تحفيز الفرق العاملة على المشاريع

تحفيز الفرق العاملة على المشاريع

يشكل التحفيز مجالاً شديد التعقيد يشمل مجموعة متنوعة من العناصر المختلفة. أما المقاربة أو المقاربات المطلوبة لتعزيز مستويات التحفيز فتعتمد على خصائص الفريق العامل على المشروع. وقد يتسم الأفراد والفرق بتحفيز طبيعي (ذاتي)، كما يمكن أن يحتاج إلى تحفيز اصطناعي (خارجي). والجدير بالذكر أن عنصرًا هامًا من عناصر نظرية التحفيز المعاصرة في مجال تحفيز الفرق العاملة على المشاريع مبني على دراسات ماك غريغور McGregor وماسلو Maslow.

دراسات ماك غريغور McGregor وماسلو Maslow

نظريات ماك غريغور McGregor في تحفيز الفرق

تبني ماك غريغور McGregor نظريتيه الشهيرتين س X و ص Y ليميّز وجهتي النظر المتعارضتين حول التحفيز ضمن الفرق والمؤسسات.

نظرية س X

  • تقول النظرية س X إن العمّال يكونون في الأساس كسالي ويفتقرون إلى التحفيز، فهم يمقتون العمل ويحاولون تفاديه إذا أمكنهم ذلك. وبالتالي، ينبغي الإشراف عليهم بدقة وتهديدهم بالعقاب إذا امتنعوا عن أداء وظيفتهم. أضف إلى ذلك أنهم يتفادون بطبيعة الحال الضبط والمسؤوليات المتزايدة ويفضلون أن يخضعوا للإدارة على أن يتخذوا المبادرات الشخصية. وتشير النظرية س × ضمنا إلى أن هيكلية الإدارة المركزية والاستبدادية هي الأكثر ملاءمة في مثل هذه الحالة. ومن الناحية التقليدية، لطالما شكلت الهيكليات والهرميات العسكرية أمثلة عن هذه المقاربة. لكن حتى هذه الهيكليات تعتمد في أيامنا هذه موقفًا أقل إثارة للجدل.

نظرية ص Y

  • أما النظرية ص Y، فتقول إن العمال يرغبون في العمل وإتمام الوظيفة ولا يحتاجون إلى الخضوع للإشراف عن كثب. فهم يسعون إلى تقديم أداء حسن في وظائفهم، ويجدون العمل مثيرًا ومرضيًا، ويحبون النجاح لأنه يولّد قدرًا أكبر من احترام الذات. وتشير النظرية ص Y ضمنًا إلى أسلوب إداري أقل استبدادية يعتمده العمّال ويتسم بالمزيد من المبادرات والمجازفات.

على المستوى العملي، تقع أغلبية الأنظمة التشغيلية في مكان ما بين هذين الحدين. فيشعر المستخدمون بمعظمهم بدرجة من التحفيز في وظائفهم، علمًا بأنه لا بد من تهديدهم في بعض الأحيان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بغية الحفاظ على تحفيزهم. وتتمثل أقصى أشكال التهديد المباشر باللجوء إلى قوى السوق الخارجية وتشجيع العمال على بذل المزيد من الجهد والعمل بمزيد من الفاعلية كي تنجح المؤسسة في السوق، فتعزز فرص احتفاظ العمال بوظائفهم.

والواقع أن اختلال التوازن نسبيًا بين وجهات النظر في النظرية س X والنظرية ص Y قد يؤدي إلى مشاكل ضمن سياق إدارة المشاريع. فغالبًا ما يكون المدراء الوظيفيون أكثر استبدادية وبطبيعة الحال أكثر توجهًا نحو النظرية س X. فهم يعملون بصورة نموذجية ضمن هيكليات تشغيلية محددة بمزيد من الصرامة. وبالتالي، تتحدد معايير نجاحهم أو فشلهم بوضوح نسبيًا. أما مدراء المشاريع، فيكونون أقل استبدادية وأكثر مرونة في مقاربتهم وعملهم. ويُعزى السبب في ذلك عمومًا إلى اعتيادهم ممارسات العمل الأكثر مرونة، وعملهم مع فرق مختلفة لفترات زمنية قصيرة على مسارات معقدة نسبيًا. فتقتضي هذه الخصائص توافر أشخاص قادرين على الابتكار والارتجال. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن يتعزز إيمان مدراء المشاريع بقدرات أعضاء فرقهم وأن يمنحوهم مزيدًا من الحرية في العمل.

في المقابل، يتساهل مدراء المشاريع عادة في مجالات الوقت والتكلفة والأداء والجودة أكثر من المدراء الوظيفيين. ونتيجة لذلك، يضطرون لتطوير فهم أوثق لحدود هذه المجالات وبالتالي مزيد من الالتزام بأنظمة القياس والضبط لدى أعضاء فرقهم.

نظرية ماسلو Maslow في تحفيز الفرق

وقد أشارت أبحاث تقليدية أخرى من جهتها إلى نظريات مختلفة للتحفيز، فاقترح ماسلو Maslow هرمية الحاجات عوضًا من النظريتين البديلتين المتناقضتين. وفي هرمية الحاجات، يقدّر العمال رغبات وتفضيلات مختلفة بحسب ما يمتلكونه أصلاً. ويرد أدناه عرض لهرمية ماسلو Maslow.

  • تحقيق الذات.
  • التقدير.
  • الانتماء.
  • السلامة.
  • الحاجات الجسدية.

عند المستوى الأدنى، تتجلى لدى العمّال حاجات جسدية أساسية مثل المأكل والمشرب. وما إن يتم إشباع هذه الحاجات، حتى لا تعود تشكل محفّزات. بعدئذ، يتحول اهتمام الفرد إلى المستوى الثاني من الحاجات. وقد يشمل المستوى الثاني النموذجي منها السلامة والأمن الوظيفي. ومجددًا، ما إن يتم إشباع هذه الحاجات، لا تعود تشكل محفزات وينشأ مستوى ثالث من الحاجات، ويشمل هذا المستوى الحس بالهوية والجماعة والانتماء والولاء وما إلى ذلك. ويعلو على هذه الحاجات مستوى التقدير حيث تنتاب الأفراد الرغبة في الشعور بالرضى عن عملهم وبتقدير الذات والقيمة في النظام. أما المستوى الأعلى، فيشمل تحقيق الذات ويرتبط بشعور الفرد بأنه حر في استغلال مواهبه إلى أقصى حد ضمن القيود المحددة.

وجهات نظر إدارة المشاريع

وعلى غرار نظريتي ماك غريغور McGregor البديلتين، لهرمية ماسلو Maslow انعكاساتها (انظر وحدة 2 سابقًا) على إدارة المشاريع. فمن الضروري البحث في الهرمية استنادًا إلى مختلف وجهات نظر إدارة المشاريع.

الأهمية النسبية للحاجات

تختلف الأهمية النسبية لكل عنصر من العناصر من مشروع إلى آخر، ومن فريق إلى آخر، ومن فرد إلى آخر. وقد تكون السلامة أكثر أهمية بالنسبة إلى أعضاء فريق يعمل على مشروع ينطوي على مواد سامة أو إشعاعية، منه بالنسبة إلى فريق يطور نظام برمجيات معلوماتية. وفي حالات أخرى، قد لا يرغب الأشخاص في الانضمام إلى الفرق العاملة على المشاريع لأنهم سبق أن أشبعوا حاجتهم إلى الإحساس بالانتماء أو الجماعة في إطار البيئة الوظيفية ولا يرغبون في فقدانه.

المتطلبات المبنية على الوقت

بصورة عامة، كلما تم النظر في مستوى الحاجات، تجلى عنصر الوقت أكثر فأكثر. فتطوير الحس بالزمالة والجماعة يستغرق بعض الوقت. وأحيانًا ما يستغرق وقتًا طويلاً جدًا (في حالة تحقيق الذات). لكن الفرق العاملة على المشاريع تتميّز بأمد حياتي قصير نسبيًا. وفي حالات عدة، لا يمكن لمدير المشروع أن يعرض تلبية هذه الحاجات من المستوى الأعلى لأن مدة المشروع ليست طويلة كفاية لتحقيق ذلك. وبالتالي، من الناحية النموذجية، يحتاج مدراء المشاريع إلى تحفيز أعضاء الفريق عند مستويات الحاجات الدنيا وليس العليا.

الحاجات غير المشبعة

صحيح أن الهرمية تظهر الحاجات عند كل مستوى، غير أنه ما من ضمانة تكفل إشباع حاجات أي فرد. فقد تتجلى حاجة بعض المستخدمين إلى الإحساس بتحقيق الذات. وفي حال لم يقدّر لهذا الأمر أن يتحقق – ربما لأن طبيعة المشروع أو التأثيرات المؤسساتية لا تسمح بذلك – قد تتمثل النتيجة باستياء المستخدَم وشعوره بعدم الرضى، ما يؤثّر في الأداء والمحصلة.

الحاجات المعقدة

الواقع أن الحاجات في المستويات العليا ذاتية أكثر من الحاجات في المستويات الدنيا. فمن السهل أن تحدد متى يحتاج الشخص إلى الطعام، ومقدار الطعام الذي يحتاج إليه في أي وقت. وفي المقابل، من الصعب اكتشاف مطلب محدد على مستوى التحقيق الذاتي، وتحديد الوقت الذي ينبغي إشباع هذه الحاجة فيه. فيشعر بعض الأشخاص بالشبع عند مستويات مختلفة مقارنة بغيرهم.

الاستباق

لا تشكل الحاجات المشبعة محفّزات. وبحسب ماسلو Maslow، يرتكز جزء كبير من تحفيز الفرد على الاستباق. فيشعر الأشخاص بالتحفيز جراء الاعتقاد بأن المستقبل كفيل بإشباع المستوى التالي من حاجاتهم. ويُفترض بنظام المكافأة أن يعكس هذا الاعتقاد. ومع أن الحاجات المشبعة لا تشكل محفّزات في هذه الحال، إلا أنها تُعتبر مبرمات وظيفية من شأن إلغاء الظروف التي أبقتها مشبعة أن يؤدي إلى الاستياء والشعور بعدم الرضى. فعلى سبيل المثال، قد يلبي مقهى في موقع العمل حاجات الأشخاص الجسدية للطعام. وإذا تم إلغاء هذا المقهى، سيبحث هؤلاء الأشخاص عن وسائل بديلة لإشباع حاجتهم. وتشمل الأمثلة عن البدائل إرسال عضو من المرتبة الدنيا في الفريق لابتياع السندويشات، ومغادرة الموقع للذهاب إلى مقهى خارجي وإحضار السندويشات من المنزل.

نظرية الإنصاف ونظرية التوقعية

1. نظرية الإنصاف في تحفيز الفرق

تعتمد نظرية الإنصاف على نظرة الأفراد إلى ما يقومون به والمكافآت التي يتلقونها في المقابل. ويقدّر المستخدمون مدى عدالة المكافآت التي يتلقونها ومستوى الجهد الذي بذلوه للحصول عليها ويقارنونها بمكافآت المستخدمين الآخرين وجهودهم. أما إدراكهم لتلقي مكافأة شخصية غير ملائمة فيولّد لديهم شعورًا بانعدام الإنصاف (الظُلم).

والواقع أن هذا النوع من انعدام الإنصاف الملموس شائع في المؤسسات ويؤدي دور المحفّز القوي. وبالطبع، تتوافر أمام المستخدم الذي يمر بحالة من انعدام الإنصاف الملموس خيارات متعددة ترد أدناه.

السعي إلى الحصول على ترقية

يعزز هذا الخيار مقدار المكافأة مع أنه يزيد من قدر المساهمة المطلوبة التي قد تكتسي طابعًا مختلفًا و(ربما) أكثر جاذبية. والجدير بالذكر أن هذا الخيار هو الأفضل فيما يتعلق بالمشروع مع أنه يرتهن بقدرة النظام على تلبية تلك الحاجة بالذات.

السعي إلى الحصول على مستوى معزز من المكافآت

يستطيع المستخدمون الذين يشعرون بأنهم يقومون بعمل جيد للغاية أو مهم جدًا، أن يطلبوا زيادة على أجورهم. إلا أن الموافقة على هذه الزيادة قد تتسبب بتضخم في تكاليف المشروع ولا يمكن تبريرها إلا في حال تكبّدها الزبون بطريقة أو بأخرى أو غطّتها مبالغ الطوارئ الواردة في ميزانية المشروع. وفيما ترضي هذه الخطوة المستخدمين الفرديين المعنيين بها، قد تتداعى فعالية النظام بأكمله لدى ظهور شعور بانعدام الإنصاف الملموس في أماكن أخرى.

تقديم مساهمة دنيا

تمثل إحدى أسهل الطرائق الثلاث الشائعة لخفض انعدام المساواة بأن يخفض المستخدم مساهمته الخاصة فيما يحافظ على المكافأة نفسها. ومرة أخرى، قد تتداعى فعالية المشروع بأكمله ويظهر شعور بانعدام الإنصاف الملموس في أماكن أخرى من النظام.

رفع مدخلات الآخرين

يتم رفع المدخلات حيثما تُستثمر موارد إضافية في المشروع نتيجة انخفاض المساهمات التي يقدمها الأفراد. والواقع أن حالة مماثلة قد تنشأ عندما يقرر الأفراد خفض مساهماتهم من طرف واحد أو عندما يقرر المشرف أن كمًا مبالغًا فيه من الأعمال يُطلب من المستخدمين. وفي الحالتين، يؤدي انعدام الإنصاف الملموس دور المحفز. عندئذ، يناضل المستخدمون ليصححوا الوضع بحيث يسود الإنصاف.

من المهم أيضًا أن يدرك الفرد توافر حالات سلبية وأخرى إيجابية من انعدام الإنصاف الملموس. وتظهر حالة انعدام الإنصاف الإيجابية عندما يعتبر الفرد الظلم الحاصل لصالحه كما هي حال شخص يشعر بأنه يتلقى أجرًا مبالغًا به مقارنة بالمساهمة المطلوبة. أما حالة انعدام الإنصاف السلبية فتظهر عندما يشعر الشخص بأنه يتلقى تقديرًا متدنيًا مقارنةً بالمساهمة التي يقدمها. فمن الواضح أن انعدام الإنصاف السلبي يشكل محفزًا للتغيير أكثر قوة من انعدام الإنصاف الإيجابي.

2. نظرية التوقعية في تحفيز الفرق

تفترض نظرية التوقعية أن الأشخاص يتلقون التحفيز ليبذلوا جهودًا تسمح لهم بتحقيق غايات تفضي بحسب اعتقادهم الخاص إلى حصولهم على المكافآت التي يرغبون بها. وتستند هذه النظرية في الواقع إلى فكرة مفادها أن التحفيز يرتبط بالغايات والأهداف الشخصية. ومن هنا، تفترض نظرية التوقعية أن مدراء المشاريع يستطيعون تحفيز أعضاء الفريق حينما لا تتوافر محفزات مالية مباشرة للأفراد كي يحسنوا أداءهم. فقد يشعر المستخدمون الفرديون بالتحفيز شرط أن يرتبط نجاح المشروع بغاياتهم الشخصية الفردية بطريقة ما.

ويشكل المشرفون على المقررات في إحدى الجامعات مثلاً يبلور هذه النظرية. فقد يشعر هؤلاء بالتحفيز لزيادة عدد الطلاب الملتحقين في مقرراتهم بشكل متسق على مدى فترة طويلة من الزمن استنادًا إلى مفهوم مفاده أن وظائف ثابتة قد تنشأ في اختصاصاتهم متى يبلغ عدد الطلاب رقمًا محددًا مسبقًا. عندئذ، يكون المشرفون على المقررات في الوضع المثالي ليتقدموا إلى مناصب التعليم الثابتة. بناء عليه، يمكن القول إن التحفيز لزيادة عدد الطلاب لا يترسّخ بنجاح المقررات وإنما بالمناصب والفرص المستقبلية المتاحة للمشرفين على المقررات.

قد لا يكون المشرف على المقرر مستعدًا ليتقبل حالات انعدام الإنصاف الحالية لدى النظر في كمية العمل التي يقوم بها المشرفون الآخرون على المقررات والمكافآت التي ينالونها، لكنه قد يبدي استعدادًا لتقبّل حالات انعدام الإنصاف مستندًا إلى توقعاته حول طبيعة المسؤولية المتأتية عن الأعمال الحالية.

دراسة حالة: تحفيز الفرق العاملة على المشاريع

فكر في: التحفيز

يشعر معظم الأفراد بالتحفيز نتيجة مزيج من العوامل المختلفة. لذا يجدر بنمط القيادة المتبع أن يرتهن بالحالة المحددة أو الإطار المعيّن.

قد ينتج أحد المصانع مكونات مختلفة. فيتولى تشكيل فريق عامل على المشروع يُعنى بتطوير طرائق جديدة لتركيبها معًا. ويميل المدراء الوظيفيون المسؤولون عن إنتاج المكوّنات الفردية بالجملة إلى تبني معايير ومقاربات تحفيزية محددة بشكل صارم وتخضع لسيطرة محفّزات تعتمد على المال وتتصل مباشرة بالإنتاج والمخرجات. أما مدير المشروع، فقد يتسم بموجب وظيفته بمرونة أكبر وقدرة أعلى على التكيّف متميزًا بنظرة تحفيزية مختلفة. إضافة إلى ذلك، يواجه مستخدمو الوحدات الوظيفية صعوبة دائمة في تأسيس ولاء مباشر للمشروع، فيما يميل مدراء المشاريع من جهتهم إلى تحفيز الأشخاص من خلال ربط الأداء الفردي بنجاح المشروع نفسه ما دام نظام المكافآت المعتمد في المؤسسة يسمح بذلك.

الأسئلة

  • في مشروع يهدف إلى تطوير لعبة كمبيوتر جديدة، كيف يمكن ربط تحفيز المبرمجين (المستخدمين الوظيفيين) بنجاح المشروع؟
  • ما هي العوامل التحفيزية الممكن تطبيقها في هذه الحالة باستثناء المال؟

راجع موضوعات كتاب إدارة المشاريع:

المصدر

  • تحفيز الفرق العاملة على المشاريع، الوحدة الثانية من كتاب إدارة المشاريع، تأليف الأستاذ ألكسندر روبرتس والدكتور وليام والاس، جامعة هيريوت وات، كلية إدارة الأعمال، إدنبرة، إسكتلندا، المملكة المتحدة.
  • موسوعة إدارة المشاريع، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات.
error:
Scroll to Top