المحتويات
إدارة الحسابات المدينة وأهدافها
تبيع المؤسسات التجارية والصناعية منتجاتها إما نقدا أو بالأجل. هذا ويخلق اتخاذ المؤسسة قرارًا بالبيع الآجل الحاجة إلى الاستثمار في بند الحسابات المدينة (بالإنجليزية: ACCOUNTS RECEIVABLE)، ويخلق في نفس الوقت الحاجة لإدارة هذا الاستثمار، خاصة في المؤسسات التي تتوسع في البيع الآجل وتُشكل الحسابات المدينة جزءًا هامًا من موجوداتها وهو الأمر الذي يًظهر أهمية إدارة الحسابات المدينة في المؤسسة.
ويُعتبر قرار الاستثمار في الحسابات المدينة كأي قرار استثماري آخر من حيث كونه محكومًا بتكلفته ومردوده، ولا تكون هناك مخالفة لغاية المؤسسة الهادفة إلى تعظيم مردودها. فالاستثمار في الحسابات المدينة قد يؤدي إلى زيادة المبيعات، وهذا العنصر الإيجابي في القرار الاستثماري في الحسابات المدينة. لكن، وعلى الجانب الآخر، قد تتحمل المؤسسة تكاليف رأس المال المُستثمَر في هذه الحسابات بالإضافة إلى كلفة تحصيلها وكلفة الدين غير الجيد، وهذا هو العنصر السلبي في قرار الاستثمار في الحسابات المدينة.
وتهدف إدارة الحسابات المدينة (أو الذمم) في المؤسسة إلى تحقيق الغايات التالية:
- تحديد سياسة الائتمان والتحصيل في المؤسسة.
- التأكد من عدم تجاوز الذمم حدودها المرسومة من قبل المؤسسة.
- تحديد الحجم الأمثل من الأمم في أي وقت من الأوقات، وإبقاء حجم الحسابات المدينة ضمن نطاقه على المستوى الكلي والمستوى الفردي.
- تقييم العملاء للتأكد من توافر شروط المؤسسة للبيع الآجل لديهم.
- تحديد أدوات البيع الآجل (حسابات جارية، شيكات مؤجلة، أوراق قبض).
- إدارة تحصيل الأمم.
محددات حجم الاستثمار في الذمم المدينة
يتوقف حجم الذمم المدينة في المؤسسة على الظروف الاقتصادية السائدة، فالرواج على عكس الكساد يصحبه نمو في حجم المبيعات وبالتالي حجم الذمم المدينة. غير أن الظروف الاقتصادية، والتي لا تخضع لسيطرة الإدارة، ليست هي المتغير الوحيد في هذه الشأن. إذ توجد بعض المتغيرات الأخرى التي تخضع لسيطرة الإدارة ومن أهمها:
- حجم المبيعات الآجلة.
- إجراءات التحصيل وكفاءة الجهاز القائم بذلك.
- الظروف الاقتصادية العامة وأخذها بالاعتبار من قبل الإدارة.
- مدة الائتمان الممنوحة للمستثمرين، حيث يتحدد حجم الديون في هذه الحالة بالمعادلة التالية:
- حجم الذمم = المبيعات الآجلة ÷ 365 × مدة الائتمان
- سياسة الائتمان، وبشكل خاص مستوى المخاطر المقبولة والمواصفات والشروط الواجب توافرها في العملاء الذين يمكن بيعهم بالأجل، وحدود ذلك، والذين يجب استبعادهم لعدم توافر هذه الشروط المطلوبة لديهم.
- جهود التحصيل، وتتمثل هذه الجهود بالإجراءات التي تستخدمها المؤسسة لتحصيل ما يستحق من ديون، مثل الكتابة والاتصال الشخصي، وحتى الإجراءات القانونية، إن لزم الأمر.
سياسة إدارة الحسابات المدينة
تقوم سياسة إدارة الحسابات المدينة على ثلاثة عناصر محكمة الترابط هي:
- إجراءات منح الائتمان.
- شروط الائتمان.
- سياسة التحصيل
وسيتم فيما يلي شرح للعنصر الأول، حيث تم بحث العنصرين الثاني والثالث عندما تم شرح الائتمان في موضوع التمويل قصير الأجل.
إجراءات منح الائتمان
كفاية إدارة الحسابات المدينة لا تعني ملاحقة المتأخرة بالدفع وحسب، بل تبدأ باختيار العملاء الجيدين الذي سيتم البيع لهم بالأجل اختيارًا مبنيًا على تقييم سليم لقدراتهم على الوفاء وينتهي بمتابعة المتأخرين.
ويجب ألا ترفض المؤسسات منح الائتمان لمجرد وجود احتمال بسيط بعدم الدفع، بل يجب أن تبني قراراتها في هذا الصدد استنادًا إلى كلفة عدم الوفاء ومردود البيع لمثل هؤلاء العملاء.
وفي مجال الحديث عن سياسة منح الائتمان، يجب ألا يُقبل ببساطة فخر بعض المؤسسات بعدم وجود ديون معدومة لديها بسبب حصافة سياساتها الائتمانية قبل أن نتساءل عن الفرص التي أضاعتها من جراء عدم البيع لمدينين بمخاطر أعلى.
هذا وغالبًا ما تقوم المؤسسات بمجموعة الإجراءات التالية قبل قرارها بمنح الائتمان:
1. تحديد مستوى المخاطر المقبولة
المقصود بذلك تحديد نسبة المخاطر التي تقبلها المؤسسة عند البيع الآجل، فإذا قبلت البيع لعملاء تصل احتمالات عدم التحصيل لديهم إلى 10%، فيجب المقارنة بين الدخل الصافي الممكن تحقيقه من هذه الفئة ضمن عملائها. فإذا كانت هناك إمكانية لتحسين دخلها بالرغم من الخسائر المتوقع أن تصل الى 10% من مجموع المبيعات، تقبل به، وإلا فيجب أن ترفض البيع بالأجل للعملاء الذين تصل احتمالات عدم تسديدهم إلى 10%، بل تخفض هذا الحد إلى المستوى المربح لها.
مثال على إدارة الحسابات المدينة
تقبل مؤسسة ما البيع للعملاء الذين تصل مخاطر التحصيل منهم إلى 10%.
ويزيد القبول بهذا المستوى من العملاء مبيعات المؤسسة ونفقاتها على النحو التالي:
المبالغ بالألف جنيه:
زيادة المبيعات نتيجة لقبول الفئة الجديدة من العملاء | 2000 |
المبالغ التي يُحتمل عدم تحصيلها 10% | 200 |
الإضافة الصافية إلى المبيعات | 1800 |
كلفة المبيعات 60% | 1200 |
نفقات التحصيل | 100 |
مجموع النفقات | 1300 |
صافي الدخل المضاف | 500 |
أي أن قبول هذه الفئة من العملاء حسَّن دخل المؤسسة بمبلغ (500) ألف جنيه.
وتتخذ المؤسسة في مثل هذه الحالة قرارًا بقبول هذه النسبة من المخاطر، لأنها ستؤدي إلى تحسين ربحيتها.
2. جمع المعلومات عن العميل طالب الائتمان
على المؤسسة أن تأخذ بعين الاعتبار الزمن اللازم للحصول على المعلومات وكلفة الحصول عليها، وأن تحاول الحصول على المعلومات عن طالبي الائتمان من المصادر التالية:
- البنوك بحكم كونها على اطلاع على أوضاع عملائها المالية وحجم نشاطهم ومدى التزامهم بالوفاء، ويتصف هذا المصدر بالتحفظ ومحدودية المعلومات التي يمكن أن يقدمها.
- رجال البيع بحكم صلتهم المستمرة واطلاعهم المباشر على أوضاع العملاء، وبشكل خاص عندما يكون دخل هذه الفئة ليس مرتبطًا بالبيع بل بالتحصيل.
- القوائم المالية بحكم كونها مصادر معلومات مباشرة من العميل نفسه.
- المقابلات الشخصية بحكم كونها وسيلة للتعرف على أفكار العملاء وقدراتهم وتكوين الانطباعات بخصوص مدى الثقة بهم.
- خبرة المؤسسة في التعامل مع طالب الائتمان.
- المراجع التجارية وبشكل خاص التي تعاملت مع العميل بالبيع الآجل.
3. تحليل المعلومات المتاحة عن العملاء
بعد تحديد درجة المخاطر الممكن قبولها، وبعد جمع المعلومات عن العميل، يتم تحليل هذه المعلومات لتحديد ما إذا كان العميل يقع ضمن منطقة القبول أو الرفض المحدد من المؤسسة.
ويتركز التحليل على العناصر التالية التي يطلق عليها باللغة الإنجليزية مصطلح FIVE C’s OF CREDIT:
- شخصية العميل أو (بالإنجليزية: CHARACTER): تركز على الجانب الأدبي في التزام العميل بوفائه.
- قدرة العميل على الوفاء أو (بالإنجليزية: CAPACITY): وتركز على التقييم الموضوعي لقدرة العميل على الوفاء.
- رأس المال أو (بالإنجليزية: CAPITAL) ويعكس هذا العنصر قيمة المؤسسة.
- الضمانة أو (بالإنجليزية: COLLATERAL) ويتمثل هذا العنصر بالأصول التي تعرض المؤسسة تقديمها كضمانة وتشكل مصدرًا ثابتًا للوفاء.
- الظروف الاقتصادية العامة أو (بالإنجليزية: ECONOMIC CONDITIONS).
ويهدف تحليل المعلومات المتاحة عن العملاء إلى تقدير درجة الخطر الذي قد يواجه الدين الذي يُمنح للعميل المعني، واستنادًا إلى المعلومات التي تم جمعها عنه من المصادر المُشار إليها سابقًا حيث سيتيح تحليل القوائم المالية الخاصة به الفرصة لمعرفة قدرته الفعلية على التسديد. كما سيتيح الاطلاع على سجل مدفوعاته للموردين التعرف على مدى استعداده الفعلي للوفاء في المواعيد المحددة لذلك.
وليس التحليل الائتماني للعميل عملية لمرة واحدة، بل هو عملية مستمرة طالما استمر التعامل بينه وبين المؤسسة مانحة الائتمان، لذا يجب متابعة أوضاعه باستمرار وتحديث المعلومات عنه لتبقى المؤسسة على علم بحقيقة قدرته على الوفاء.
4. قبول أو رفض العميل طالب الائتمان
يتم القبول أو الرفض على إثر مقارنة التقييم المُعد عن وضع العميل طالب الائتمان بالمعيار الموضوع من قبل المؤسسة، إذ يُرفض كل عميل يمثل خطرًا غير مقبول، أو تحدد له شروط بيع مناسبة من وجهة نظر المؤسسة، كالدفع النقدي عند التسليم أو الدفع النقدي قبل التسليم أو تقديم بعض الضمانات المناسبة. وبعكس ذلك، يُقبل من يحقق المعيار الموضوع من المؤسسة، لكن مع استمرار مراقبته للتأكد من أنه ما زال يحقق هذا المعيار طالما بقي التعامل بالبيع الآجل قائمًا بينه وبين المؤسسة.
تقييم إدارة الحسابات المدينة
يوجد خطران محتملان في إدارة الحسابات المدينة هما:
- التشدد والتحفظ في شروط الائتمان وتحصيل الذمم، مما يؤدي إلى تقليص حجم خسارة المؤسسة نتيجة الديون غير الجيدة، لكن يؤدي في نفس الوقت إلى تقليص حجم المبيعات وضياع فرص هامة لتحقيق الربح، وقد تكون في مجموعها أعظم من الخسارة التي هدفت المؤسسة إلى تفاديها إلى جانب زيادة كلفة جهاز منح الائتمان ومتابعته.
- التساهل في شروط منح الائتمان إلى درجة تؤدي إلى ارتفاع الحجم الكلي للديون وبالتالي زيادة الديون المشكوك فيها.
ويُحكم على مدى كفاية السياسة الائتمانية للمؤسسة من خلال قدرتها على الموازنة بين هذين الأمرين. ويحكم على هذه الموازنة من خلال:
- المقارنة بين التكلفة الحديّة لزيادة الائتمان والمردود الحدي من زيادة المبيعات.
- معدل دوران الحسابات المدينة ومعدل فترة تحصيلها، إذ تقيس هاتان الأداتان كفاية منح الائتمان وكذلك كفاية تحصيله.
- النسبة المئوية لطلبات منح الائتمان: إذا ارتفع معدل طلبات الائتمان المرفوضة من قبل المؤسسة، فعلى إدارتها أن تتساءل بجدية عن مدى مناسبة شروطها في قبول منح الائتمان ورفضه، بالمقارنة مع شروط المنافسين في السوق، فإذا وجدت أن شروطها متشددة، فعليها أن تُعيد النظر في هذه الشروط، وإن كانت مقاربة لشروط الآخرين، فعليها أن تُعيد النظر في تطبيق هذه السياسة وفق معايير الرفض والقبول.
الرقابة على الحسابات المدينة
تتضمن الرقابة الفعالة على الحسابات المدينة أو (بالإنجليزية: MONITORING OF ACCOUNTS RECEIVABLE) مراقبة حجم هذه الحسابات وتركيبتها.
ومن الأدوات الفعّالة في هذا الصدد معرفة أعمار الديون (بالإنجليزية: AGING OF ACCOUNTS RECEIVABLE) حيث يتم تقسيم الحسابات المدينة إلى تلك التي استُحقت والتي لم تُستحق، كما يتم تقسيم الحسابات المستحقة إلى تلك التي مضى أسبوع على استحقاقها والتي مضى أسبوعان وهكذا، وكذلك نسبة كل فئة إلى مجموع الديون الكلي.
ومن أسباب الرقابة الأخرى استعمال معدل دوران الحسابات المدينة بالأيام، ومقارنة هذا المعدل بمدة الائتمان المقررة في سياسة المؤسسة الائتمانية. هذا ويعكس التطابق في هذين الرقمين كفاية سياسة الائتمان والتحصيل، في حين تعكس زيادة مدة الدوران عن مدة الائتمان المقررة مفهومًا مخالفًا لذلك تمامًا.
المراجع
- موسوعة الإدارة المالية، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.