعل الاقتراض المحلي أرخص كلفة بصورة أدت إلى تراجع هذا السوق قليلا.

وهناك أيضًا سوق الأوراق التجارية الإسترليني (SCP).

هذا وتشكل إصدارات الشركات حوالي 50 % من إجمالي الإصدارات.

وقد بدأت البنوك التجارية اعتبارًا من عام 1989 بإصدار أوراق تجارية لمدة 5 سنوات.

إلى جانب العديد من الأسواق الأقل أهمية في مختلف بلدان العالم.

هذا ويغلب على أسواق الأوراق التجارية في العالم الطابع المحلي.

العوامل التي ساعدت على تطوير سوق الأوراق التجارية

لا بد هنا من الإشارة إلى مجموعة من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير سوق الأوراق التجارية، وهي:

  1. اهتزاز ثقة بعض المودعين في بعض البنوك خلال أزمة ديون العالم الثالث، الأمر الذي شجعهم على البحث عن بدائل لاستثمار فوائضهم النقدية تجنبًا للبنوك أو (بالإنجليزية: DISINTERMEDIATION).
  2. رغبة المقترضين في الاقتراض المباشر من أصحاب الفوائض النقدية توفيرًا للنفقات.
  3. تفضيل المستثمرين للاستثمار في أصول عالية السيولة بمردود أفضل من مردود الودائع والأوراق الحكومية.
  4. تلبي هذه الأوراق الرغبة في توجه المستثمرين نحو الإقراض المسند أو (بالإنجليزية: SECURITIZED) لغايات السيولة.

مدة الأوراق التجارية

المدة التقليدية لإصدار الأوراق التجارية في السوق الأمريكي هي من 3 إلى 270 يومًا. والمدة الأكثر شيوعًا هي الفترات التي تتراوح ما بين 30 – 50 يومًا.

ويعتبر الحد الأقصى 270 يومًا أمرًا يختص بالسوق الأمريكي وحده لأن القانون الأمريكي يتطلب القيام بإجراءات تسجيل لدى لجنة تداول الأوراق المالية (بالإنجليزية: SECURITY EXCHANGE COMMISSION / SEC) إذا كانت مدة الأوراق تزيد على 270 يومًا.

وتجنبًا لإجراءات التسجيل هذه والتكاليف المرتبطة بهاء توخي المصدرون بأن لا تزيد مدة الإصدار عن 270 يومًا كحد أقصى.

إلى جانب هذه الاعتبارات في تحديد مدة الأوراق التجارية، هناك اعتبار آخر يتعلق بالسيولة حيث تستطيع البنوك الاقتراض من البنك المركزي لقاء الأوراق التي لا تزيد مدتها عن (90) يومًا. علمًا بأن الأوراق التجارية القابلة للخصم لدى البنك المركزي أقل كلفة من الأوراق غير القابلة لذلك.

إن ما سبق لا يعني عدم إمكانية إصدار أوراق لمدة أطول لأن هناك الكثير من الإصدارات التي تزيد مدتها عن الشهر وتصل إلى عدة سنوات. وهو الأمر الذي يجعل من هذه الورقة ليس ورقة تمويل قصير الأجل، بل أيضًا ورقة تمويل متوسط الأجل.

أنواع الأوراق التجارية

يتم إصدار وتسويق الأوراق التجارية، إما مباشرة ومن قِبل المُصدر أو من خلال وسيط، كما يتضح مما يلي:

1. الورقة المباشرة

الورقة المباشرة أو (بالإنجليزية: DIRECTLY PLACED PAPERS)، ويصدر هذا النوع بشكل رئيسي عن الشركات المالية والشركات المصرفية القابضة. حيث يتوجه المصدرون عادة إلى المستثمرين مباشرة دون استعمال وسيط. وبحكم ملاءة ومكانة مثل هؤلاء المصدرين وتصنيفهم العالي، نجدهم يحددون سعر الفائدة الذي يدفعونه لمختلف الاستحقاقات.

أما على جانب المستثمرين، فإنهم يختارون من هذه الإصدارات تلك التي تتناسب في مدتها والمدة التي ينوون الاستثمار خلالها. وباستعمال هذه الطريقة، يتفادى المصدرون دفع أتعاب إصدار للوسطاء لكنهم يتحملون أتعاب مؤسسات التصنيف ووكلاء الدفع والتحصيل كما سبق وتم الإشارة إليه.

ومن المزايا الرئيسية لهذا النوع من الإصدار، من وجهة نظر المصدر، توفير عمولة وكلاء الإصدار التي هي بحدود 1/8%.

2. الورقة المصدرة من خلال وسيط

في حالة الورقة المصدرة من خلال وسيط (بالإنجليزية: DEALER PLACED PAPER) يستعمل المصدرون خدمات وسيط أوراق مالية (بالإنجليزية: SECURITY DEALER) لبيع أوراقهم. ويصدر معظم هذا النوع من الأوراق من قبل شركات غير الشركات المالية الكبيرة، مثل:

  • شركات الخدمات العامة (كهرباء، مياه، اتصالات)
  • والشركات الصناعية
  • وشركات الجملة والمفرق
  • بالإضافة إلى الشركات المالية والبنوك الصغيرة.

هذا وقد تبيع المؤسسات المصدرة كامل إصدارها لأحد الوسطاء بخصم وعمولة. وتقع على هذا الوسيط في مثل هذه الحالة مسؤولية التسويق بعد ذلك، أو تقوم المؤسسة المصدرة بتحمل مخاطر البيع ويقتصر دور الوسيط على البيع على أساس أفضل المساعي مقابل عمولة وبأسعار محددة من المصدر.

هذا ويبلغ معدل الأوراق التي تباع من خلال وسطاء في السوق الأمريكي حوالي 55% من إجمالي الإصدارات بينما يباع الباقي مباشرة للمستثمرين.

ومن المناسب الإشارة هنا إلى أن السلطات الأمريكية قد بدأت تسمح لبعض الإصدارات الخاصة (بالإنجليزية: PRIVATE PLACEMENT) لفترات تزيد عن 270 يومًا شريطة أن يكون هناك تحديد واضح لاستعمال حصيلة الإصدار وأن يقدم المصدر مسبقًا أسماء المشترين المتوقعين والذين يجب ألا يزيد عددهم عن 100 مشتر، وأن توافق SEC على هذه الأسماء. وغالبًا ما تستعمل هذه الإصدارات في حالات بناء المشاريع الكبيرة مثل مشاريع الإنشاءات والخدمات.

تكاليف الإصدار

عدا عن كلفة الفائدة، هناك تكاليف أخرى للإصدار، منها:

  1. كلفة خطوط الائتمان المصرفية: وتتراوح هذه الكلفة ما بين 3/8% إلى 3/4%.
  2. تكاليف وكيل الإصدار والدفع: وتتمثل هذه التكاليف بالعمل الإداري المرتبط بإصدار الأوراق نفسها وفي جمع حصيلتها وتوريدها للمقترض.
  3. تكاليف التصنيف: حيث تتقاضى هذه المؤسسات أتعابًا سنوية تتراوح ما بين 5000 إلى 25000 دولار.

تصنيف الأوراق التجارية

تتميز البنوك التجارية بخبرتها في تقييم قدرة مدينيها على الوفاء بالقروض المقدمة لهم. أما الفئات الأخرى من المستثمرين، فهي لا تتمتع بمثل هذه القدرة، وبالتالي نجدهم يعتمدون على طرف ثالث لأجل القيام بهذه العملية نيابة عنهم، ونتيجة لهذه الحاجة تكونت في بعض الأسواق شركات تتخصص في عمليات التصنيف الائتماني والتي تقوم في جوهرها على عملية تقييم مستمرة للملاءة الائتمانية للمقترض ومدى قدرته على خدمة دينه.

ويتم تصنيف الأوراق التجارية (بالإنجليزية: COMMERCIAL PAPER QUALITY RATING) والالتزامات طويلة الأجل التي تصدرها الشركات عادة ضمن ثلاث قنات كل منها يتضمن ثلاث فئات أيضًا، حيث يتراوح التقييم بين:

  • AAA للسندات الممتازة
  • وCCC للسندات غير الجيدة

أما الالتزامات قصيرة الأجل، فيتم تصنيفها بين ما هو مقبول للاستثمار (بالإنجليزية: INVESTMENT) وما هو عالي المخاطر (بالإنجليزية: SPECULATIVE).

هذا ويتم تصنيف الأوراق التجارية ضمن الفئة الأولى أو (بالإنجليزية: INVESTMENT) وذلك على النحو التالي:

  • رئيسي Prime
  • مرغوب Desirable
  • مُرضي Satisfactory

ويعتمد التصنيف عادة على الموقف المالي للشركة المصدرة للأوراق، ولهذه الغاية تلجأ الشركات الراغبة في الإصدار إلى المؤسسات المتخصصة في التصنيف.

أمثلة من السوق الأمريكي:

من قبيل المثال، يمكن الإشارة إلى بعض الشركات العاملة في السوق الأمريكي في هذا المجال، ومن أشهرها:

  • MOODY’S IN SERVICE
  • STANDARD & POORS CORPORATION

هذا وتعطي شركة MOODY’S تصنيف Prime-1) P1) لأفضل الأوراق وP2 وP3 للأنواع الأقل جودة. أما شركة (STANDARD & POOR’S)، فتعطي التصنيف A1, A2, A3 للأوراق المنوي الاستثمار فيها.

إن وجود مؤسسات التصنيف هي إحدى أساسيات وجود سوق أوراق مالية متطورة. لأنه من الصعوبة بمكان أن تتمكن الشركات العاملة في الأسواق الكبيرة من تسويق أوراقها دون تصنيف. علمًا بأن الأوراق التي تحمل تصنيفًا من شركتين هي الأوراق الأكثر تفضيلا من قبل جمهور المستثمرين والوسطاء.

إن الأوراق المطروحة في الأسواق هي في معظمها مصدرة من شركات من الدرجة الأولى وتتمتع بتصنيف عالي (A1, P1). والدليل على ذلك محدودية عدد حالات الفشل في مثل هذا النوع من التمويل.

ويعتمد التصنيف المعطى لأي إصدار بشكل رئيسي على سيولة المصدر وعلى مدى خطوط الدعم (بالإنجليزية: AMOUNT OF BACK LINES OF CREDITS) التي يتمتع بها المصدر. وبالرغم من أن كل شركة تعمل في مجال التصنيف تضع معاييرها الخاصة، إلا أنها لا تختلف في النتيجة لأن كل تصنيف فيها يعتمد على قدرة إدارة المقترض وإيراداته ومركزه المالي.

هذا ويتفاوت ما تركز عليه شركات التصنيف باختلاف نشاط المقترض.

وفي كل الأحوال، فإن التصنيف المتقدم يعتمد على:

  • قوة الإدارة
  • وقوة مركز الشركة في الصناعة التي تنتمي إليها
  • والاتجاهات الإيجابية للإيرادات
  • وكفاية السيولة
  • والقدرة الكاملة على الاقتراض لمواجهة الالتزامات المتوقعة وغير المتوقعة من أكثر من مصدر
  • وتصنيف للديون طويلة الأجل لا يقل عن A

وإذا كانت هذه الشروط أقل مما هو أعلاه، فإن التصنيف قد ينخفض إلى درجة أدني.

العائد على الأوراق التجارية

تشبه الأوراق التجارية سندات الخزينة من حيث كونها أدوات مخصومة أو (بالإنجليزية: Discount Instruments). أي أنها تباع بأسعار أقل من قيمتها الاسمية التي ستدفع عند الاستحقاق. ويعادل الفرق بين القيمة الاسمية وسعر الشراء الفائدة التي سيحصل عليها المستثمر. هذا وتعتبر السنة (360) يومًا لغايات احتساب سعر الأوراق التجارية.

يتبع السعر الذي يدفع للأوراق التجارية سعر الفائدة في السوق النقدي، ومع ذلك فإن فائدة الأوراق التجارية أعلى من سعر فائدة الخزينة لأسباب تتعلق بما يلي:

  1. الخط الانتمائي.
  2. الاعتبارات الضريبية: حيث أن جزءًا من فوائد سندات الخزينة معفي من ضريبة الدخل.
  3. السيولة: حيث سندات الخزينة أكثر سيولة من الأوراق التجارية، وهي أيضًا أعلى من سعر الفائدة على شهادات الإيداع يسبب الفرق في مخاطر المقترض ومصدر شهادة الإيداع.

هذا ويمكن أن تصدر الأوراق التجارية بفائدة معينة، حيث تصدر الأوراق وتباع بالقيمة الاسمية وتسدد القيمة الاسمية مع الفوائد بتاريخ الاستحقاق. وفي كلا الحالتين فان سعر الفائدة للورقة التجارية يعتمد ويرتبط بمعدلات أسعار الفوائد لأدوات السوق النقدي المشابهة والتي تحمل نفس الاستحقاق مثل شهادات الإيداع والقبولات المصرفية.

حساب سعر الأوراق التجارية

الورقة التي لا تحمل سعر فائدة (تصدر بخصم):

السعر = (سعر الخصم × عدد الأيام المتبقية حتى تاريخ الاستحقاق) × القيمة الاسمية للورقة ÷ 360

الورقة التي تحمل فائدة (تصدر بالقيمة الاسمية):

السعر = (سعر الفائدة المثبت على الورقة × القيمة الاسمية للورقة + القيمة الاسمية للورقة) ÷ (سعر الفائدة المثبت على الورقة × القيمة الاسمية للورقة) × (عدد الأيام المتبقية + القيمة الاسمية للورقة)

الكلفة الفعلية للأوراق التجارية

تستوفي الفائدة على الأوراق التجارية بالخصم من قيمتها الاسمية، فالورقة التجارية التي تصدر بـ 100 ألف جنيه لمدة 90 يومًا بفائدة 12% تباع عادة بـ 97000 جنيه، احتسبت كما يلي:

السعر = (100000 – 90/100000) × (90/360) × (1/100) = 97000 جنيه.

وحيث أن المصدر للورقة لا يتاح له استعمال إلا مبلغ 97 ألف جنيه، لذا يجب أن تحسب كلفته على أساس المبلغ الذي استفاد منه.

هذا ويتم احتساب الكلفة الحقيقية بموجب المعادلة التالية:

الكلفة الحقيقية للفائدة = (3000 ÷ 97000) × (360 ÷ 90) = 12.37%.

ويمكن صياغة المعادلة الخاصة بإيجاد الكلفة الحقيقية على النحو التالي:

الكلفة الحقيقية للفائدة = سعر الخصم ÷ (1 – (سعر الخصم × مدة الاستحقاق) ÷ 360)

إيجابيات وسلبيات الأوراق التجارية

تتمتع الأوراق التجارية بالعديد من المزايا والإيجابيات، أهمها ما يلي:

  1. انخفاض كلفتها بالمقارنة مع قروض البنك، حيث تزيد الأخيرة عن الأولى بحدود 1% وربما أكثر.
  2. الفوائد على الأوراق التجارية أكثر مرونة من الفوائد على القروض المصرفية.
  3. قصر المدة الممكن الحصول فيها على الأموال بواسطة الأوراق التجارية، حيث لا تتجاوز هذه المدة يومين، مقابل قروض البنوك التي يحتاج الاتفاق عليها إلى مدة أطول.
  4. إمكانية الحصول على مبالغ أكبر مما يمكن الحصول عليه من البنوك بسبب اتساع قاعدة تسويقها وتعدد المقرضين وبسبب القيود على حدود الإقراض لدى البنوك للعميل الواحد، الأمر الذي قد يضطرها إلى اللجوء إلى أسلوب القروض المجمعة مع ما يتطلبه ذلك من جهد ووقت.
  5. القدرة على إصدار الأوراق التجارية يحسن من الموقف التفاوضي للشركات في مواجهة البنوك.
  6. تعزيز مكانة المقترض الذي تنجح أوراقه المالية في السوق.
  7. سهولة وبساطة إجراءات الإصدار والتوثيق.

وفي المقابل، هناك بعض الجوانب السلبية المتعلقة بالأوراق التجارية، يمكن إجمالها كالتالي:

  1. قد يؤدي التوسع في إصدارها إلى إهمال العلاقة مع البنوك، وهذا ليس في صالح المؤسسات لأن الحاجة إلى البنوك تبقى دائمة.
  2. سوق الأوراق المالية حساس وعرضة للتأثر السريع بالظروف الاقتصادية.
  3. عدم إمكانية الدفع المسبق، كما هو الحال في قروض البنوك.
  4. اقتصار استعمالها على الشركات الكبيرة ذات المراكز المالية القوية، وبالتالي فهي ليست في متناول صغار المقترضين.
  5. ضرورة دفع الأوراق التجارية بتواريخ استحقاقها، حيث لا يتفهم حاملو هذه الأوراق عادة أوضاع المقترض الذي لا يستطيع الوفاء كما قد تتفهمها البنوك المعتادة على مثل هذه الأموال من المفترضين.

السوق الثانوي للأوراق التجارية

تُشترى الأوراق التجارية عادة من قطاع واسع من الشركات والمستثمرين المؤسسيين (بالإنجليزية: INSTITUTIONAL INVESTORS) الراغبين باستثمار فوائضهم النقدية لفترات قصيرة وبأسعار منافسة لأسعار فوائد الودائع لدى البنوك التجارية.

هذا ويتركز تداول هذه الأوراق في السوق الأولى، وقد أثرت طبيعة المستثمرين فيها على نشاط سوقها الثانوي.

وأهم المؤشرات على السوق الثانوي للأوراق التجارية (بالإنجليزية: SECONDARY MARKET OF COMMERCIAL PAPER) والمباعة من خلال متعاملين (بالإنجليزية: DEALERS) هي وقوف كل متعامل في الأوراق التجارية مستعدًا لشراء الأوراق التي قام ببيعها بسعر السوق للأوراق المماثلة في النوعية والمدة، مضافًا إلى ذلك هامشًا مقداره (1/8%)، وبالرغم من هذا السوق الثانوي، إلا أنه لا ينظر إلى الأوراق التجارية أنها تتمتع بنفس سيولة أدوات السوق النقدي الأخرى،. لذا فإن المستثمر الذي يحمل ورقة تجارية لا يستطيع الاطمئنان الكامل إلى سيولة ورقته.

إن الأسباب التي حالت دون تطوير سوق ثانوي نشط للأوراق التجارية عديدة، منها:

  1. عدم تطابق الأوراق المالية في السوق كما تتطابق سندات الخزينة وشهادات الإيداع.
  2. تخطيط جزء كبير من المستثمرين للاحتفاظ بمخزونهم من الأوراق التجارية لغاية الاستحقاق.
  3. ارتفاع الهامش الذي يتقاضاه المتعاملين عند الشراء.
  4. قصر أجل هذه الأوراق التي لا يزيد معدلها عن 22 يومًا.
  5. عدم رغبة المصدرين في تداول أوراقهم لأنه قد يزيد من كلفة الإصدارات القادمة.

وبالرغم من أن سوق الأوراق التجارية أكبر حجمًا من سوق أية أداة أخرى من أدوات السوق النقدي في الأسواق المالية المتطورة، إلا أن حجم التعامل بهذه الأوراق في السوق الثانوي أصغر كثيرًا من حجم التعامل بالأدوات الأخرى.

لقد أثرت محدودية السوق الثانوي لهذه الأوراق على قرارات المستثمرين الذين أصبحوا يركزون على تطابق استحقاق الأوراق المشتراة وفترات توفر الفوائض النقدية لديهم.

إن المعوقات الرئيسية أما تطوير سوق للأوراق المالية في المجتمع العربي هي معوقات ثقافية بالدرجة الأولى. وما عدا ذلك لا توجد معوقات ذات أثر هام؛ ولهذا يعتقد بأن تطوير هذا السوق يتطلب ما يلي:

المعوقات أمام تطوير سوق الأوراق المالية

  1. قبول الإدارات المالية في المؤسسات والشركات الكبيرة بهذه الأداة كوسيلة للحصول على التمويل قصير الأجل.
  2. تطوير متعاملين في هذه الأوراق من البنوك التجارية والشركات المالية.
  3. إلغاء رسوم الطوابع على مثل هذه السندات لأنها ذات كلفة معيقة لانتشارها كأداة تستعمل لغايات الاقتراض؛ كما يتطلب تطوير سوق للأوراق المالية إلغاء رسوم الطوابع أيضًا على جميع الأدوات المالية النقدية والعقود المصرفية لأن مثل هذه الرسوم هي من المعوقات في سبيل تطوير السوق المالية لأدوات جديدة.

كيفية تطوير سوق الأوراق التجارية

إلى جانب مناخ قانوني مناسب ودور إيجابي من البنوك المركزية، فإننا نحتاج إلى إيجاد اهتمام من الأطراف الرئيسية لمثل هذا السوق، وهم:

  1. مقترضون متفهمون لأهمية هذه الأداة ودورها في توفير التمويل قصير الأجل السريع.
  2. مستثمرون متفتحون على الأدوات النقدية الجديدة في السوق.
  3. مؤسسات تصنيف تتولى تقييم ملاءمة مصدري الأوراق نيابة عن جمهور المستثمرين.

هذا ويُعتقد بأن المعوقات أمام الأوراق التجارية في المجتمع العربي هي معوقات ثقافية أكبر منها معوقات مؤسسية أو قانونية. وذلك حيث لا يوجد ما يمنع من المباشرة في إصدار هذه الأوراق وحتى في ظل غياب مؤسسات التقييم الائتماني. إذ بالإمكان التعويض عن هذا الأمر بواسطة إصدار الأوراق التجارية المدعومة بكفالات مصرفية.

المراجع

  • موسوعة الإدارة المالية، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top