نظريات القيادة الاصطناعية الركيكة

نظريات القيادة الاصطناعية .. الركيكة !!

التنشئة القيادية للشباب

لو قُدر لنا قراءة كل الكتب والمحاضرات التي تتحدث عن أساليب وأسرار التنمية البشرية، وتحديداً تلك التي تُركز على تنمية القدرات الشخصية والمهارات القيادية، وبخاصة التي تم استيراد معظم مناهجها من الغرب أو تمت طباختها محلياً بطريقة استنساخية هشة، فإننا سنكتشف من الغرائب والعجائب ما يفوق كل ما قد نستنتجه من الإيجابيات التي تحملها بين صفحاتها، بحيث أننا مثلاً قد لا نلحظ وجود كلمة واحدة تُعبر عن “الحكمة” مثلاً أو حتى مضمونها في سياق موضوعات تلك المناهج في الوقت الذي يُفترض فيه أن تتمحور كل مكامن القدرات الذاتية للشخصية القيادية العربية حول هذا الجوهر المهم والأساسي فيها.

والصراع الأكاديمي الأزلي بين نظريات القيادة التي تؤكد أنها “فطرية خالصة” من جهة وتلك التي تفترض أنها يمكن أن تكون “مكتسبة بالتدريب” اشتدت في الآونة الأخيرة وفق ما أسست له الثقافات الغربية المتنوعة وساهمت في تحويله إلى صراع تسويقي للرؤى التي تحملها تلك الثقافات حول مفهوم القيادة وطرق الاستفادة من تسويق السمات الاصطناعية المختلفة التي يتم زرعها في القادة الذين يتم استنساخهم حول العالم من خلال مؤسسات متنوعة بمسميات مختلفة تهدف معظمها لصناعة قادة المستقبل، وبخاصة سمات الحث والتأثير، بحيث يصبح المشهد وكأنه عملية استنساخ وتسيير مجتمعات بأكملها بأقل التكاليف!

والتحول التدريجي، الذي قد يكون ملحوظاً لبعض المتخصصين والقادة المتمرسين، في الشخصية القيادية التي يتم تصنيعها الآن لا تتناسب حتى مع ما قصده مؤلفو نظريات القيادة المكتسبة الأصليون، وجعلت من مفهوم القيادة أمراً شكلياً وسطحياً مصنعاً بعيداً عن السمات القيادية ذات الجوهر الأصيل وتقترب أكثر من التلقين لكيفية التشبه المتصنع الركيك لطريقة التصرف في مواقف معينة كقائد بدلاً من زرع الأخلاقيات الحميدة التي يُفترض بأنها المُحرك الفعلي للقائد الحقيقي، تلك الأخلاقيات التي قد تؤهله لأن يتصرف بطريقة إبداعية تتناسب مع كل موقف بشكل أفضل مما قد يتصرفه شخص يتم تلقينه وتدريبه لاستخدام صوت أو لغة جسد مثلاً، والتي يُفترض أن تكون سمات فردية وشخصية غير قابلة للتعلم، بل أنه بمجرد أن يتعلمها يكون قد وقع في فخ التقليد ويفقد بالتالي أهم ميزات الشخصية القيادية.

وعلى النقيض من ذلك، يظل القائد الحقيقي، سواء الذي وُلد بسمات القائد بالفطرة أو اكتسبها بالتربية والتنشئة الأساسية الصحيحة منذ الصغر قبل مرحلة الشباب، قائداً حتى في أصعب المواقف وأكثرها حدة ولا يفقد سماته في الأوقات العصيبة بل أن سمات القيادة فيه قد تتجلى أكثر في مثل تلك المواقف، حتى وإن لم تكن ظاهرة في كل الأوقات، ويتحلى بالأخلاقيات والمُثل التي تجرّعها منذ الصغر وأهلته ليكون قائداً حقيقياً وليس حافظاً ومقلداً لبعض سمات القائد التي سيُطلب منه تأديتها من خلال حركات أو تصرفات في مواقف معينة يتلقاها بالتلقين والتدريب الهش بطريقة أشبه ما تكون بعملية “تعليب وتغليف” سريعة وكأنها تهدف لتأهيله حتى يؤدي دوراً في أحد الأفلام السينمائية ومن ثم الاعتزال!

إن إعادة هيكلة وبناء الاستراتيجيات الحالية المتبعة لبناء القدرات الذاتية لجيل الشباب هو مطلب أساسي في هذا العصر المليء بالكتب والمطبوعات المستنسخة التي بُني معظمها على أسس غير عربية وليس فيها من الأصالة العربية إلاّ اللغة، الركيكة أحياناً، بحيث ينبغي النزول بمستوى البناء في التأهيل والتنشئة القيادية للفئات العمرية الأقل والبدء بخطوات جوهرية أساسية في المنزل والمدرسة والأندية الرياضية والترفيهية والمراكز الثقافية والتدريبية المتخصصة وفق إستراتيجية تهدف لجعل الطفل قائداً على المدى الاستراتيجي البعيد، كذلك ينبغي تطوير المواد التدريبية التي تتناسب مع الرؤية العربية والإسلامية لمفهوم القيادة الحقيقية بكل ما تحتويه من أخلاقيات حميدة ومعاني ومُثل عليا كالتضحية والفداء والمروءة والشهامة والشجاعة في منحنى تصاعدي يصل إلى حد الامتزاج بالمنطق والحكمة والتفكير القيادي الأصيل، بهدف معالجة ما سنحصده في السنوات القادمة من فجوة قيادية بالرغم من احتمال ازدحامها بالشخصيات الموسمية ذات الصبغة القيادية الاصطناعية السطحية الركيكة!!

error:
Scroll to Top