المبادئ القانونية لعقد التأمين

المبادئ القانونية لعقد التأمين

يشترط أن تتوافر في عقد التأمين وفي طرفي التعاقد وفي موضوع العقد المبادئ القانونية لعقد التأمين Legal Principles of Insurance Contract اللازمة لأي عقد من العقود المدنية، ولذلك نحيل الدارس إلى أي من الكتب القانونية المتخصصة في العقود المسماة أو العقود الصغيرة لمراجعة مثل هذه المبادئ والشروط.

وبالرغم من هذا التطابق فإن عقد التأمين كعقد خاص بتقديم خدمة الضمان له طبيعته وشروطه الخاصة التي تستحق أن تدرس بالتفصيل، إما لأنها تفسر تفسيرًا خاصًا بالرغم من تشابهها لفظًا مع شروط العقود، وإما لأنها تخالف الشروط المقابلة لها في تلك العقود، أو لأنها شروط خاصة بعقد التأمين وليس لها مثيل في غيره من العقود.

أولاً: المعاني الخاصة لشروط العقد

بالرغم من ضرورة توافر الشروط الأساسية للتعاقد في عقد التأمين مثله مثل أي من العقود الأخرى، إلا أن معظم تلك الشروط يحتاج عادة إلى تفسير وتوضيح المقصود منها بطريقة خاصة تتناسب وطبيعة العملية التأمينية. فالشروط القانونية العامة للتعاقد كالإيجاب والقبول، وأهلية الطرفين للتعاقد، وقانونية موضوع التعاقد تجد طريقها إلى عقد التأمين مثله مثل أي عقد آخر. ولكن المعنى المقصود من بعضها يختلف أحيانًا اختلافًا كليًا أو جزئيًا عن المقصود منه عادة في العقود الأخرى. ولذلك نورد فيما يلي دراسة مختصرة لبعض هذه الشروط والمبادئ القانونية لعقد التأمين على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.

عقد التأمين عقد إذعان

عقد الإذعان Contract of Adhesion هو ذلك الذي يسلم فيه أحد طرفي التعاقد بشروط مقررة يضعها الطرف الآخر ولا يسمح بمناقشتها. فالقبول في عقود الإذعان يكون مقصورًا على التسليم بشروط مقررة يضعها العارض أو الموجب ولا يقبل مناقشة فيها.

ويفسر معظم القانونيين عقد التأمين الذي يقوم المؤمن بطبعه في نموذج خاص مجهز يطلق عليه وثيقة التأمين بأنه عقد من عقود الإذعان، ويرون ذلك لأن المؤمن يقوم بوضع شروطه العامة والخاصة، وعلى المستأمن أن يقبل العقد على ما هو عليه كلية أو أن يرفضه كلية، وليس له الحق في تعديل أي شرط من شروطه.

وبالرغم من هذا التفسير الذي يقرب من أن يكون حقيقة ثابتة، إلا أن عقد التأمين يتميز بمرونة يندر أن تلحظ في عقود الإذعان الأخرى. فبالنسبة للوثيقة المطبوعة والموضوعة بمعرفة طرف واحد فقط من طرفي التعاقد، وهو شركة التأمين، فإن معظم الشروط التأمينية التي تحتوي عليها تكون عادة قابلة للتعديل والتغيير. إذ يمكن للطرف الثاني – أي المستأمن – أن يطلب تغطية حوادث إضافية ولمدد إضافية، كما يمكن تغيير المستفيد أو المستفيدين في وثيقة التأمين مما يترتب عليه تغيير قيمة القسط المدفوع في بعض الأحيان. كل هذه التعديلات والشروط الإضافية تتم دائمًا حسب رغبة الطرف الآخر في ذلك مما يجعل الإذعان أقل وطأة عليه من مثيله في عقود الإذعان الأخرى.

ملاحظة

ويلاحظ أن التغيير أو التعديل الذي يتمكن المستأمن من إدخاله على وثيقة التأمين لا يتعدى كونه تعديلاً في الشروط التأمينية وهي البيانات التي تترك عادة للاتفاق عليها بين المؤمن والمستأمن، ولا يتمكن المستأمن عادة من إجراء أية تعديلات في الشروط المطبوعة والتي يطلق عليها عادة الشروط العامة، وإنما يفرض المؤمن الشروط الأخيرة على المستأمن ولا يمكنه من المناقشة فيها. وبالرغم من هذا فإن هناك عدة شروط مطبوعة أخرى يمكن استبدالها بعضها ببعض أو إضافتها إلى تلك الموجودة أصلاً في الوثيقة المتعاقد عليها. مثال ذلك إمكان إضافة شروط الحرب التي تغطي أخطار الحرب والخسائر المترتبة عن الأعمال العدوانية وذلك إذا ما كان المستأمن قد وافق على التعاقد على وثيقة تأمين حريق وبحري أو طيران.

وخلاصة القول أن عقد التأمين من عقود الإذعان حيث أن شركات التأمين تصدر العقد في صورة وثيقة مطبوع بها جميع الشروط العمومية. وأن هذه الشروط توضع دائمًا بعد دراسات فنية وقانونية وخبرة عملية طويلة تتطلبها عمليات التأمين وخاصة من ناحية حساب أقساط التأمين مقدمًا. وحتى إذا ما تطلب التعاقد إضافة شروط عامة أخرى فان هذه الشروط الإضافية عادة ما تكون مطبوعة وجاهزة هي الأخرى لدى شركة التأمين وتضاف كما هي إلى التعاقد. وهذا لا يمنع من مناقشة وتعديل وتغيير الشروط التأمينية التي يترك لها مكانًا خاليًا في الصفحة الأولى من وثيقة التأمين للاتفاق على الشيء موضوع التأمين وقيمته ومبلغ التأمين وما يترتب على كل ذلك من قيمة القسط الواجب السداد.

الإيجاب والقبول

الإيجاب أو العرض offer هو المبادرة التي يقوم بها الطرف الأول – المؤمن أي شركة التأمين – في سبيل التعاقد أي بيع وثيقة التأمين. والقبول Acceptance هو موافقة الطرف الثاني – المستأمن – على الشروط الواردة في الوثيقة ما يترتب عليه اتفاق نية الطرفين على التعاقد. وهذه الحالة المستقيمة في الإيجاب والقبول تحدث عندما يوافق المستأمن على شروط المؤمن المقدمة بدون مناقشة أو طلب تعديل أي شرط من شروطها العامة أو الخاصة.

ولكن يحدث في بعض الأحيان أن يتقدم طالب التأمين بنفسه إلى شركة التأمين لشراء وثيقة تأمين محددة يكون في حاجة إليها. وبالرغم من أنه هو المتقدم للشركة، إلا أن الأخيرة تقوم بعرض شروط التأمين عليه فتقوم هي في هذه الحالة أيضا بالإيجاب، ويوافق طالب التأمين على الشروط فيوقع عليها فيقوم هو في هذه الحالة أيضا بالقبول.

ويحدث في أحيان مخالفة أن تقوم الشركة – أي المؤمن – بعرض عقد التأمين، أو يقوم المستأمن بطلب تأمين معين فتقدم له الشركة شروط التعاقد. وفي الحالتين يتم الإيجاب أو العرض من جانب الشركة، ثم يحدث ألا يوافق المستأمن على نوع الوثيقة أو على بعض الشروط التأمينية مثل مبلغ التأمين أو طريقة سداد القسط أو ما شابه ذلك من شروط يمكن تعديل فيها بالرغم من كون العقد عقد إذعان، فتقوم الشركة بتعديل عرضها أو عمل عرض آخر حيث يجده المستأمن مناسبًا ويوقع طلب التأمين أو الوثيقة فيتم القبول.

وخلاصة ما سبق من حالات أن الإيجاب أو العرض يتم دائمًا من جانب المؤمن أي شركة التأمين. والقبول يتم دائمًا من جانب طالب التأمين الذي يصير مستأمنًا بمجرد توقيعه على الوثيقة. وهذا نتيجة حتمية لاعتبار عقد التأمين من عقود الإذعان كما يستشف عادة من تطبيق القانون الفرنسي والقوانين التي أخذت عنه.

استثناء في القانون الأمريكي

وبالرغم من هذا التعميم في الإيجاب والقبول إلا أن هناك من الكتاب – وخاصة الأمريكيين منهم – من يقول بأن الإيجاب يمكن أن يتم من أي من الطرفين على أن يتم القبول من الطرف الآخر. فإذا ما تقدم طالب التأمين بطلب تأمين – كما هي العادة في تأمينات الحياة – يكون قد تقدم بالعرض أو الإيجاب، فإذا وافق المؤمن – أی شركة التأمين – على طلبه وأصدر وثيقة التأمين فيكون قد قام بالقبول. أما إذا رأى المؤمن إجراء بعض التعديلات في طلب التأمين وأرسلها للمستأمن فقد قام الأول بإجراء إيجابًا أو عرضًا مضادًا أو مقابلاً Counter Offer، فإذا قبله طالب التأمين يكون قد قام بالقبول. ويمكن أن يتكرر العرض المضاد أو المقابل هذا من الطرفين ولعدة مرات إلى أن يجد أحد الطرفين عرضًا مناسبًا فيكون هذا هو العرض النهائي ويقبله الطرف الآخر – أيا كان هذا الطرف – فيكون هو القبول الأول والأخير.

وخلاصة هذا الرأي أن أيًا من طرفي التعاقد يكون له الحق في الإيجاب. فإذا وجد اتفاقًا عليه من الطرف الآخر كان الأخير قد قام بالقبول. ومن هذا يتضح أن العرض قد يتكرر من الطرفين وبدون استثناء. ولكن القبول يكون مرة واحدة ويقوم به الطرف الذي يوافق على العرض الأخير.

الوفاء بالتعاقد

يحتم شرط الوفاء بالتعاقد على كل طرف من طرفي العقد بأن يقوم بتسليم الطرف الثاني مبلغًا أو سلعة أو خدمة تكون محددة في العقد مقدمًا. على أن يكون ما يدفعه أو يسلمه ويقدمه أحد الطرفين مساويًا في القيمة والمنفعة لما يدفعه أو يسلمه أو يقدمه الطرف الآخر.

ويفسر بعض القانونيين أن طرفي التعاقد في التأمين ليسا متساويين في شرط الوفاء بالتعاقد، إذ أن طرفًا منهما فقط يستوجب عليه الوفاء في حين أن الطرف الثاني لا يتحمل هذه المسئولية بنفس الطريقة التي يتحملها بها الطرف الأول. ويطلق على عقد التأمين بهذا التفسير عقد ملزم لجانب واحد Unilateral Contract، ويفسرون ذلك بأن المستأمن يلتزم ويقوم بدفع القسط فورًا أو على أقساط دورية يدفع الأول منها فورًا، مع أنه لا يستفيد من عقد التأمين بمجرد سداد القسط أو الأقساط، وربما لا يستفيد منه ماليًا إطلاقًا. أما المؤمن فإنه لا يلتزم بالوفاء بشيء فورًا وربما لا يترتب على التزامه بالضمان الوفاء بأي شيء إذا لم يتحقق الحادث خلال مدة التعاقد.

وبالدراسة الفاحصة لعملية التأمين يتأكد لنا أن هذا غير صحيح سواء من الناحية الفنية أو من الناحية المالية. فمن الناحية الفنية فإن قسط التأمين يُحسب أصلا على أساس المسئولية المالية للمؤمن تجاه المستأمن. فإذا كانت مسئولية المؤمن معدومة كان القسط الصافي الذي يدفعه المستأمن معدومًا أيضًا. ويترتب على مسئولية المؤمن المالية هذه أنه يلتزم قانونًا بالقيام بتكوين احتياطيات مالية لمقابلة مسئوليته تجاه المستأمن في المستقبل.

كما يفسر بعض القانونيين عقد التأمين بأنه عقد مؤكد من ناحية المستأمن ولكنه عقد احتمال شرطي Aleatory من ناحية المؤمن. ويفسرون ذلك بأن المستأمن يلتزم بدفع القسط أو الأقساط حسب شروط العقد ولا يمكن أن يتحلل من دفعها وإلا بطل سريان العقد. أما من ناحية المؤمن فإن التزامه بحتمل الدفع وليس مؤكدًا. إذ أن الدفع مشروط بتحقق الحادث المؤمن منه، فإذا لم يتحقق الحادث ينعدم التزام المؤمن تجاه المستأمن.

ملاحظة

وبالرغم من وجاهة المنطق الذي يسير عليه هذا التفسير، إلا أن أصحاب هذا الرأي ينظرون إلى عقد التأمين نظرة مفردة، أي أنهم يقيسون ويحددون التزام كل من الطرفين حسب العقد الواحد المبرم بينهما. وهذا إن أظهر التزام المستأمن واضحًا فإنه لا يظهر التزام المؤمن بأي حال من الأحوال. فالمعلوم أن الوظيفة الأولى للمؤمن هي أن يجمع أفرادا عدة من المستأمنين، ويجمع أقساطًا من كل واحد منهم لكي يتمكن هو من دفع التعويض لمن يتعرض لخسارة مالية. وليس عليه – بأي حال من الأحوال – أن ينظر إلى تعاقداته على أنه يتعامل مع كل واحد منهم على حدة. وعلى ذلك يمكن القول أن التزام المؤمن التزام جماعي ولا يمكن أن يظهر بصورته الفردية بوضوح. وبالرغم من ذلك فإن الالتزام الفردي يمكن توضيحه على أنه متوسط الخسارة المتوقعة بالنسبة لمجموعة الأفراد المستأمنين ويظهر جليًا من المثال الآتي.

مثال توضيحي

مؤمن يقوم بالتأمين على حياة ألف شخص يلتزم بأن يدفع لعائلة كل منهم مبلغ ألف دولار في حالة وفاة المؤمن على حياته خلال مدة معينة. وكان قسط التأمين الذي يدفع مرة واحدة عند التعاقد هو مبلغ مائتي دولار. فإذا كانت خبرة المؤمن السابقة تدل على أن من بين كل ألف شخص يموت مئة وخمسون شخصًا خلال المدة المؤمنة، فيمكن توضيح التزام الطرفين عند التعاقد – أي الالتزام المتوقع – كما يلي:

الالتزام المتوقع (الالتزام في بداية مدة التعاقد)

التزام جماعة المستأمنين نحو المؤمن هو أن يدفع كل منهم القسط المطلوب منه. أي أن مجموع التزاماتهم هو:

= 200 × 1000 = 200.000 دولار

والتزام كل فرد من أفراد الجماعة هو أن يدفع نصيه في القسط، أي أن يدفع ما قيمته 200 دولار. أما التزام المؤمن المتوقع نحو جماعة المستأمنين فهو أن يدفع مبلغ ألف دولار لعائلة كل فرد يتوفى، أي أن مجموع التزامه المتوقع:

= 1000 × 150 = 150.000 دولار

وما يتبقى له للمصروفات والأرباح = 200.000 – 150.000 = 50.000 دولار

ويكون التزام المؤمن المتوقع نحو الفرد هو متوسط ما يخص كل واحد من أفراد الجماعة في المبلغ المذكور:

150.000 ÷ 1000 = 150 دولار

الالتزام الفعلي (الاتزام في نهاية مدة التعاقد)

أما إذا أريد حساب الالتزام في نهاية مدة التعاقد، أي الالتزام الفعلي وإذا حدث أن كان عدد المتوفين فعلاً خلال مدة التعاقد هو 125 شخصًا فقطـ فإن التزام جماعة المستأمنين سواء كمجموعة أو كأفراد يظل ثابتًا. ويحسب التزام المؤمن الفعلي كالآتي:

التزام المؤمن نحو جماعة المستأمنين هو أنه قام بدفع مبلغ 1000 دولار لعائلة كل من 125 فردًا توفوا خلال المدة. أي أن مجموع التزامه المحقق هو مبلغ 125.000 دولار. ويتبقى له من الأقساط التي حصلها منهم مبلغ 75.000 دولار نظير المصروفات والأرباح التي زادت عما توقع في أول الأمر.

ويكون التزامه المحقق نحو الفرد الواحد منهم هو متوسط الالتزام الجماعي أي مبلغ 125 دولار.

وعلى ضوء هذا المثال يمكن القول بأن التزام المؤمن موجود فعلاً وليس احتماليًا أو شرطيًا بأي حال من الأحوال. سواء كان هذا الالتزام متوقعًا أو محققًا. ولكن الذي يمكن أن يقال في هذا المجال أن التزام المستأمنين ثابت لا يتغير. ولكن التزام المؤمن يتغير بتغير قيمة الالتزام المحقق عن الالتزام المتوقع. هذا مع العلم بأن الطرق الرياضية السليمة – وخاصة مع تطبيق قانون الأعداد الكبيرة – تقلل كثيرًا من قيمة هذا التغير.

ثانيًا: المبادئ القانونية الخاصة بعقد التأمين

يخضع عقد التأمين لبعض المبادئ القانونية التي تتعلق به وحده، ويسميها البعض المبادئ الأساسية للتأمين. ويسميها البعض الآخر المبادئ الأولية للتأمين. ولكن الجميع يقصدون بها المبادئ القانونية لعقد التأمين أو للتأمين. وتنحصر المبادئ القانونية لعقد التأمين في ستة مبادئ. ثلاثة منها تخضع لها جميع أنواع عقود التأمين بدون استثناء وهي:

  1. مبدأ المصلحة التأمينية
  2. ومبدأ منتهى حسن النية
  3. ومبدأ السبب القريب

أما المبادئ الثلاثة الأخرى فتخضع لها عقود تأمين الممتلكات والمسئولية فقط وهي:

  1. مبدأ التعويض
  2. مبدأ المشاركة في التأمين أو الاشتراك في دفع التعويض
  3. ومبدأ الحلول في الحقوق

ونتعرض فيما يلي لدراسة هذه المبادئ الستة وباختصار.

مبدأ المصلحة التأمينية

يقال أن للشخص مصلحة تأمينية Insurable Interest في الشيء موضوع التأمين عندما يعود عليه بمنفعة مادية نتيجة بقائه على ما هو عليه، ويلحق به خسارة مادية من جراء تحقق حادث معين له. فللمالك مصلحة تأمينية فيما يملك من عقار ومنقول. وللمستأجر مصلحة تأمينية فيما استأجر في حدود ما أنفقه فعلاً على عقد الإيجار. وللعائلة مصلحة تأمينية في رب العائلة الذي ينفق عليها ويمولها. وللشخص مصلحة تأمينية في ماله الذي ينفقه إجبارًا في حالة المرض والعجز وما إلى ذلك من أمثلة.

وتشترط جميع قوانين البلاد المختلفة وجود المصلحة التأمينية لصحة انعقاد عقد التأمين. وباعتباره أحد أهم المبادئ القانونية لعقد التأمين، يهدف مبدأ المصلحة التأمينية إلى أكثر من هدف. نذكر منها ما يلي على سبيل المثال:

أهداف مبدأ المصلحة التأمينية

  1. المصلحة التأمينية تحدد الحد الأعلى لقيمة التعويض الذي يقوم بدفعه المؤمن للمستأمن في حالة تحقق الحادث المؤمن منه وذلك بالنسبة لعقود تأمين الممتلكات والمسئولية. فالشركة تدفع تعويضًا عن المنزل المحترق في حدود ما تكلفه صاحبه في بنائه إذا كان هو المستفيد، أو في حدود ما للدائن المرتهن من قرض على المنزل إذا كان التأمين معقودًا لمصلحته.
  2. المصلحة التأمينية تساعد على إخراج عقد التأمين من مجال عقود المقامرة أو الرهان. فالعقود الأخيرة لا تشترط وجود هذه المصلحة لكي يكون العقد صحيحًا.
  3. المصلحة التأمينية تحدد من لهم الحق في التقدم لشراء عقد التأمين وتشترط فيهم شروطًا معينة. وبذلك تبعد عن عملية التأمين الأخطار الشخصية المتعمدة Moral Hazards وتلك التي تنشأ عن إهمال المستأمن واستهتاره لمجرد شراء عقد التأمين، والتي يطلق عليها أخطار الأعمال Morale Hazard. فالشخص الذي يؤمن على منزل من الحريق لا يمتلكه ولا يستأجره وليس له فيه أي مصلحة تأمينية أخرى يكون من السهل عليه أن يشعل فيه النار عمدًا في سبيل الحصول على التعويض المنصوص عليه في عقد التأمين. كذلك الحال بالنسبة للشخص الذي يؤمن على حياة والد صديق له يكون ثريًا أو ذا دخل مرتفع ولا يكون له به صلة دم أو قرابة يكون من اليسير عليه أن يتعمد وفاته أو قتله أو خلق حادث مفتعل يؤدي بحياته في سبيل الحصول على مبلغ المحدد في العقد.

وقت توافر المصلحة التأمينية

اختلفت القوانين في الدول المتعددة بخصوص وقت توافر المصلحة التأمينية، كما اختلفت في البلد الواحد من حقبة إلى أخرى. وكانت معظم القوانين قديمًا تميل إلى ضرورة توافر المصلحة التأمينية لدى المستأمن عند التعاقد وإلا بطل العقد منذ البداية. كما كان ينص في معظمها على ضرورة توافر المصلحة التأمينية عند تحقق الحادث أو الخسارة وإلا أصبح من حق المؤمن عدم دفع التعويض أو مبلغ التأمين.

ولكن الاتجاه العام حاليًا في معظم قوانين الدول المتقدمة في أعمال التأمين هو اشتراط وجود المصلحة التأمينية عند وقوع الحادث وتحقق الخسارة. وقد اكتفت القوانين هذه بتوقع وجود المصلحة التأمينية في المستقبل حتى يمكن التعاقد على التأمين. هذا كله بالنسبة للتأمينات العامة، أي جميع عقود التأمين ما عدا عقود تأمين الحياة.

عقود تأمين الحياة

أما عقود تأمين الحياة فالاتجاه العام السائد حديثًا هو ضرورة توافر المصلحة التأمينية عند التعاقد. وليس هناك ما يستدعي بقاء المصلحة التأمينية سارية خلال مدة التعاقد أو عند تحقق الحادث واستحقاق مبلغ التأمين. فمن المتعارف عليه أن للزوجة مصلحة تأمينية في حياة زوجها، وعلى ذلك يكون لها الحق في التعاقد على تأمين حياته. فإذا فرض أنه عند استحقاق مبلغ التأمين كان الزواج غير قائم بينهما فيكون لها الحق – بالرغم من عدم توافر المصلحة التأمينية – في قبض مبلغ التأمين.

وهناك من الحوادث التاريخية ما جعل المشرع في جميع بلاد العالم يحتم توافر المصلحة التأمينية عند التعاقد. ففي القرن الثامن عشر ظهرت في إنجلترا عمليات مقامرة على حياة العظماء والقادة. كان يخشى منها على حياة هؤلاء وخصوصًا بعد حدوث بعض الحوادث المتعمدة لأكثر من واحد منهم. وفي نفس القرن – خاصة في النصف الثاني منه – تفشت في فرنسا ظاهرة قيام المرضعات بالتعاقد على تأمين حياة الأطفال الذين كانوا يقومون بإرضاعهم، وقد ترتب على ذلك ارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال المؤمن على حياتهم بمعرفة أولئك المرضعات سواء كان ذلك نتيجة إهمال المرضعات المتعمد أو نتيجة افتعال أسباب الوفاة للأطفال. وقد ترتب على هذه الحوادث غير الأخلاقية أن أصر المشرع الفرنسي والعالمي على ضرورة توافر المصلحة التأمينية عند التعاقد في تأمينات الحياة، ثم اشترط أن تكون تلك المصلحة نتيجة علاقة دم أو قرابة وثيقة إلى جوار كونها مادية.

مبدأ منتهى حسن النية

يقضي مبدأ منتهى حسن النية Utmost Good Faith بأنه يجب على كل طرف من طرفي التعاقد أن يدلى إلى الطرف الآخر بجميع الحقائق أو الأمور الجوهرية المتعلقة بالخطر المؤمن عليه من ناحية، والمتعلقة بالعقد وشروطه وبياناته من ناحية أخرى.

ويُقصد بالحقائق أو الأمور الجوهرية تلك التي لو عرفها المؤمن وقت التعاقد لأثرت على حكمه بقبول أو رفض طلب التأمين، أو بتقدير قيمة القسط، أو بتحديد الشروط التي يقبل بها التأمين. وقد جرى العرف على التمييز بين البيانات التي أدلى بها طالب التأمين خطأ عن قصد، وتلك التي يدلي بها خطأ عن مجرد رأي أو اعتقاد شخصي وبحسن نية. فإذا ثبت بعد التعاقد أن البيانات التي أدلى بها المستأمن لم تكن صحيحة ولكنها أعطيت بحسن نية فلا يصح للمؤمن أن يطلب إبطال العقد.

ولا بد من توافر مبدأ منتهى حسن النية هذا بين طرفي التعاقد لكي يتم إبرام أي عقد من عقود التأمين جميعًا. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المؤمن يكون غريبًا عن وحدات الخطر المطلوب التأمين عليها، ولا يمكنه تكوين فكرة واضحة عن طبيعة الخطر ومداه وجودته أو رداءته إلا عن طريق استخدام المعلومات والبيانات التي يدلى بها المستأمن.

ويجب استمرار مبدأ منتهى حسن النية أيضًا بعد إصدار عقد التأمين وأثناء سريانه، إذ يجب على المستأمن أن يبلغ المؤمن أولا بأول عن جميع البيانات والمعلومات التي تطرأ على وحدات الخطر المؤمنة أثناء مدة التأمين.

ويجب أن يراعي مبدأ منتهى حسن النية من جانب المؤمن أيضًا. فعليه أن يقدم للمستأمن جميع البيانات والمعلومات الصحيحة الخاصة بالتأمين قبل إمضاء العقد، وتسري على المؤمن جميع الحقائق التي تسري على المستأمن في حالة الإخلال بالمبدأ.

الإخلال بمبدأ منتهى حسن النية

يحدث الإخلال بمبدأ منتهى حسن النية من جانب المستأمن في أكثر من صورة. ويكون لكل منها تأثير خاص على صحة التعاقد وسريان العقد. وفيما يلي نذكر أربع صور منها وتأثيرها على العقد:

إخفاء بيانات بحسن نية

يقصد بذلك أن يقوم المستأمن بإخفاء بعض البيانات التي تعتبر جوهرية بالنسبة للمؤمن نتيجة السهو أو عدم الانتباه أو الاعتقاد بأنها ليست جوهرية. وفي هذه الحالة يصبح العقد قابلاً للبطلان، بشرط أن يقوم المؤمن بإثبات أهمية البيانات التي أخفاها المستأمن، ويقوم الأخير بإثبات حسن نيته.

إخفاء بيانات عمدًا

ويقصد بذلك أن يقوم المستأمن بإخفاء أمور وبيانات جوهرية بسوء نية. وفي هذه الحالة يصبح العقد أيضا قابلاً للبطلان، بشرط أن يقوم المؤمن بإثبات سوء نية المستأمن في إخفاء البيانات الجوهرية.

الإدلاء ببيانات خاطئة بحسن نية

يحدث أن يدلي طالب التأمين بيانات غير صحيحة عن وحدات الخطر المراد التأمين عليها ولكن دون قصد سيء، اعتقادًا منه بأن البيانات التي أدلى بها صحيحة. ويصبح العقد في هذه الحالة قابلاً للبطلان أيضًا إذا كان الخطأ جسيمًا. أما إذا كان الخطأ في البيانات غير جسيم فلا يؤدي هذا إلى أي من أنواع البطلان.

الإدلاء ببيانات خاطئة بسوء نية

يحدث أن يدلى المستأمن بيانات خاطئة عن قصد وسوء نية بقصد الغش والتضليل والحصول على تأمين بشروط أحسن وقسط أقل. وفي هذه الحالة يعتبر عقد التأمين باطلاً بطلانًا مطلقًا، مما يترتب عليه حق المؤمن في الاستيلاء على القسط أو جزء القسط المدفوع له مقدمًا. ولكن يقع عليه عب إثبات الإخلال بمبدأ منتهى حسن النية.

مبدأ السبب القريب

يُقصد بالسبب القريب Proximate Cause ذاك السبب المباشر أو السبب الفعّال الذي يكون قادرًا على بدء سلسلة من الحوادث تؤدي في نهايتها إلى وقوع الخسارة دون تدخل أي مؤثر خارجي مستقل بخلاف السبب الأصلي.

ويُقصد بمبدأ السبب القريب، كأحد المبادئ القانونية لعقد التأمين، أن يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التعويض أو التأمين للمستأمن إذا تصادف أن كان الحادث المؤمن منه هو السبب الأصلي القريب والمباشر لحدوث الخسارة.

فإذا صودف وأن كان الحادث المؤمن منه هو السبب الوحيد لتحقق الخسارة، فيكون هو السبب القريب بدون منازع. ويحق للمستأمن أن يطالب بمبلغ التعويض أو التأمين، ويلتزم المؤمن بسداد المبلغ المطلوب.

وإذا صودف أن كان الحادث المؤمن منه معاصرًا لحادث أو لحوادث أخرى وكانت الحوادث المذكورة مؤمنة حسب شروط التعاقد، فإن المطالبة تعتبر صحيحة أيضًا. أما إذا كان الحادث المؤمن منه معاصرًا لحادث أو حوادث مستثناة من التأمين، وكان من الممكن تخصيص خسائر كل حادث على حدة، فإن المطالبة تعتبر صحيحة في حدود الخسائر الناتجة عن الحادث المؤمن فقط. أما إذا كانت ظروف الخسارة يصعب فيها فصلها عن بعضها البعض فإن المطالبة تعتبر غير صحيحة إلا بعد توزيع الخسارة على الحوادث المتعددة بطريقة فنية مقبولة، ويدفع المؤمن نصيبه في الخسائر فقط.

وإذا حدث أن كان الحادث المؤمن منه قد بدأ سلسلة من الحوادث المتعاقبة أدت في النهاية إلى تحقق الخسارة، أو إذا جاء الحادث في سلسلة حوادث بدأها حادث آخر ولكن لم يدخل ضمن هذه الحوادث جميعها أي خطر مستثنى من التغطية التأمينية، فإن المطالبة تكون صحيحة. أما إذا تدخل في هذه السلسلة حادث مستثنى وكان سابقًا في الحدوث للحادث المؤمن منه فان المطالبة تكون غير صحيحة، إذ تعتبر الخسارة نتيجة مباشرة للحادث المستثنى.

أما في الحالات التي ينشأ فيها سلسلة من الحوادث غير المتصلة فإن المطالبة تكون صحيحة بالنسبة للخسارة الناتجة عن الحادث المؤمن منه فقط.

مبدأ التعويض

يُقصد بمبدأ التعويض Indemnuit، كأحد المبادئ القانونية لعقد التأمين، أن عقود تأمينات الممتلكات والمسئولية تعوض المستأمن عن خسارته المالية التي أصابته نتيجة تحقق الحادث المؤمن له، بحيث لا يزيد التعويض عن الخسارة الحقيقة. وذلك حتى لا يثرى أحد الطرفين – وهو المستأمن عادة – على حساب الطرف الآخر وهو المؤمن.

والغرض الأساسي من تطبيق مبدأ التعويض على عقود تأمينات الممتلكات والمسئولية هو أن يوضع المستأمن بعد تحقق الخسارة في نفس المركز المالي الذي كان عليه قبل تحققها، إلا إذا رغب المستأمن في التأمين على ممتلكاته تأمينًا أقل من القيمة الفعلية لها. ففي هذه الحالة يحصل على تعويض غير كامل.

ولا يطبق مبدأ التعويض على عقود تأمين الحياة لعدة أسباب، منها أن الخسارة التي تترتب على حادث الحياة أو الوفاة لا يمكن قياس كميتها بدقة. وعلى ذلك لا بد من أن تكون مثل هذه العقود محددة القيمة Valued Polities والتي فيها يكون مبلغ التعويض الذي يدفع في حالة تحقيق الحادث محددة القيمة مقدمًا. وقد ساعد على استعمال العقود المحددة القيمة في تأمينات الحياة أن الحوادث المتعلقة بهذه التأمينات يترتب على تحققها عادة خسارة كلية، بمعنى أن الوفاة كحادث تحدث للشخص فيترتب عليه انقطاع دخله نهائيًا. ومثل هذه الخسارة الكلية ضرورية لدفع مبلغ التأمين المحدد بالكامل.

التأمين دون الكفاية

يقال أن التأمين دون الكفاية Under Insurance عندما يكون مبلغ التأمين المذكور في العقد والمدفوع على أساسه قسط التأمين أقل من القيمة الفعلية للعقار أو الدخل أو المسئولية المؤمن عليها. ويميل المستأمن عادة إلى التقليل من قيمة الشيء موضوع التأمين عند طلب التأمين بقصد دفع أقل قسط ممكن للمؤمن. وقد جرت العادة على أن تترك الحرية للمستأمن في تحديد قيمة موضوع التأمين، حيث أنه الوحيد الذي يمكن أن يقرر مقدرته على دفع قسط التأمين. أما عند حدوث الحادث وتحقق الخسارة فيميل المستأمن إلى المطالبة بقيمة الخسارة أيا كانت قيمتها، ويميل المؤمن إلى عدم دفع قيمة الخسارة بالكامل إذا كان التأمين المعقود غير كاف.

وتنظيمًا لحالات التعويض في حالة التأمين دون الكفاية ظهرت قاعدة تأمينية تتعلق بحساب قيمة التعويض الواجب دفعه للمستأمن أطلق عليها قاعدة النسبية Coinsurance Rule وتنص القاعدة في صيغتها المادية على أنه في الأحوال التي يكون فيها مبلغ التأمين أقل من قيمة موضوع التأمين، فإن المستأمن يعتبر مؤمنًا لنفسه بالفرق. ومن ثم يتحمل نسبة من الخسائر المحققة.

مثال على التأمين دون الكفاية

فإذا أمن شخص على منزله من خطر الحريق بمبلغ 5000 دولار، وعند تحقق حادث الحريق تأكد للمؤمن أن قيمة المنزل الفعلية قبل الحريق كانت 10.000 دولار. وإذا فرض أن الخسارة التي تحققت من جراء الحريق قدرت بمبلغ 200 دولار فقط، فإن المؤمن يطلب تطبيق قاعدة النسبية، ويكون عليه سداد جزء من الخسارة، ويتحمل المستأمن نفسه بجزء آخر نظير تأمينه دون الكفاية وتحمله جزء من عملية التأمين. وفي هذه الحالة بالذات نجد أن التأمين كان بنصف القيمة الفعلية للمنزل، فكأن المستأمن تحمل تأمين النصف الآخر من قيمة المنزل وعلى ذلك يتحمل المؤمن والمستأمن الخسارة مناصفة، فيدفع المؤمن للمستأمن مبلغ 100 دولار فقط. وتصبح القاعدة العامة في حساب قيمة التعويض الذي يلتزم المؤمن بدفعه كالآتي:

قيمة التعويض = الخسارة × (مبلغ التأمين ÷ قيمة الشيء المؤمن عليه وقت الحادث)

أي أنه في المثال أعلاه يكون:

قيمة التعويض = 200 × (5000 ÷ 10000) = 100 دولار

وما يتحمله المستأمن من خسارة = 100 دولار

يلاحظ أن قاعدة النسبية هذه لا تطبق من تلقاء نفسها، إذ لا بد لتطبيقها من أن يكون واردًا في قانون التأمين نصًا بذلك فيقع ملزمًا بالنسبة للطرفين. أو يكون النص واردًا كشرط من شروط عقد التأمين. وهذا هو الشائع في معظم عقود تأمين الممتلكات والمسئولية. فإذا خلا قانون البلد من النص، وإذا خلا العقد من ذكر الشرط، يلتزم المؤمن بتعويض المستأمن عن قيمة الخسارة بالكامل في حدود مبلغ التأمين الوارد في العقد، وبحيث لا تزيد الخسارة عن القيمة الفعلية لموضوع التأمين قبل حدوث الحادث مباشرة. ويذكر المؤمن ضمن شروط العقد في معظم الأحيان أن له الحق في التعويض المالي أو العيني. بمعنى أن يقوم بإصلاح ما أتلفه الحادث أو تقديم عرض له بدلاً من دفع التعويض المالي.

مبدأ المشاركة في التأمين

يًقصد بمبدأ المشاركة في التأمين Contribution أو مبدأ المشاركة في دفع التعويض أن توزع الخسارة على جميع المؤمنين المشتركين في تغطية الحادث المؤمن منه بطريقة عامة بحيث لا يتحمل أي واحد منهم أكثر من نسبة نصيبه في التأمين إلى مجموع التأمينات المعقودة على موضوع التأمين. ومن جهة أخرى يعاون هذا المبدأ مبدأ التعويض السابق ذكره حتى لا يحصل المستأمن على تعويض أكبر من قيمة خسارته. وذلك بأن يرجع المستأمن على كل مؤمن على حدة وإلزامه بدفع مبلغ التعويض في حدود مبلغ تأمين العقد المبرم معه. ويسرى هذا المبدأ على عقود التأمين التي تخضع لمبدأ التعويض، وهي عقود تأمين الممتلكات والمسئولية، ويشترط لتطبيق هذا المبدأ أن نكون عقود التأمين المتعددة مطابقة لبعضها البعض من ناحية المصلحة التأمينية والحادث المؤمن منه وموضوع التأمين.

وباعتباره أحد المبادئ القانونية لعقد التأمين، فإن مبدأ المشاركة في التأمين هذا يُطبق عادة إذا ما أراد المستأمن الرجوع على كل مؤمن على حدة بقيمة نصيبه في تعويض الخسارة، وللمستأمن الحق في مطالبة أحد المؤمنين يختاره بالذات لدفع قيمة التعويض بالكامل في حالة ما إذا كان عقده معه يفي بهذا الغرض. وللمؤمن الذي يقوم بسداد أكثر من نصيبه الحق في مطالبة باقي المؤمنين بحصتهم في هذا التعويض.

وقد ترتب على هذا الحق المباح للمستأمن أن لجأ المؤمنون إلى إضافة شرط المشاركة في التأمين في الوثيقة. والشرطة الأخير له تأثير يخالف مبدأ المشاركة في التأمين السابق الكلام عنه. فشرط المشاركة هذا ينص على أنه يتعين على المستأمن مطالبة كل مؤمن بنصيبه في التعويض بدلاً من أن يرجع على مؤمن بعينه دون غيره. وبذلك يحدد التزام كل مؤمن على حدة.

مثال على المشاركة في التأمين

أمن شخص على منزله بمبلغ 2000 دولار لدى شركة تأمين (أ)، وبمبلغ 4000 دولار لدى شركة تأمين (ب)، وبمبلغ 8000 دولار لدى شركة التأمين (ج). وكانت خسارة حريق المنزل قد بلغت 7000 دولار. فبفرض أن التأمين على المنزل كان كافيًا، المطلوب تخصيص الخسارة على المؤمنين الثلاثة.

يمكن حل المثال السابق على افتراضين مختلفين كما يلي:

الافتراض الأول

أن تكون عقود التأمين خالية من شرط المشاركة في التأمين، وعلى ذلك يعتمد على مبدأ المشاركة في التأمين وما يسمح به من حرية المستأمن في مطالبة المؤمنين الثلاثة بأنصبتهم، أو مطالبة مؤمن واحد منهم فقط حسب رغبته. فإذا فضل المستأمن مطالبة مؤمن واحد فيكون الأحسن له أن يطالب المؤمن الأخير أي شركة التأمين (ج) حيث أن مبلغ التأمين في عقده يغطي الخسارة بالكامل. وعلى ذلك فإنه يطالبها بمبلغ 7000 دولار، وتلتزم الشركة بدفعها. وبعد سدادها يمكنها الرجوع على كل من الشركتين الأخيرتين لتحصيل نصيب كل منها في التعويض.

وإذا فضل مطالبة كل مؤمن بنصيبه في التعويض على حدة، تكون أنصبة كل واحد منهم كالآتي:

نصيب كل مؤمن = الخسارة × (مبلغ التأمين لديه ÷ مجموع مبالغ التأمين لدى الثلاثة)

نصيب شركة التأمين (أ) = 7000 × 2000 ÷ 14000 = 1000 دولار

ونصيب شركة التأمين (ب) = 7000 × 4000 ÷ 14000 = 2000 دولار

ونصيب شركة التأمين (ج) = 7000 × 8000 ÷ 14000 = 4000 دولار

إجمالي التعويض المدفوع = 7000 دولار

الافتراض الثاني

الافتراض الثاني هو أن تكون عقود التأمين المبرمة إما جميعها أو أحدها ينص ضمن شروطه على شرط المشاركة في التأمين. ففي هذه الحالة لا بد من الرجوع على كل مؤمن منهم على حدة، ويصير توزيع التعويض بين ثلاثتهم كما هو واضح في الحالة الثانية من الافتراض الأول.

أما إذا كان التأمين أقل من الكفاية، أي أن مجموع المبالغ المؤمن بها على المنزل وهي 14000 دولار أقل من القيمة الفعلية للمنزل قبل حدوث الحريق مباشرة وهي 21000 دولار مثلا، وفي حالة عدم وجود شرط النسبة في أي من العقود الثلاثة، فإن مبلغ التعويض وقدره 7000 دولار يُدفع بالكامل للمستأمن حسب اختياره لطريقة الدفع إذا لم ينص صراحة على شرط المشاركة في التأمين في الوثائق. أما إذا كان العقد ينص على شرط المشاركة فعليه أن يرجع إلى كل مؤمن بنصيبه في التعويض كلٌ حسب نسبته في التأمين تمامًا كما هو متبع في الطريقة السابقة للتوزيع.

في حالة وجدود شرطي النسبية المشاركة معًا

أما في حالة وجود شرطي النسبية والمشاركة معًا في المثال المعدل السابق فإنه يجرى توزيع الخسارة كالآتي:

حد التزام شركة التأمين (أ) = 2000 دولار

حد التزام شركة التأمين (ب) = 4000 دولار

وحد التزام شركة التأمين (ج) = 8000 دولار

وبما أن مجموع هذه الالتزامات التأمينية – وهو 14000 دولار – أقل من قيمة المنزل قبل الحريق وهو 21000 دولار، ومع وجود شرط النسبية، فيكون المستأمن ملتزمًا بالفرق، أي مؤمنًا لنفسه بمبلغ تأمين قدره 7000 دولار.

حد التزام المستأمن = 7000 دولار

ويترتب على ذلك أن توزيع الخسارة التي قدرها 7000 دولار كالآتي:

نصيب كل مؤمن = الخسارة × (مبلغ تأمينه ÷ قيمة مضوع التأمين)

نصيب شركة تأمين (أ) = 7000 × 2000 ÷ 21000 = 666.667

ونصيب شركة تأمين (ب) = 7000 × 4000 ÷ 21000 = 1333.333

ونصيب شركة تأمين (ج) = 7000 × 8000 ÷ 21000 = 2666.667

ما يتحمله المستأمن = 7000 × 7000 ÷ 21000 = 2333.333

المجموع = 7000 دولار

وتخضع جميع عقود تأمين الممتلكات والمسئولية المبدأ المشاركة في التأمين. كما يمكن إضافة شرط المشاركة في التأمين إلى شروطها. أما بالنسبة لعقود تأمين الحياة فإنها لا تخضع لأي منها، مما يترتب عليه أن الشخص الذي يتعاقد مع أكثر من مؤمن على تأمين حياة بمبالغ التأمين متعددة لمصلحة عائلته، فإن العائلة تتقاضي جميع مبالغ التأمين مجتمعة بمجرد تحقق الحادث المؤمن منه.

مبدأ الحلول في الحقوق

يُقصد بمبدأ الحلول في الحقوق Subrogation أن يحل المؤمن محل المستأمن في كافة حقوقه قبل الغير بعد قيامه بسداد قيمة التعويض. وكل ما يتمكن المؤمن من الحصول عليه من الغير نتيجة حلوله محل المستأمن يقلل من صافي التعويض الذي التزم بدفعه للأخير إلى الحد الذي لا يستفيد المؤمن معه أكثر مما دفع. فإذا زاد المبلغ المحصل عن المبلغ المدفوع کتعويض وجب على المؤمن دفع الفرق إلى المستأمن الذي حدثت له الخسارة.

ويطبق مبدأ الحلول في الحقوق بغرض منع المستأمن من الحصول على أكثر من تعويض كامل بالنسبة للخسارة التي لحقته. وعلى ذلك فهو يطبق على عقود تأمين الممتلكات والمسئولية والتي يطبق عليها أصلاً مبدأ التعويض. ولا يطبق على عقود تأمين الحياة. كذلك فإن تطبيقه على عقود التعويض لا يقتصر على حق الحلول محل المستأمن في مقاضاة الغير الذي تسبب في تحقيق الخسارة، بل يتعداه إلى الإجراءات الأخرى التي يتحتم على المستأمن نفسه القيام بها للعمل على تخفيض قيمة الخسارة. كل هذا يمكن أن يتم بشرط أن يكون المؤمن قد قام بدفع مبلغ التعويض الذي يلتزم به نحو المستأمن.

وقد جرت العادة على أن تتضمن عقود التأمين التي تخضع لمبدأ الحلول في الحقوق شرطًا يعطي للمؤمن الحق في أن يحل محل المستأمن في كافة حقوقه قبل الغير وذلك بمجرد حدوث وظهور مسئولية الغير عنه حتى ولو كان ذلك قبل سداد قيمة التعويض. واستخدام حق الحلول قبل سداد التعويض غالبًا ما يكون له أهميته في بعض تأمينات المسئولية المدنية حيث أن المؤمن يكون هو المسئول عن مباشرة رفع الدعاوى ضد الغير المتسبب في الحادث وباسم المستأمن نفسه.

مثال على مبدأ الحلول في الحقوق

ومن أمثلة شروط الحلول التي تضمنها وثيقة التأمين ما يلي:

“ويكون للمؤمن الحق أن يتولى تسوية أية مطالبة مع الغير، أو أن يباشر الدعاوى التي تحل فيها عل المستأمن قبل الغير باسم المستأمن، وذلك للحصول على التعويضات التي يكون له الحق فيها. وللمؤمن أن يستخدم كافة السلطات المخولة له في سبيل مباشرة هذه الدعاوى أو تسوية أية مطالبة. وعلى المستأمن أن يقدم جميع البيانات والمساعدات التي يرى المؤمن طلبها منه”.

المصدر

  • كتاب الخطر والتأمين – الأصول العلمية والعملية. تأليف: الدكتور سلامة عبد الله، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1967، 1974.
  • موسوعة التأمين، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top