التأمينات الاجتماعية

نشأة التأمينات الاجتماعية

ظهرت أهمية العمل كعامل من عوامل الإنتاج أكثر من أي وقت آخر في العشرينات وتبلورت في نظريات اقتصادية واجتماعية هامة. وقد أدى ظهور تلك النظريات إلى الاهتمام بالعمل اهتمامًا خاصًا، ورعاية القائمين به ودراسة ظروفهم المختلفة. ومن أهم تلك الظروف التي استرعت انتباه الدارسين هي الحوادث التي تصيب العمال – وبالتالي تثقل كاهل عائلاتهم – أثناء حياتهم الإنتاجية والتي استدعت تعاون أكثر من جهة في إدارة أخطارها. ومن أهم تلك الحوادث الشيخوخة المبكرة والعجز والمرض والحوادث التي تصيب العمال أثناء تأدية أعمالهم وما إلى ذلك من حوادث مشابهة تغطيها التأمينات الاجتماعية أو Social Insurance.

وقد تطورت القوانين المنظمة لرعاية العمال إلى أن أصبح معظمها يرمي إلى المساواة في هذه الرعاية، كذلك إلى اشتراك صاحب العمل والحكومة في دفع تكلفتها. وتحرص معظم القوانين على أن تكون هذه الرعاية الاجتماعية موحدة أو قريبة من التوحيد حتى يتمكن أصحاب الأعمال من الحصول عليها بيسر سواء عن طريق تغطية مسئوليتهم بشراء وثيقة تأمين نمطية من شركات التأمين، أو عن طريق تغطيتها بنظام التأمين الذاتي إذا توافر لدى كل منهم أسباب ذلك، أو عن طريق تغطيتها بنظام التأمين الحكومي إذا لم يفِ كل من الطريقين الأول والثاني بالمطلوب منه.

التأمينات الاجتماعية والتأمينات الخاصة

فالتأمينات الاجتماعية تقوم إذن بتغطية نفس الأخطار والحوادث والخسائر التي تقوم بتغطيتها التأمينات الخاصة السابق دراستها في كل من الفصل الثامن الخاص بوثائق تأمينات الحياة والفصل الثالث عشر بالنسبة لوثائق تأمين المسئولية عن الأشخاص، بشرط أن تكون متعلقة بفئة اجتماعية هامة للاقتصاد القومي هي فئة العمال، سواء كانت هذه الفئة من العاملين في قطاع الإنتاج أو الخدمات. وعلى ذلك تصدر وثائق التأمينات الاجتماعية إما عن طريق شركات التأمين التجارية أو عن طريق مشروعات خاصة للتأمينات الاجتماعية، لا فرق في ذلك بين المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية.

دور الحكومات

وتتدخل الحكومات في سوق التأمينات الاجتماعية عندما ترى ضرورة اجتماعية أو اقتصادية أو كليهما تدعوها لمثل هذا التدخل، ومساهمة الحكومات في دفع قسط التأمين للعامل المستفيد، وحفظ حقه لدى صاحب العمل وما يتطلبه ذلك من رقابة تامة على أعمال التأمين وضمان دفع مبلغ التعويض هي من أهم ما يستدعي تدخل الحكومات وخاصة في الدول الاشتراكية في جميع أنحاء العالم.

طبيعة التأمينات الاجتماعية

يمكن تعريف التأمينات الاجتماعية بأنها نظام يهدف إلى خلق الاطمئنان لدى أفراد المجتمع العامل عن طريق ضمان حد أدنى لدخول دائمة لهم ولذويهم في حالات عجز العمال أو بطالتهم أو مرضهم أو وفاتهم.

ويترتب على التعريف السابق أنه كلما زادت القطاعات العاملة في المجتمع كلما شمل النظام بمجموعة أكبر من المستفيدين. ومن ناحية أخرى كلما زادت أهمية العمل في المجتمع كلما زاد شمول النظام وتعددت وزادت قيمة مزاياه.

وفي المجتمعات الاشتراكية والشيوعية هدف النظام إلى شمول أفراد المجتمع بأسره وخاصة إذا أخذ في الاعتبار أن جميع أفراد المجتمع منتجين بصورة أو بأخرى. وفي معظم الأحيان يتم شمول النظام أفراد المجتمع على حساب قيمة المزايا التي يمنحها للمستفيدين.

وتقتصر التأمينات الاجتماعية على تغطية بعض الحوادث دون غيرها نتيجة لطبيعتها السابقة. فهي تختص عادة بتغطية أخطار مسئولية رب العمل تجاه العامل خاصة بالنسبة لحوادث وإصابات العمل وأمراض المهنة. وتختص أيضًا بتغطية أخطار الحياة و/ أو الوفاة بالنسبة للعاملين في المجتمع إلى جانب معظم الحوادث الشخصية الأخرى.

وتقوم هيئات التأمين جميعًا وبدون استثناء بإصدار تغطيات التأمينات الاجتماعية. فهيئات التأمين التجارية تقوم بإصدار وثائق لتأمين الأخطار السابق الإشارة إليها إذا ما طلب منها ذلك. ورب العمل يمكنه اللجوء الى التأمين الذاتي إذا ما توافرت لديه أركان قيامه من وحدات خطر متعددة منتشرة وأمكنه عمل رصيد خاص يقوم باستثماره بطريقة استثمار أموال هيئات التأمين. وأصحاب الأعمال الذين لا يقدرون على عمل هيئات التأمين الذاتي يمكنهم التجمع مع بعضهم البعض وإنشاء هيئة تأمين تبادلي تقوم بتأمينهم من الأخطار المعرضين لها هم والعاملين لديهم. كذلك يمكن أن تتدخل الحكومات في أعمال التأمينات الاجتماعية إما لفشل الهيئات الأخرى في القيام بتلك الأعمال أو لأغراض اجتماعية أو اقتصادية أخرى.

أركان التأمينات الاجتماعية

تتميز التأمينات الاجتماعية بصفات أو أركان معينة بالنسبة للنواحي الفنية للتأمين نناقش أهمها فيما يلي:

الحوادث المؤمنة

يقتصر الغطاء التأميني في نظم التأمينات الاجتماعية على حوادث ثابتة لا تتعداها عادة وهي حوادث العجز والوفاة والشيخوخة، وحوادث إصابات العمل، وأمراض المهنة، وأخيرًا البطالة. وهناك من الكتاب من يقول أنه سوف تضاف في المستقبل بعض الحوادث الأخرى المتعلقة بممتلكات العامل المنتج مثل مسكنه أو سيارته. ولكن إذا حدث وأن تحقق مثل هذا الظن فإنه سوف يخرج نظام التأمينات الاجتماعية من نطاق حوادث الأشخاص إلى حوادث الممتلكات مما يغلب مع الظن من ضرورة التفرقة بين الناحيتين الاجتماعية والملكية.

تحديد الأسعار

تغطية حوادث التأمينات الاجتماعية تعتبر من أكثر الحوادث المركبة والتي تحتاج إلى مجهود فني كبير في حساب قسط التأمين الخاص بها. أضف إلى ذلك أن تلك الحوادث تتعلق بالأشخاص مما يترتب عليه وجود عنصر المسببات الشخصية في كل حادث منها، إذ هناك الشخص هادئ الأعصاب الذي لا يتسبب في حوادث عمل غير عادية وهناك آخر متوتر الأعصاب الذي يخلق الحوادث خلقًا سواء إراديًا أو بشكل غير إرادي. هذه العوامل بالإضافة إلى كثرة عدد العاملين في كل مصنع أو متجر أو هيئة حكومية تجعل من المتعذر على الفنيين في هيئات التأمين التي تقوم بإصدار تغطيات التأمينات الاجتماعية استخدام الطرق الفنية السليمة في تسعير تلك الحوادث.

وقد أدت هذه الظاهرة إلى أن لجأ الفنيون – خاصة في هيئات التأمين التجارية – إلى وضع أسعار متوسطة لمجموعة العاملين في كل منشأة اقتصادية بدلاً من عمل سعر خاص لكل عامل على حدة.

وعندما تتدخل الحكومات بإنشاء هيئة حكومية للقيام بأعمال التأمينات الاجتماعية يصعب على الفنيين فيها، مهما كثر عددهم، عمل أسعار متوسطة لكل مجموعة من العاملين على حدة ولذلك تلجأ الحكومات عادة إلى نظام الاشتراك كنسبة مئوية تستقطع من مرتب العاملين شهريًا وتذهب إلى الهيئة الحكومية. وبدلاً من أن يتناسب قسط التأمين مع درجة خطورة الحادث المؤمن، يصبح التناسب مع درجة العامل المالية أو الوظيفية. وحجة الدول الاشتراكية و/ أو الشيوعية في ذلك أكثر قبولاً من حجة الدول الرأسمالية، إذ أن من عادة الأولى أنه من الأنسب أن يتحمل العاملون الذين يتقاضون مرتبات وأجور عالية عبئًا أكبر في تمويل التأمينات الاجتماعية، وبذلك يفيدون زملاءهم أصحاب الدخول المنخفضة.

الإصدار

تقوم هيئات التأمين التجارية التي تمارس أعمال التأمينات الاجتماعية بإصدار وثائق جماعية تغطى مجموعة العاملين في كل هيئة على حدة. ولا يتطلب الأمر في مثل هذه الوثائق كشفًا طبيًا على المؤمن عليهم اكتفاء بالكشف الطبي الذي يتم عليهم عادة عند دخولهم خدمة رب العمل، واعتمادًا على استبعاد نظرية الأخطار الرديئة حيث أن الجميع لدى الأخير يدخلون الوثيقة بدون استثناء وليس فقط أولئك أصحاب درجة الخطورة المتدنية.

وعندما تتدخل الحكومات في نظام التأمينات الاجتماعية لا تتم أي خطوة من خطوات عملية الإصدار، حيث أن القانون المنشئ للنظام ينص على الفئات العاملة المشمولة بالتغطية، وعلى المزايا التي يستفيد بها العامل وأفراد أسرته وورثته من بعده. وبدلاً من الوثيقة يتحتم عمل نظام دقيق لحصر العاملين المشمولين ولتحصيل اشتراكاتهم ولصرف المزايا المستحقة لكل منهم.

عبء سداد الأقساط

يقع عبء سداد أقساط التأمينات الخاصة على المستأمن صاحب الخطر. أما في التأمينات الاجتماعية فإن المستأمن صاحب الخطر يتعدد بتعدد الحوادث المؤمنة. ففي حوادث الحياة و/ أو الوفاة يكون المستأمن صاحب الخطر فيها هو العامل نفسه. وفي حوادث وإصابات العمل و/ أو أمراض المهنة يكون صاحب العمل هو المستأمن. وفي حوادث المرض و/ أو البطالة يكون المستأمن المسؤول عن الخطر هو كلا من صاحب العمل والعامل معًا. ويترتب على هذه الظاهرة أن يشترك العامل مع صاحب العمل في دفع قسط التأمين لمؤسسات أو هيئات التأمين التجارية التي تقوم بعمل وثائق جماعية تغطى أخطار التأمينات الاجتماعية.

عندما يتدخل التأمين الاجتماعي الحكومي فإن عبء دفع الاشتراك لا بد وأن يقع على كل من العامل وصاحب العمل أيضًا كل حسب نصيبه في الحوادث المغطاة. وكثيرًا ما تقوم الحكومة بدفع نصيب في اشتراكات التأمينات الاجتماعية وذلك لتخفيف العبء المالي على العامل.

المزايا التأمينية

أدى تعدد الحوادث المشمولة في نظام التأمينات الاجتماعية إلى تعدد أنواع المزايا التأمينية الموجودة في النظام. فمن الملاحظ أن بعض الحوادث المؤمنة تقع في نطاق تأمين الحياة مثل حوادث العجز والوفاة والشيخوخة، مما يترتب عليه أن تكون المزايا في صورة مبالغ تأمين محددة أو معاش مرتب. ونظرًا لأن الاشتراكات التي تدفع عن التأمين متغيرة، فإن مبالغ التأمين أو المعاش يحدد حسب المرتب السنوي للعامل عند حدوث الحادث.

وبعض الحوادث المؤمنة الأخرى تقع في نطاق تأمين الحوادث والمسئولية مثل إصابات العمل وأمراض المهنة والبطالة، مما يترتب عليه أن تكون المزايا في صورة تعويض عن المزايا الفعلية التي لحقت بالعامل سواء بالطريق العيني – مثل العلاج في المستشفيات وصرف الأدوية – أو بالطريق المالي مثل تعويض العامل عن الأجر الفعلي الضائع نتيجة المرض أو البطالة أو العجز الكلي أو الجزئي.

مستلزمات النظام

يستلزم نظام التأمينات الاجتماعية عمومًا لعدة أدوات تعاون في خلقه أو إنشائه وتشغيله نذكر أهمها فيما يلي:

  1. مجموعة قوانين تقوم بإنشاء وتحديد وتنظيم التغطيات والاشتراكات والمزايا والعاملين المشمولين بالنظام.
  2. هيئة أو هيئات تأمينية متخصصة تقوم بتحميل الاشتراكات واستثمارها ودفع المزايا المالية وتقديم المزايا العينية للمستفيدين.
  3. وعي تأميني ناضج ورقابة فنية سليمة بغرض عدم التهرب من الانضمام، وعدم التفريط في تحصيل المزايا المالية والانتفاع من المزايا العينية. والعمل على التوسع في نشر النظام وزيادة مزاياه التأمينية.

وفيما يلي دراسة نظام التأمينات الاجتماعية في دولة رأسمالية هي الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة اشتراكية هي الاتحاد السوفيتي، وذلك بقصد المقارنة عند دراسة نظام التأمينات الاجتماعية في مصر.

التأمينات الاجتماعية في أمريكا

ظهور التأمينات الاجتماعية عام 1917

ظهرت التأمينات الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة عملية واضحة منذ عام 1917 في صورة تأمين أفراد القوات المسلحة الأمريكيين عن طريق مكتب أنشئ خصيصًا لذلك أطلق عليه مكتب تأمين أخطار الحرب Bureau of War Risks التابع لوزارة الخزانة الأمريكية. والتأمين المصدر عن طريق هذا المكتب كان يغطي العجز والوفاة الناشئين عن الاشتراك في الأعمال الحربية، حيث أن كليهما يقع غير مغطى بوثيقة تأمين الحياة العادية. وكان هذا التأمين اختياريًا حيث كان يقوم أفراد القوات المسلحة بدفع قسطه، كما كان يقوم المكتب بإدارة التأمينات المعقودة عن طريق احتجاز وتكوين الاحتياطي الفني اللازم من الأقساط المجمعة لكي يدفع منه مبلغ التأمين في حالة الوفاة أو العجز. وعلى ذلك فقد كان هذا النوع من التأمين الاجتماعي اختياريًا، ويقوم المستأمن بدفع القسط. ولكن الهيئة التي تقوم بعمله كانت هيئة حكومية وعادة ما كانت تقوم بسداد مبالغ تأمين تفوق الاحتياطيات المكونة عن طريق تمويل إضافي من أموال الخزانة العامة.

قانون التأمين الاجتماعي عام 1940

وفي عام 1940 صدر قانون بإنشاء نظام تأمين اجتماعي أعم من النظام السابق أطلق عليه تأمين حياة القائمين بالخدمة الوطنية National Service Life Insurance يغطي نفس العجز والوفاة إذا حدثا نتيجة الأعمال الحربية بالنسبة لكل من هو في الخدمة من أفراد القوات المسلحة والقوات البحرية وقوات حرس السواحل. وبمقتضى هذا التأمين أصبح كل فرد من أفراد القوات المذكورة مؤمنًا عليه بمبلغ عشرة آلاف دولار بدون أن يتقدم بطلب لذلك وبدون دفع أية أقساط. وفي حالة الوفاة أصبح يدفع التعويض للورثة على أساس ثلاثة وتسعين دولارًا شهريًا لمدة مائة وعشرين شهرًا أو عشر سنوات. ومما سبق يتضح أن هذا النوع من التأمين الاجتماعي إجباري، ومجانًا، وتقوم بعمله هيئة أو مؤسسة حكومية تقوم بدفع المستحقات من أموال الخزانة العامة للدولة.

قانون الضمان الاجتماعي عام 1935

وفي عام 1935 ظهر قانون الضمان الاجتماعي الأمريكي وعدل عدة مرات منذ نشأته حتى يومنا هذا. وبمقتضى القانون وتعديلاته ظهرت التأمينات الاجتماعية بمختلف أنواعها في السوق الأمريكية. وتأمينات الأشخاص الاجتماعية التي نشأت بمقتضى القوانين السابقة تضمن للعمال معاشًا عند بلوغهم سن المعاش أو عجزهم، كما تضمن لورثتهم مبلغًا ثابتًا عند وفاة العامل إلى جانب معاش مرتب للزوجة والأولاد القصر. وقد أطلق القانون على الجزء الخاص بتأمين الحياة من هذا النظام تأمين الشيخوخة ومعاش الأحياء أو Old Age & Survivor Insurance. ويضاف إلى هذه المزايا باقي المزايا المتعلقة بأخطار الصناعة وأمراض المهنة تمامًا كما هو موجود في معظم قوانين التأمينات الاجتماعية في البلاد الاشتراكية. وتدفع تكاليف هذا التأمين عن طريق استقطاع جزء من مرتب العاملين بالإضافة إلى جزء آخر يقوم صاحب العمل بدفعه، أي عن طريق اشتراك العامل وصاحب العمل في دفع القسط.

تأمين العلاج الصحي

وفي أواخر الثلاثينات أضيف إلى مجموعة التأمينات الاجتماعية للعمال تأمين العلاج الصحي أو Hospital lasarance. وقد خير أصحاب الأعمال بين التأمين الصحي لدى شركات التأمين، أو هيئات الخدمة الصحية مثل Blue Crons & Blue Shield، أو التأمين الذاتي أي القيام بتقديم الخدمة الطبية في المستشفيات ولدى الأطباء كلما احتاج إليها العاملون.

وفي عام 1938 ظهر قانون تأمين البطالة للعاملين بالسكك الحديدية ثم انتشر ليغطي جميع العاملين في مشروعات الإنتاج والخدمات الأخرى. وتقوم بإصداره هيئة تابعة للحكومة الاتحادية لها فروع في كل ولاية. وقسط التأمين يقوم بدفعه العامل المشترك بمساعدة الاتحادات العمالية بالرغم من أن القسط نفسه منخفض ولا يمثل القسط الفعلي لهذا التأمين لأن الحكومة الاتحادية تقوم بسد العجز الذي يظهر عند دفع التعويضات.

وتأمين إصابات العمل بفروعه المختلفة يعتبر تأمينًا إجباريًا فيما يقرب من 50% من الولايات الأمريكية. وبالرغم من أنه يقع اختياريًا في النصف الآخر من الولايات إلا أن المسئولية عن إصابات العمل إجبارية، مما يحتم على معظم أصحاب الأعمال تفضيل التأمين على أساس أنه أحد الطرق العلمية السليمة لإدارة أخطار مسئوليتهم تجاه العمال.

ومما سبق يتضح أن التأمينات الاجتماعية موجودة بأنواعها المختلفة في السوق الأمريكية، وأن بعضهم اختياري والبعض الآخر إجباري، وأن الهيئات التي تقوم بها إما أن تكون هيئات حكومية أو هيئات تجارية أو هيئات تبادلية. كما يتضح أن بعض هذه التأمينات يمكن أن يقوم بها المستأمن نفسه على أساس التأمين الذاتي أو افتراض الخطر مع تكوين احتياطي خاص كما هو الحال بالنسبة لتأمين العلاج الصحي للعمال. وأخيرًا يتضح أيضًا أن أقساط التأمينات الاجتماعية إما أن يقوم صاحب العمل بدفها بالكامل أو يشترك العامل مع صاحب العمل في دفعها، أو تشترك الحكومة مع أفراد الجيش لتحمل نفقاتها.

ويعيب النظام الأمريكي تعدد الهيئات التي تقوم بعمل التأمينات الاجتماعية في أمريكا مما يصعب معه إشراف الحكومة ورقابتها على تطبيق النظام بدقة تامة. كما يحتاج الأمر إلى وعي نقابي وعمالي ناضج حتى يمكن مراقبة النظام.

التأمينات الاجتماعية في روسيا

ينص دستور الاتحاد السوفيتي على حق كل شخص في الضمان المادي في حالة الشيخوخة والمرض والعجز عن العمل وذلك عن طريق التأمين الاجتماعي الحكومي. وتطبيقًا لذلك تحصل النساء السوفييت على علاوات في فترة الحمل والوضع، كما تدفع علاوات الأطفال للأمهات العاملات ذوات العائلات الكبيرة العدد اللاتي يعشن بمفردهن. كذلك تعتني الدولة بمواطنيها الذين يفقدون قدرتهم على العمل بصفة مؤقتة أو مستديمة. ويتم كل ذلك عن طريق تخصيص صندوق حكومي خاص لتأمين أفراد الشعب العامل في جميع المشروعات والمؤسسات.

ويطبق نظام التأمينات الاجتماعية في روسيا على العمال في مجالات الصناعة والتجارة والخدمات والزراعة الجماعية. وتقع نقابات العمال مسئولة عن إدارة أموال التأمينات الاجتماعية التي تحصل عن طريق تحصيل اشتراكات من مشروعات الدولة ومؤسساتها. وعلى ذلك لا تستقطع أية مبالغ من أجور العاملين أو من دخول أعضاء التعاونيات الزراعية لتمويل التأمين الاجتماعي.

مزايا التأمينات الاجتماعية في روسيا

ويمكن حصر المزايا التي تعود على العمال وأسرهم من التأمينات الاجتماعية في الاتحاد السوفيتي فيما يلي:

  1. إعانات مالية في حالة العجز المؤقت عن العمل مثل حالات المرض والإصابات والحمل والوضع.
  2. معاشات في حالة الشيخوخة والعجز المستديم والخدمة الطويلة وتدفع جميعها للعامل نفسه. كذلك معاشات تدفع لأسرة العامل عند فقد عائلها.
  3. التكفل بدفع نفقات توفير أماكن قضاء الإجازات المرضية وبيوت الراحة الطبية والمصحات والمستشفيات.
  4. التكفل بدفع نفقات الخدمة التي تقدم للأمهات العاملات مثل إعانات الوضع ورعاية الأطفال وتنظيم معسكرات ومصحات الأطفال.
  5. والتكفل بدفع نفقات الأغذية الخاصة للأغراض الطبية.
  6. التكفل بدفع نفقات إقامة المؤسسات المتخصصة لتدريب الناقهين بعد الإصابة أو العجز، والعمل على تدعيم إجراءات حماية العمال.
  7. التكفل بدفع نفقات أخرى مثل منح دفن الموت من العمال المؤمن عليهم وأفراد عائلاتهم.

وهذه المزايا في مجموعها تمثل تأمين عجز وشيخوخة وإصابات عمل وبطالة وتأمين صحي بالنسبة للعاملين في جميع مجالات العمل في الاتحاد السوفيتي.

وتكلفة المعاشات التي تدفع في حالة الشيخوخة والعجز المستديم وفقد العائل تمثل البند الرئيسي في ميزانية التأمينات الاجتماعية في الاتحاد السوفيتي، إذ أنها تصل إلى 70% من النفقات الكلية. وتكلفة الإعانات التي تدفع في حالة العجز المؤقت عن العمل تأتي في المرتبة الثانية إذ أنها تصل إلى 25% من الميزانية. أما الباقي وقدره 5% فإنه يوزع على المزايا المتعددة الأخرى.

وتقوم اللجان المركزية لنقابات العمال ولجانها الفرعية في الجمهوريات السوفيتية والأقاليم والمناطق بعملية الإدارة المحلية للتأمين الاجتماعي كل في المنطقة الخاصة بها. ويقوم المجلس المركزي لنقابات العمال لاتحاد الجمهوريات السوفيتية بعملية الإدارة العامة المركزية للتأمين الاجتماعي. ويحصل العاملون وعائلاتهم على المزايا مباشرة عن طريق لجان المصانع واللجان المحلية التابعة لنقابات العمال ولجان التأمين الاجتماعي التي تقوم هذه النقابات بتشكيلها.

عيوب التأمينات الاجتماعية في روسيا

ويعيب النظام الروسي أن الصرف مرتبط بميزانية الدولة فتتحكم فيه السياسات المالية للدولة والتي تتغير بتغير الظروف الاقتصادية والسياسية. ويعيب النظام أيضًا أن المزايا التأمينية تختلف حسب سياسة النقابة المحلية وحسب ميزانيتها. وأخيرًا فإن المنتفعين لا يجدون جهة تسند شكاواهم أو تحقق فيها طالما أن النقابة هي التي تقوم بصرف المزايا.

التأمينات الاجتماعية في مصر

عرفت السوق المصرية مشروعات التأمينات الاجتماعية بأنواعها المختلفة على مراحل عدة ومنذ زمن طويل. فقد مارس موظفو الحكومة نظام المعاشات منذ أوائل القرن العشرين. وطبق نظام التأمينات الاجتماعية على العمال الصناعيين منذ الثلاثينات عن طريق مشروعات التأمينات التجارية. وفي الخمسينات ظهرت مشروعات التأمينات الاجتماعية المتخصصة في هذا النوع من الخدمة. وأخيرًا ظهرت خدمة التأمين الصحي في مشروع متخصص قائم بذاته في الستينات.

وفيما يلي نقوم بدراسة هيئات التأمينات الاجتماعية الثلاثة الموجودة حاليًا في سوق التأمينات الاجتماعية في مصر وهي:

  1. الهيئة العامة للتأمين والمعاشات
  2. والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية
  3. والهيئة العامة للتأمين الصحي

أما تأمين البطالة فقد قامت الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بتنفيذ القانون الخاص به.

أولاً: الهيئة العامة للتأمين والمعاشات

عرف نظام المعاشات في مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكان المعاش يُمنح لبعض كبار الموظفين بغير نسب ثابتة أو ميعاد محدد، وذلك حسب مرسوم كان يصدر خصيصًا لذلك عندما يحالون إلى سن التقاعد عن العمل. وفي عام 1909 صدر مرسوم بقانون ينظم المعاشات بين نسبة قليلة من فئات موظفي الحكومة في مقابل خصم قدره 5% من مرتباتهم الشهرية. ثم عدل القانون السابق بأن أضيف إليه نظام آخر للمكافآت لتسري على من لا ينتفعون بنظام المعاشات.

وفي عام 1929 عدل قانون المعاشات بما يحقق تطويره ليناسب الحالة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى. وقد صدر قانون 1929 للمعاشات محققًا مزايا جديدة بالنسبة لفئات الموظفين إذ رفع الحد الأقصى للمعاش، وأضاف مستحقين جدد للمعاش لم يكن لهم الحق فيه من قبل، وأخيرًا أضاف مزايا جديدة للموظفين ولورثتهم في حالات انتهاء الخدمة بالحكومة بسبب العجز الصحي والوفاة سواء أكان ذلك أثناء الخدمة أو بسبب إصابة نشأت أثناء تأدية الوظيفة.

إنشاء صناديق التأمين والادخار

وفي عام 1935 توقف العمل بنظام المعاشات على الموظفين الجدد، واستمر ذلك حتى عام 1952 عندما صدر قانون يقضي بإنشاء صندوق التأمين وآخر للادخار لبعض فتات موظفي الحكومة. ونظام التأمين المستحدث كان عبارة عن تأمين حياة مؤقت يتعهد الصندوق بموجبه بأن يدفع مبلغًا معينًا يختلف باختلاف القسط المستقطع من المرتب الشهري للمؤمن عليه بواقع 1% إلى ورثة الموظف إذا تحققت وفاته خلال مدة الوظيفة وقبل بلوغه سن التقاعد. والأخطار المؤمن منها في مثل هذه الحالة هي خطر وفاة الموظف والعجز الصحي والشيخوخة المبكرة.

أما نظام الادخار فقد كان يتلخص في تحصيل اشتراك شهري من الموظف بواقع 7.5% من مرتبه وتدفع خزانة الدولة لحساب الموظف مبلغ آخر مماثلاً. ويدفع المبلغان لحساب الموظف في الصندوق، وتستثمر الأموال المتجمعة في الصندوق في المشروعات الاقتصادية حسب خطة استثمار يرسمها الصندوق لأمواله، على أن تؤدى إلى الموظف عند انتهاء خدمته مع ريع استثمارها إما مرة واحدة أو على دفعات متساوية أو غير متساوية محدودة العد، أو على هيئة معاش لمدى الحياة وفقًا للقواعد التي يحددها الصندوق.

إعادة نظام المعاشات

وفي أواخر عام 1956 أعادت الحكومة المصرية إحلال نظام المعاشات محل نظام الادخار. وقد عهد بقانون المعاشات الجديد آنذاك بإدارة الصندوق إلى هيئة عامة أطلق عليها الهيئة العامة للتأمين والمعاشات. وقد بني النظام الجديد على قواعد تأمينية ورياضية سليمة، إذ عمل على تكوين احتياطيات لمواجهة التزامات المعاش. وفي عام 1960 امتد سريان نظام المعاشات لأول مرة على جميع فئات عمال الدولة ومستخدميها.

وتقوم وزارة الخزانة بالإشراف والرقابة على الهيئة العامة للتأمين والمعاشات من النواحي الإدارية والمالية والفنية. وحجة المسئولين في ذلك أن وزارة الخزانة هي المسئولة عن دفع رواتب العاملين في القطاع الحكومي وهي المسئولة أيضًا عن دفع معاشاتهم ومستحقاتهم الأخرى.

ثانيًا: الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية

بدأ نظام التأمينات الاجتماعية في مصر في صورة تأمين إصابات العمل، وكان أول قانون أصدرته الدولة في مصر في تأمين إصابات العمل هو القانون رقم 64 لسنة 1936. وقد استمر العمل بهذا القانون حتى صدر القانون رقم 39 لسنة 1942 في شأن التأمين الإجباري من حوادث العمل وأخطار المهنة. وقد كانت شركات التأمين التجارية تتولى القيام بهذه التأمينات لصالح أصحاب الأعمال الذين يعمل لديهم عمال وينطبق عليهم قانون التأمين الإجباري.

وفي عام 1955 صدر القانون رقم 419 لإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال غير العاملين بالجهاز الحكومي. وفي عام 1958 صدر القانون رقم 202 بشأن التأمين والتعويض عن إصابات العمل الذي أصبح يسري على جميع العمال ما عدا القليل منهم. وقد قرر القانون الأخير مبدأ التعويض والمعاش والرعاية الطبية للعمال ووسائل الرعاية للمصابين منهم وتدبير وسائل الوقاية لهم. وقد أنشأ القانون الأخير مؤسسة التأمين والادخار لتقوم بأعمال صندوق التأمين والادخار الخاصين بالعمال.

وفي عام 1959 صدر القانون رقم 92 بشأن التأمين من إصابات العمل وتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة. وقد أصبحت اشتراكات صاحب العمل محددة على أساس نسبة مئوية من أجور العمال بدلاً من أقساط التأمين التي كانت تحدد على أساس تعريفة معينة حسب المتبع في شركات التأمين من قبل.

ظهور قانون التأمينات الاجتماعية

وأخيرًا صدر القانون رقم 63 لسنه 1964 بشأن التأمينات الاجتماعية ليحل محل القوانين سالفة الذكر. وقد استحدث هذا القانون أنواعًا جديدة في التأمينات الاجتماعية مثل تأمين البطالة والتأمين الصحي بالإضافة إلى تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين إصابات العمل. وقد نص القانون الجديد على أن يعهد بمباشرة هذه التأمينات إلى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي حلت محل مؤسسة التأمين والادخار التي كانت تعمل في سوق التأمينات الاجتماعية منذ عام 1958.

وتقوم وزارة العمل بالإشراف على الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية من النواحي الإدارية والمالية و/ أو الفنية، وحجة المسئولين في ذلك أن وزارة العمل هي المسئولة عن الإشراف على شئون العمل والعمال في القطاعين العام والخاص.

ثالثًا: الهيئة العامة للتأمين الصحي

اهتم المشرع المصري بالرعاية الصحية والطبية للعامل منذ صدور أول قانون لعقد العمل الفردي عام 1949. وقرر قانون العمل الحالي والذي صدر في عام 1959 حق العامل في العلاج على نفقة صاحب العمل. وقد قرر القانون أيضًا حق العامل في جزء من أجرة أثناء مرضه، وفي الأجر بالكامل في حالة الإصابة بمرض مزمن. وقد كانت الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية هي المختصة بتنفيذ وإدارة وتطبيق عمليات التأمين الصحي الخاصة بالعمال الخاضعين لأنشطتها حتى عام 1964 حينما ظهرت الهيئة العامة للتأمين الصحي لتشارك بخدماتها الطبية أو الصحية في سوق التأمينات الاجتماعية في مصر.

وتشترك في مسئولية تطبيق التأمين الصحي حاليًا هيئتان منفصلتان هما الهيئة العامة للتأمين الصحي والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. فالهيئة الأولى تختص بالنواحي الفنية من علاج أو عمليات جراحية وتأهيل وصرف أدوية. أما الهيئة الأخرى فتختص بتحصيل الاشتراكات ودفع التعويضات المالية وكل ما يتصل بهاتين العمليتين من أعمال إدارية. وقد ترتب على هذه الظاهرة أن أصبحت الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية تتولى المسئوليات المالية وفي نظير ذلك تحتفظ بما قيمته خُمس الرسوم المحصلة، فهي تقوم بتحصيل اشتراكات نظير التأمين الصحي بواقع 4% من أجور العمال يدفعها رب العمل و۱٪ من الأجور تخصم من العمال أنفسهم، وتلتزم بتوريد 4٪ فقط للهيئة العامة للتأمين الصحي للإنفاق منها على الخدمات الطبية والعلاجية وثمن الأدوية التي يستفيد منها العمال مباشرة.

وقد قامت الهيئة العامة للتأمين الصحي في عام 1964 بقصد تولي الخدمة والرعاية الصحية والطبية بالنسبة للعاملين في القطاع العام والخاص والحكومي وفضلت الهيئة ممارسة أعمالها بالنسبة للعاملين في محافظة الإسكندرية في بداية الأمر وذلك لتوافر المستشفيات والأماكن العلاجية فيها. وفي أوائل عام 1967 بدأت في حصر العاملين في محافظة القاهرة وإعداد الترتيبات اللازمة لعلاجهم ورعايتهم وحتى نهاية عام 1969 لم تتمكن الهيئة من البدء في تقديم الخدمة الكافية لجميع العاملين في محافظة القاهرة، ولكنها اكتفت بالتجهيز لتقديمها للعمال الموجودين في المصانع الكبيرة الحجم. والهيئة تأمل أن يمتد نشاطها شيئًا فشيئًا حتى يغطي جميع العاملين.

هيئات أخرى

بالإضافة إلى الهيئات العامة الثلاثة السابق ذكرها يوجد هيئة أخرى متخصصة في تقديم خدمة التأمينات الاجتماعية للعسكريين في مصر وتتبع وزارة الحربية. ويرجع هذا الفصل إلى اختلاف در جه خطورة الأعمال الحربية عن تلك الخاصة بالأعمال الصناعية والتجارية والخدمات. وتقوم وزارة الحربية بتعويض أفراد القوات المسلحة وعائلاتهم عن العجز والوفاة والمرض والشيخوخة والإصابات وما إلى ذلك من حوادث تقع مغطاة دائمًا في نظم التأمينات الاجتماعية. كذلك تقوم الوزارة بتقديم جميع الخدمات الصحية اللازمة لأفراد القوات المسلحة.

ويعيب النظام المصري عدم المساواة بين العاملين في الدولة في مزايا واشتراكات التأمينات الاجتماعية. كما يعيبه تعدد الهيئات القائمة على تطبيق النظام، مع عدم وجود هيئة عليا للإشراف والتنسيق بين تلك الهيئات المتعددة. ويعيبه كذلك التهرب الواضح في القطاع الخاص من دفع الاشتراكات والانضمام للنظام، ويعيبه أخيرًا عدم نجاحه في خلق وعي تأميني يعاون العاملين على الانتفاع بمزايا التأمينات الاجتماعية المتكاملة ويعاون الهيئات على جمع الاشتراكات بسهولة ويسر وفي مواعيدها وبدون محاولة للتهرب من ذلك.

المراجع

  • كتاب الخطر والتأمين – الأصول العلمية والعملية. تأليف: الدكتور سلامة عبد الله، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1967، 1974.
  • موسوعة التأمين، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top