إدارة النقد

مفهوم إدارة النقد

إن الغاية من إدارة النقد (بالإنجليزية: CASH MANAGEMENT) هي إحكام الرقابة على الموجود منه لدى المؤسسة، وتخطيط الاحتياجات المستقبلية منه ضمانًا لوجوده عند الحاجة إليه، وضمانًا لكفاءة استخدامه بشكل يوازن بين هدفي الربحية والسيولة.

ويُقصد بالنقد، لأغراض التخطيط المالي، بأنه النقد بصورته القانونية والأرصدة لدى البنوك وشبه النقد، كالودائع المربوطة والأوراق المالية القابلة للتسييل السريع.

أسباب الاحتفاظ بالنقد

حدد الاقتصادي جون كينز JOHN M. KEYNES ثلاثة حوافز (بالإنجليزية: MOTIVES) رئيسية لاحتفاظ الوحدة الاقتصادية بالنقد، وهي:

1. حافز العمليات

المقصود بالنقد المُحتفظ به لغاية حافز العمليات أو (بالإنجليزية: TRANSACTION MOTIVE)، هو ما تحتفظ به المؤسسة من نقد لمواجهة احتياجات عملياتها العادية، مثل دفع ثمن المشتريات وأجور العاملين. هذا ويتوقف حجم النقد المحتفظ به لهذه الغاية على حجم المؤسسة والمدى الزمني بين مواعيد دخول النقد إلى المؤسسة ومواعيد خروجه منها، ومدى الاستقرار في تدفقاته النقدية.

وقد يكون في مستطاع بعض المؤسسات تقليل النقد المحتفظ به لغايات العمليات من خلال تقليص المدى الزمني بين دخول النقد وخروجه، ومن خلال الدقة في التزامن بين النقد الداخل إليها والخارج منها، وخاصة في المؤسسات التي تتصف تدفقاتها النقدية بالاستقرار، مثل شركتي الكهرباء والاتصالات. وأما الحالات التي يتصف فيها التدفق النقدي بعدم الاستقرار، كتجارة الأجهزة الكهربائية والسلع الكمالية، فإن الاحتياجات النقدية للعمليات تكون مرتفعة بسبب الذبذبات الكبيرة المتوقعة وغير المتوقعة في النقد الداخل.

2. حافز الاحتياط

المقصود بالنقد لغاية حافز الاحتياط (بالإنجليزية: PRECAUTIONARY MOTIVE) هو ما تحتفظ به المؤسسة لمواجهة ظروف غير عادية وغالبًا ما يكون النقد المحتفظ به لهذه الغاية على شكل ودائع مربوطة أو أوراق مالية سريعة التسييل لتقليل فرص الربح الضائعة. ويحَدد مقدار النقد اللازم لهذه الغاية في ضوء دقة انتظام التدفق النقدي للمؤسسة المعنية.

فإذا كانت التدفقات النقدية منتظمة يمكن الاحتفاظ باحتياطي منخفض، وإذا كان العكس يجب الاحتفاظ باحتياطي نقدي عالِ.

وهناك عامل أخر يلعب دورًا في تحديد النقد المحتفظ به لهذه الغاية، وهو قدرة المؤسسة على الاقتراض عندما تنشأ الحاجة لذلك خلال فترة قصيرة جدًا، وكذلك السقوف غير المستعملة من تسهيلاتها، وهذا يتوقف على وضع المؤسسة المالي وعلى علاقاتها مع البنوك والمؤسسات المالية.

3. حافز المضاربة

أهم موجب للاحتفاظ بالنقد لغاية حافز المضاربة (بالإنجليزية: SPECULATIVE MOTIVE) هو توفير القدرة على اغتنام فرص الربح الممكن إذا طرأت فجأة، ومثل هذه الغاية غير ذات أهمية بالنسبة لكثير من المؤسسات التي لا تهتم بمثل هذه الأعمال، ذلك أن تركيزها دائمًا موجه نحو نشاطها الأساسي، إلا أنها قوية لدى الأفراد الذين يبحثون دائمًا عن فرص الاستثمار المربحة.

مزايا الحجم المناسب من النقد

إلى جانب الحوافز الثلاثة للاحتفاظ بالنقد، فإن الإدارة السليمة لرأس المال العامل تتطلب أيضا الاحتفاظ بكمية مناسبة منه لتحقيق مجموعة من المزايا المحددة، ومنها:

  1. إمكانية حصول المؤسسة على خصومات تجارية عند شراء السلع التي تتعامل بها، وذلك إما نتيجة للدفع النقدي أو للدفع خلال المدة المسموح بها للحصول على الخصم.
  2. تحسين المركز الائتماني للمؤسسة من خلال إظهار نسب سيولة جيدة مقارِبة للنسب السائدة في الصناعة التي تنتمي إليها.
  3. تحسين فرصة الاستفادة من ظروف العمل المواتية ومن الفرص التي تمر بالمؤسسة من وقت لآخر.
  4. إمكانية مقابلة الطوارئ كالحريق ومشكلات التسويق والتوسع السريع.

أهداف إدارة النقد

الهدف الرئيسي لإدارة النقد هو تقليل مخاطر السيولة على المؤسسة، ويمكن تفصيل هذا الهدف على النحو التالي:

1. مواجهة الاحتياجات النقدية

وتتم مواجهة الاحتياجات النقدية أو (بالإنجليزية: MEETING CASH NEEDS) من خلال:

  1. إعداد التنبؤات للتدفقات النقدية الداخلة والخارجة
  2. توفير التمويل للاحتياجات المتوقعة وغير المتوقعة

2. تقليل الاحتياجات النقدية

ويتم تقليل الاحتياجات النقدية أو (بالإنجليزية: MINIMIZING CASH NEEDS) من خلال ما يلي:

  1. تقليل تسرّب النقد من المؤسسة
  2. الإسراع في تحصيل ديون المؤسسة
  3. التأخير في دفع المستحقات على المؤسسة إلى أقصى حد ممكن مسموح به من قبل الدائنين دونما إضرار بسمعة المؤسسة الانتمائية.

3. تقليل كلفة النقد

ويتم تقليل كلفة النقد (بالإنجليزية: MINIMIZING CASH COST) من خلال ما يلي:

  1. تقليل الحاجة إلى النقد.
  2. الاقتراض بأفضل الشروط الممكنة.
  3. البحث عن أفضل الفرص لاستثمار الفوائض النقدية.

4. تفادي الخسائر

تفادي الخسائر التي قد تنجم عن الدخول أو الالتزامات بالعملة الأجنبية التي قد تنتج عن التغير في أسعار الصرف.

تحديد الحجم المناسب من النقد

يتأثر حجم النقد الذي تحتفظ به المؤسسة بمجموعة من العوامل، وفيما يلي إشارة سريعة إلى أهم هذه العوامل:

1. الانحرافات المتوقعة في التدفقات النقدية

والأداة الرئيسية التي تساعد المؤسسات في تقدير حجم ومواعيد هذه الانحرافات هي الميزانية النقدية التقديرية. ولتكون هذه الأداة فعالة في تحقيق هذه الغاية، يجب أن تُنظم بشكل تعكس فيه موسمية النشاط وذروته، كما سبق وتم توضيحه في موضوع التدفق النقدي.

2. الانحرافات غير المتوقعة في التدفقات النقدية

المقصود بذلك تلك الانحرافات الممكن أن تنشأ نتيجة لعوامل طارئة وغير متوقعة، مثل الحريق والحروب والكوارث الطبيعية.

وقد يكون من الصعب الاحتياط لمثل هذه الأمور خاصة إذا ما كانت نتائجها على المؤسسة كبيرة، إذ يستحيل من الناحية العملية الاحتفاظ باحتياطي نقدي لإعادة بناء المؤسسة إذا ما دمرها حريق، ولكن الاحتياط المناسب لهذه الغاية فحسب هو التأمين ضد مثل هذه المخاطر.

3. مدى توافر مصادر أخرى للأموال

يتأثر حجم الرصيد النقدي الذي يتوجب الاحتفاظ به بمدى توافر مصادر خارجية أخرى يمكن أن تمد المشروع بالاحتياجات النقدية الطارئة، إذ تتدني هذه الاحتياجات عندما تتوافر مثل هذه المصادر، والعكس صحيح.

ومن المصادر التي يمكن تدبير تمويل طارئ منها:

  1. أصحاب المشروع إذا توافرت لديهم الموارد الكافية.
  2. البنوك إذا كانت المؤسسة تتمتع بمركز ائتماني جيد وعلاقات جيدة معها.
  3. الموردون، وذلك إذا كانت المؤسسة تتمتع بمركز ائتماني جيد وعلاقات جيدة معهم أيضًا.

وبالإضافة لتلك المصادر، يمكن للمؤسسة أن تلجأ إلى تحويل الذمم المطلوبة لها إلى أوراق قبض، وتقوم بخصمها أو تلجأ إلى بيع الأوراق المالية أو تقوم ببيع بعض أصولها الثابتة وتعيد استئجارها.

4. التغير التكنولوجي

يتطلب مثل هذا التغير زيادة الأرصدة النقدية لمواجهة الاستثمارات المستمرة في موجودات المؤسسة الآلية.

5. الالتزامات التعاقدية لتسديد الالتزامات

يرتفع النقد لدى المؤسسة مع اقتراب مواعيد هذه الالتزامات وينخفض بعدها مباشرة.

6. مدى كفاية الإدارة النقدية للمؤسسة

تتمكن الإدارة ذات الكفاءة العالية من العيش مع كمية أقل من النقد.

7. العلاقة مع البنوك

يتأثر هذا العنصر بعاملين:

  1. الأول: مرتبط بالبنك نفسه.
  2. الثاني: مرتبط بالمؤسسة نفسها.

وبالنسبة للعنصر المرتبط بالبتك، فإن ذلك يكمن في قدرته على تقديم التمويل الكافي لاحتياجات المؤسسة، إذ تُحدد هذه القدرة بناء على إمكانياته، وعلى كمية التسهيلات للمؤسسة، وعلى حجم البنك ورأسماله وقدرة إدارته وعلاقته مع المؤسسة والسياسات النقدية.

أما فيما يتعلق بالعنصر المرتبط بالمؤسسة نفسها، فإن إمكانية حصولها على ائتمان مصرفي يتوقف على سلامة مركزها الائتماني ومدى علاقتها السابقة مع البنك.

8. عوامل أخرى متنوعة

إضافة للعوامل المذكورة أعلاه، هناك أربعة عوامل هامة تؤثر على حجم النقد الذي تحتفظ به المؤسسة وهي:

  • الموسمية والدورات التجارية.
  • سياسة تخزين البضائع.
  • سياسة البيع والتحصيل.
  • استعمال الاستئجار أو الشراء النقدي لحيازة الأصول.

إدارة التحصيلات والمدفوعات النقدية

الهدف الرئيسي من إدارة النقد في المؤسسة هو الإسراع في تحصيل الديون من المدينين وتقليص الفارق الزمني بين استلام أدوات الدفع (شيكات، حوالات، .. إلخ) وتحصيل قيمة هذه الأدوات تقدًا. وفي المقابل، فإن الغاية من إدارة المدفوعات النقدية هو إبطاء المدفوعات للدائنين وتطويل مدتها لإبقاء الأموال في حسابات المؤسسة لأطول فترة ممكنة.

إذن تتركز إدارة النقد على تعريف واستعمال الأساليب الهادفة إلى:

  1. تسريع التحصيل.
  2. إبطاء المدفوعات.

وقبل تناول هذين الموضوعين، لا بد من الإشارة إلى العائم (بالإنجليزية: FLOAT)، لأن السياسات المُعّدة لرقابة المدفوعات والمقبوضات تُصَمَم على أساس الاستفادة من العائم الموجود في أنظمة المدفوعات والمقبوضات. ويقصد بالعائم الفرق بين رصيد المؤسسة الفعلي في البنك وبين رصيدها كما هو في دفاترها بتاريخ معين. وينتج هذا الفرق عادة عن الفارق الزمني بين إصدار الشيكات على الحساب وبين قيدها على حساب المؤسسة في البنك.

1. تسريع التحصيل

ويتم ذلك بالعمل على تقصير المدة التي يمكن من خلالها تحصيل ديون المؤسسة على الآخرين.

ويساعد على ذلك اتباع إحدى أو جميع الوسائل التالية:

  1. احتفاظ المؤسسة بحسابات بنكية في المراكز الجغرافية المختلفة، ثم الطلب من المدينين إيداع الشيكات المدفوعة من قِبلهم تسديدًا للمؤسسة في أحد هذه الحسابات. وفي مثل هذه الحالة تكون البنوك مزودة بتعليمات بتحويل الرصيد النقدي لدى كل منها إلى حساب مركزي لدى بنك معين عندما يصل رصيد الحساب إلى مبلغ محدد. ويكون التحويل عادة باستعمال أسرع وسائل الاتصال.
  2. استخدام طريقة الصندوق المقفل أو (بالإنجليزية: LOCK BOX)، حيث تلجأ بعض المؤسسات التي تبيع في مناطق جغرافية متباعدة إلى اختيار مناطق معينة تستأجر فيها صناديق بريدية، وتطلب إلى المدينين إرسال شيكاتهم إلى هذه الصناديق، وفي نفس الوقت تتفق مع بنوك في المنطقة لتتولى عملية فتح هذه الصناديق يوميًا وأخذ الشيكات وإيداعها في حساب المؤسسة لدى كل منها اختصارًا لوقت إرسال الشيك بالبريد من قِبل المدين المقيم في المنطقة إلى الدائن المقيم في منطقة أخرى، وكذلك للوقت الذي سيحتاجه إرسال الشيك للتحصيل من قِبل الدائن إلى مكان إقامة المدين.
  3. استعمال الأساليب المباشرة في تحصيل الأموال وإيداعها بالحساب، كأن يعيَّن شخص يتولى الاتصال المباشر بالمدينين للتحصيل.

2. إبطاء المدفوعات

يهدف ذلك لإبقاء الأموال في المؤسسة لأطول مدة ممكنة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي:

  1. استعمال مدة الائتمان الممنوحة لأقصى حد وعدم الدفع إلا في آخر يوم من هذه المدة.
  2. عدم استعمال الدفع النقدي وإنما استعمال أدوات الدفع الخطيّة التي تتطلب التقديم للمسحوب عليه.
  3. استعمال السحوبات (بالإنجليزية: DRAFTS) بدلا من الشيكات، لأن السحوبات لا تُدفع إلا بعد قبولها من المسحوب عليهم، لذا يمكن إبطاء عملية الدفع بمقدار الوقت اللازم لوصول السحب وقبوله.
  4. تعظيم العائم من خلال الدفع بشيك مسحوب على أبعد بنك عن المدفوع له.

العوامل المحددة للأصول التي يُستثمر فيها الاحتياطي النقدي

تتوافر الفوائض النقدية لدى المؤسسات نتيجة لاحتفاظها بالنقد للأسباب السابقة، بالإضافة إلى التغير في الاحتياجات النقدية بتغيير المواسم. وتستثمر المؤسسات هذه الفوائض التي قد تتوافر لديها في موجودات تحقق عوائد ويمكن تسييلها بسرعة.

ويتم اختيار الأصول التي يُستثمر فيها النقد الفائض لدى المؤسسة استنادًا إلى المعايير التالية:

1. مخاطر الإفلاس

مخاطر الإفلاس أو (بالإنجليزية: DEFAULT RISK) هي المخاطر الناتجة عن عدم قدرة المدين على دفع أصل الدين وفوائده. لذا يجب أن يتم الاختيار بعناية من بين الفرص المتاحة لاستثمار النقد الفائض والاقتصار على الأدوات ذات الحد الأدنى من المخاطر.

2. الاستحقاق

حيث يجب التركيز على الاستثمار لفترات قصيرة تتناسب في طولها مع مواعيد الحاجة إلى النقد السائل لاستعماله في المؤسسة في مواعيد الاستحقاق أو (بالإنجليزية: MATURITY).

3. التسويق

لمّا كانت الغاية من الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي هي استعماله عند الحاجة إليه، لذا فمن الطبيعي أن يُستثمر هذا الاحتياطي النقدي في موجودات يسهل تسييلها بسرعة دون خسارة تُذكر عند الحاجة إلى السيولة النقدية لتمويل خطط التسويق.

4. معدل العائد

بالرغم من أهمية العائد في تحديد الأصول التي سيتم استثمار الاحتياطي فيها، لكنها أقل أهمية من العناصر الثلاثة الأخرى. كما أن المحددات الثلاثة السابقة تجعل أمر الاستثمار في موجودات ذات معدل عاند أو (بالإنجليزية: RATE OF RETURN) منخفض أمرًا لا بد منه.

تقييم إدارة النقد

في إدارة النقد يمكن أن نواجَه بمشكلتين هما:

1. عدم الاحتفاظ بنقدِ كافِ

وهذا يعني فشل إدارة الشركة في المحافظة على سيولة مناسبة، بما يترتب على ذلك من فوات فرص وإمكانية مواجهة الشركة للتصفية الإجبارية إذا ما استفحلت مشكلة السيولة.

2. الاحتفاظ بنقد أكثر من اللازم

وهذا يعني فشل إدارة الشركة في تحقيق أفضل تشغيل للموارد، وأقصى ربحية ممكنة. لأن المعروف أن الأصول السائلة لا تحقق عوائد مرتفعة بالمقارنة مع عوائد نشاط المؤسسة الرئيسي.

المراجع

  • موسوعة الإدارة المالية، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top