طبيعة القواعد القانونية الدولية، تحديدها وتنسيقها وتفسيرها

أولا: تحديد القواعد القانونية الدولية

1. فيما يتعلق بالمخاطبين بأحكامها

لما كان إنشاء القواعد القانونية الدولية يتم بالتراضي بين عضوين أو أكثر من أعضاء الجماعة الدولية، فان تحديد الدائرة التي تنفذ فيها هذه القواعد وتستمتع في نطاقها بالقوة الإلزامية مرهون بالتراضي الذي قام عند إنشائها. فقد يقوم التراضي بين أعضاء الجماعة الدولية جميعهم وعندئذ يكون للقواعد القانونية الدولية التي أنشأها هذا التراضي قوة إلزامية على جميع أعضاء الجماعة الدولية، وهم الذين ارتبطوا بأحكامها. وقد يقوم ا التراضي بين بعض أعضاء الجماعة الدولية دون البعض الآخر، فتسري عندئذ القواعد القانونية الدولية التي أنشأها على المتعاقدين فقط، ولا تمتد قوتها الإلزامية إلى غير أطراف الاتفاق. وأخيرًا قد يقوم التراضي بين عضوين فقط من أعضاء الجماعة الدولية، وحينئذ تسري القواعد القانونية الدولية التي أنشأها الاتفاق بينهما عليهما وحدهما، ولا تمتد قوتها الإلزامية إلى غيرهما.

ويبدو ظاهرًا أن النوع الأول من القواعد القانونية “عام” من حيث التطبيق، ويشترك في الخضوع لأحكامه جميع أعضـاء الجماعة الدولية، في حين أن النوعين الثاني والثالث لا يتميزان بهـذا الوصف، بل يلحقهمـا وصف “الخصوصية”، وتتحدد قوتهما الإلزامية بأعضاء الجماعة الدولية الذين تراضوا فيما بينهم على الخضوع لأحكامهما.

ومما لا شك فيه أن النوعين الثاني والثالث من القواعد القانونية الدولية هما النوعان الغالبان، وذلك نتيجة للأوضاع القائمة بين أعضاء الجماعة الدولية وتغاير مصالحهم واختلاف حاجاتهم، مما يجعل الاتفاق بينهم جميعًا على قواعد قانونية معينة أدنى إلى الاستحالة منه إلى الإمكان.

والاتفاقات “الخاصة” أكثر يسرًا وقربًا من الاتفاقات “الجماعية”، ولهذا كله يمكن القول بأن القانون الدولي العام تتميز الغالبية العظمى لقواعده بوصف “الخصوصية”، والقليل النادر منه بوصف “العمومية”، وذلك كله من حيث دائرة التطبيق أو مدى القوة الإلزامية.

ويدعونا هذا القول إلى تقرير أمر آخر: هو أنه توجد داخل الجماعة الدولية جماعات قانونية كثيرة، تتعدد بتعدد الاتفاقات “الخاصة” التي تقوم بين أعضائها. بمعنى أن كل اتفاق ينشأ بين عضوين أو أكثر من أعضاء الجماعة الدولية يجعل من المتفقين جماعة قانونية قائمة بذاتها، يكتسب أعضاؤها الحقوق الخاصة، وتترتب في ذممهم الالتزامات المعينة التي يذكرها الاتفاق المبرم بينهم. ولعل من أهم الجماعات القانونية “عصبة الأمم” التي أنشأتها معاهدة “فرسايل” المنعقدة في 27 من يونيو سنة 1919، و”هيئة الأمم المتحدة” التي أنشأتها معاهدة سان فرانسيسكو المنعقدة في 26 من يونيو سنة 1945. فقد أقامت كل من هاتين المعاهدتين نظامًا معينًا يكسب أطرافه حقوقًا معينة ويلزمهم بأداء واجبات محددة، وهذه الحقوق والواجبات لا تتعدى أطراف كل من المعاهدتين إلى غير العاقدين.

ومن المجمع عليه في القانون الدولي أن أحكام المعاهدات تعد قانونًا فيما بين عاقديها فقط، فلا تتعداهم قوتها الإلزامية إلى الغير، إذ هي بالنسبة إلى غير أطرافها واقعة مادية لا تكسبهم حقًا ولا تلزمهم. غير أن العمل يجري بين الدول على إجازة امتداد أحكام المعاهدات ذات المنفعة العامة إلى غير العاقدين تعميمًا للفائدة، وذلك عن طريق إباحة الانضمام إليها، Accession, Adhesion، وبيان ذلك أن دولا ما قد تعقد فيما بينها بأداء واجب اتفاقًا معينًا ترى من المصلحة أن تعمم أحكامه لصالح أعضاء الجماعة الدولية كلهم أو بعضهم. فتضع لذلك نصًـا في هذا الاتفاق تجيز فيه لأية دولة غير طرف في الاتفاق أن تنضم إليه، فتسرى عندئذ أحكامه عليها.

وكما يجوز أن يفتح المتعاقدون باب الانضمام للاتفاق لجميع الدول الأخرى، يجوز أيضًا أن تقتصر دعوة الانضمام على دول معينة بالذات. وقد تكون إجازة الانضمام مشروطة، وقد تكون غير مقيدة بشرط. ومرجع الأمر في هذا كله إلى الحكم الذي تراضى عليه أطراف الاتفاق الأصليون. فإذا لم يرد النص كان الانضمام في الأصل غير جائز. أما إذا عرضت دولة ما التقيد بأحكام معاهدة قائمة لم تشترك في إنشائها، وكانت المعاهدة خالية من النص على جواز الانضمام إليها، ثم قبلت عرضها الدول أطراف المعاهدة، فإنه ينشأ عن توافق هذا الإيجاب مع هـذا القبول اتفاق جديد، به تمتد القوة الإلزامية لأحكام المعاهدة الأولى إلى الدولة الجديدة. هذا ويلاحظ أن إجازة الانضمام لا تكون عادة إلا في المعاهدة “المفتوحة”، التي لا يكون فيها لشخصية الدول المتعاقدة اعتبار خاص، وذلك لما تقرره مثل هذه المعاهدة من أحكام عامة.

وقد يدعو الأمر – إذا كان الاتفاق المنعقد بين دول معينة يقضى بممارسة حقوق دولية في مواجهة دول ليست أطرافًا فيه – إلى إبلاغ نصوص هذا الاتفاق إليها، وذلك توطئة لاعتراف الدول غير المتعاقدة بما جاء فيه. ومثال ذلك أن تعقد دولتان معاهدة بمقتضاها تتولى إحداهما حماية الأخرى، وتتولى عنها مباشرة أمورها الخارجية، فلكي تستطيع الدولة الحامية أن تباشر حمايتها والشئون الخارجية للدولة المحمية يجب أن تعترف لها الدول الأخرى بهذه الصفة. ووسيلة ذلك إبلاغ أحكام معاهدة الحماية لبقية الدول، رجاء صدور هذا الاعتراف. فإذا تم الاعتراف التزمت الدولة المعترفة باحترام ما للمعاهدة من قوة إلزامية في مواجهتها. وإن لم يتم فإن المعاهدة تظل واقعة مادية بالنسبة للدول غير الأطراف فيها التي لم تُبد اعترافها بها. وغني عن الذكر أن أسـاس امتداد القوة الإلزامية لأحكام المعاهدة إلى الدول التي صدر عنها الاعتراف، هو في هذه الحالة الاعتراف الصادر عنها، الذي يتضمن احترامها لهذه الأحكام.

وقواعد القانون الدولي التي تتميز بوصف “العمومية” في التطبيق قائمة هي الأخرى على التراضي بين الدول. وهي على هذا تختلف تمامًا عن القانون “الطبيعي” أو “العالمي”، تلك القواعد التي يتعين على الدول كافة احترام أحكامها بناء على قوة الضرورة، بغض النظر عن رضاها. وليس من شك في أن النظرية القديمة أو المعاصرة للقانون العالمي أو الطبيعي لها ما يسوغها عند من يدعـو إليها من العلماء والفلاسفة. غير أنها تنتمي في الواقع لمذهب فلسفي يفترق كل الافتراق عن المذهب القانوني. فالعدل المثالي، والقواعد القانونية الدولية، يخضع كل منهما لمذهب مختلف في التفكير: فالأول ينتمي للفلسفة، والثانية تخضع للوضع القائم. والأول يخاطب الضمائر ولا يترتب على مخالفته جزاء، والثانية تقوم على الرضا ويترتب على مخالفتها تحمل المسئولية الدولية.

ولذلك فان الخلط بينهما يؤدي إلى الانتقاص من أحدهما على حساب الآخر، أو إلى تزييف الصورة الحقيقية لكليهما. فعالمية القانون الدولي مثلا، بوصفها غاية يُسعى إليها، فكرة مشروعة وضرورية في حد ذاتها، غير أنها تختلف عن فكرة التحقق من وجود قواعد قانونية وضعية، لها فعلا وصـف “العمومية” في التطبيق. فرجل الفلسفة مثلا قد يتخيل أو يدعو إلى إنشاء منظمة تضم جميع العائلة الدولية فيتحقق للمنظمة بذلك وصف العالمية، غير أنه يجب على رجل القانون أن يتجنب الخيال، وأن يأخذ هيئة الأمم المتحدة كما هي وعلى أساس القواعد القانونية التي تنتظم أعضاءها، وأن يقرر تبعا لذلك إن كان الوضع القائم يكسب هذه المؤسسة أو لا يكسبها وصف العالمية.

وقواعد القانون الدولي التي تتميز بوصف “العمومية” في التطبيق قواعد ينفرد بإنشائها العرف الدولي، إذ لا يوجد في الوقت المعاصر، ولم يوجد من قبل، اتفاق اشترك في عقده جميع أعضاء الجماعة الدولية. وقد نشـأت هذه القواعد نتيجة للتطور التاريخي الطويل في علاقات الدول الأوربية المسيحية، ولذلك قيل بأن القانون الدولي قانون قائم على الحضارة المسيحية الغربية. ثم اشتركت في هذا التطور الدول الأخرى تدريجيًا، سـواء بنشوء دول جديدة عن الأصل الأوربي كدول الأمريكيتين، أو بنشوء العلاقات الدولية بين الغرب المسيحي والشرق غير المسيحي على أساس القواعد التي كانت تحكم تصرفات الدول الأوربية المسيحية. وليس من اليسير تعيين هذه القواعد القانونية العمومية مقدمًا أو تحديد موضوعها بدقة، ذلك لأن طبيعتها تستلزم أن تكون شائعة وأن تظل كذلك، كي تنطبق على الدول التي تختلف ظروف الحياة فيها، وتتفاوت حضاراتها، وتتغاير مصالحها.

ويُلاحظ أن كثيرًا ما تنظم الموضوع الواحد قواعد قانونية متغايرة، نتيجة لتعدد المعاهدات التي تنشئ هذه القواعد. ومثال ذلك موضوع تسليم المجرمين، أو موضوع الحماية، أو موضوع الحياد، فقد تتعاقد دولتان أو أكثر على تنظيم أحد هذه الموضوعات تنظيمًا معينًا، في حين تلجأ دول أخرى إلى تنظيمه على صورة مغايرة، ويلجأ فريق ثالث من الدول إلى تنظيم الموضوع عينه على صورة جديدة. ويلاحظ أن التعدد في تنظيم الموضوع الواحد كثيرًا ما يؤدى آخر الأمر إلى إبراز قواعد معينة تثبت في كل اتفاق يقوم بتنظيم هذا الموضوع وتصير من خصائصه، فيتخذ الفقه هذا أساسًا لوضع المعايير التي تميز اتفاقًا من اتفاق، ويقرر – استنادًا إليها – أن هـذا الاتفاق يقرر “حيادًا”، وأن ذاك ينشئ “حماية”.. إلخ. كما هو الأمر في نطاق دائرة القانون الدولي، عندما الفقه خصائص العقود المسماة من “بيع” و”إيجار” و “وديعة” و”وكالة”.. إلخ.

غير أن القياس في هذه الحالة قياس مع الفارق وهو أن القانون الداخلي يبين خصائص هذه العقود، بحيث يقوم عمل الفقه على أساس القانون ذاته. أما في الدائرة الدولية فإن القانون لا يضع مثل هذه المعايير، فهي من عمل الفقه وحده. وعلى ذلك يجب أن يظل عمل الفقه في هذا الخصوص في نطاقه النظري، لا يتعداه إلى النطاق الوضعي الذي يقضي بأن يكون الاتفاق أو المعاهدة المرجع الأول والأخير في تعيين الأحكام التي تنطبق على الموضوع الذي اتفق الأطراف على تنظيمه.

2. فيما يتعلق بمدة سريان القاعدة القانونية الدولية

يبدأ سريان القاعدة القانونية الدولية متى اكتمل الرضا لدى المخاطبين بأحكامها، أو في الموعد الذي حدده لسريانها الاتفاق الدولي الذي أنشأها. غير أنه ليس من الأمور اليسيرة تحديد التاريخ الذي يبدأ فيه سريان القواعد القانونية التي ينشئها العرف الدولي، إذ أن القاعدة تتكون في هذه الحالة تكوينًا بطيئًا غير محسوس، وتتحول إلى قاعدة قانونية متى اكتسبت ذلك العنصر المعنوي Opinio juris، وهو شيوع الاعتقـاد لدى المخاطبين بها بقوتها القانونية الإلزامية.

ولما كان تحديد الوقت الذي تكتسب فيه القاعدة ذلك العنصر المعنوي من الأمور العسيرة بل المستحيلة، فإن تحديد التاريخ الذي يبدأ فيه سريانها، بوصفها قاعدة قانونية، أمر عسير أو مستحيل أيضًا. ويمكن القول على وجه العمـوم بأن القاعدة القانونية العرفية يكتشف وجودها وسريانهـا، ويمكن تعيين المخاطين بأحكامها من الدول، ولكن يصعب تحديد تاريخ مولدها (1).

والأمر على خلاف ذلك فيما يتعلق بالقواعد القانونية التي تُنشئها المعاهدات، ذلك أن المعاهدة تتضمن عادة تحديد الموعد الذي تدخل فيه أحكامها طور التنفيذ، والشروط والأوصاف التي تحيط بسريان نصوصها على أطرافها. فإذا خلت المعاهدة من التعرض لهذه الأمور، فإن المبدأ العام يقضي بأن تسري أحكامها متى اكتمل الرضا لدى أطرافها بأحكامها. فإن نشأت صعوبة ما فيما يتعلق بهذا الشأن، فإن مرجع الأمر في حلها إلى تفسير نوايا أطراف هذه المعاهدة.

وكما أن القواعد القانونية الدولية تتولد عن الرضا، فإن الرضا هو أيضـًا الذي ينهيها أو يوقف سريانها. وقد يكون التراضي الذي يلغي حكم القاعدة القانونية مثبتًا في الاتفاق عينه الذي ينشئها، بمعنى أن تتضمن المعاهدة من النصوص التبعية ما هو خاص بالموعد الذي ينتهي فيه سريان أحكامها، أو بالشروط الفاسخة للاتفاق، أو بالأسباب التي تنقضي بها المعاهدة. وقد تنقضي المعاهدة أيضًا بعقد معاهدة جديدة، تلغيها صراحة أو ضمنيًا، وقد تلغي قاعدة عرفية جديدة حكمًا أنشأته معاهدة سابقة، كما أن معاهدة لاحقة قد تلغي قاعدة عرفية سابقة.

ومن ثم يمكن وضع المبادئ التالية

  1. أولا: تنقضي القاعدة القانونية العرفية إما بقاعدة عرفية لاحقة، وإما بمعاهدة تلغيها صراحة، أو تقرر حكمًا متعارضًا معها.
  2. ثانيًا: تنقضي القاعدة القانونية المثبتة في معاهدة إما بمعاهدة جديدة لاحقة تلغيها صراحة أو ضمنًا، وإما بقاعدة قانونية عرفيـة لاحقة تتضـمن حكمًا متعارضًا معها. (2)

ويلاحظ أن عمل القاعدة القانونية الدوليـة من نشأتها إلى انقضائها هو أن تسند إلى وقائع مادية معينة نتائج قانونية. وقد يتراضى واضعو القاعدة القانونية الدولية – وهم الذين يخاطبهم حكمها – على إسناد النتائج القانونية المعينة إلى وقائع مادية حدثت “قبل” نشوء القاعدة القانونية، وعندئذ يكون للقاعدة القانونية “أثر رجعي”. وقد تنصرف نية واضعي القاعدة إلى إسناد النتائج القانونية المعينة إلى الوقائع المادية المعينة التي تحدث بعد نشوء القاعدة، وعندئذ لا يكون للقاعدة القانونية أثر رجعي. والمرجع في تحديد هذا الأمر هو نية الأطراف الذين أنشأوا القاعدة. ويجب البحث عن هذه النية في كل حالة على حدة، على أن تراعى روح الاتفاق والغرض الذي وُضع من أجله.

3. فيما يتعلق بقوة القاعدة القانونية الدولية الإلزامية

من المعلوم أن القواعد القانونية الداخلية تنقسم إلى قسمين من حيث قوتها الإلزامية: القواعد القانونية “الآمرة” normes imperatives التي لا يجوز للمخاطبين الاتفاق على مخالفة أحكامها، والقواعد القانونية “المرخصة”، التي يجوز للمخاطبين الاتفاق على استبدال غيرها بها normes dispositives. وهذا النوع الأخير من القواعد ينقسم بدوره قسمين: القواعد القانونية “المكملة” normes supplétives، وهي التي تعد تعبيرًا إضافيًا لإرادة المخاطبين عند السكوت، والقواعد القانونية “المرنة” normes flexibles، وهي التي تضع تنظيمًا ما لبعض الروابط القانونية المعنية وتترك للمخاطبين في الوقت عينه حرية وضع تنظيم آخر مغاير لها (3).

وهذه التقسيمات التي تسود الدائرة القانونية الداخلية ليس لها في دائرة القانون الدولي إلا أهمية ضئيلة ومجال ضيق، وتفسير ذلك أن القانون الداخلي من عمل سلطة تفوق سلطة المخاطبين بأحكامه. وهذه السلطة هي التي تصـدر الأوامر والنواهي، وهي التي تضع الحدود على إرادة المخاطبين، وتحدد النطاق الذي تترك لإراداتهم فيه السلطان الكامل أو الناقص. والوضع في دائرة القانون الدولي مختلف تمام الاختلاف عن الوضع في دائرة القانون الداخلي. فالمخاطبون بأحكام القانون الدولي هم أنفسهم واضـعو أحكام القانون. وكل قاعدة من قواعد القانون الدولي تقوم على أساس الرضا الذي يعبر عنه المخاطبـون بحكمها تعبيرًا صريحًا أو ضمنيًا. “فالمشرع” في القانون الدولي هو نفسه “المخاطب” بالأحكام التي يضعها. ويترتب على ذلك نتيجة حتمية: وهي أن الدو ل التي تُنشئ قاعدة قانونية برضاها تستطيع أيضًا أن تلغيها أو أن تعدلها أو أن تستبدل غيرها بها برضاها، وعلى ذلك لا تستمر القاعدة القانونية الدولية قائمة إلا إذا استمر الرضا بحكمها قائمًا.

ويؤدي هذا الوضع إلى استبعاد تقسيم القواعد القانونية الدولية إلى قواعد “آمرة” وقواعد “مرخصة”، والتقرير بأن قواعد القانون الدولي جميعها قواعد مرخصة تقوم على الرضا، ويستطيع الرضا أن يفعل بها ما يشاء، بشرط أن يقوم الرضـا بين جميع الدول التي أنشأت في الأصـل القاعدة القانونية الدولية. وظاهر أن الشرط الأخير له أهمية جوهرية: فلو أن دولتين أو ثلاث دول عقدت معاهدة أنشأت بها قواعد قانونية دولية معينة فإنها تستطيع أن تلغي أحكام المعاهدة، أو أن تعدلها، أو أن تستبدل غيرها بها، بشرط تحقق الرضا بين جميع أطرافها، لا بعضهم دون البعض الآخر.

ويبدو أن الإلغاء أو التعديل أو الاستبدال أمر يسير هين إذا كان عدد أطراف المعاهدة قليلا، وذلك لسهولة تحقيق توافق الرأي لديهم، وقيام الرضا بينهم. أما إذا تعددت الأطراف، فإن أمر الإلغاء والتعديل والاستبدال يحيط به شيء من الصعوبة، لأن توافق إرادات جميع الأطراف يكون في هذه الحالة أبعد منالاً، نتيجة لاختلاف المصالح وتغاير الحاجات ولذلك كثيرًا ما تتبع الدول التقسيم الثنائي للقواعد المرخصـة: فتلجأ في بعض الأحوال إلى وضع نصوص مكملة في المعاهدات التي تعقدها، وتلجأ في أحوال أخرى إلى وضع نصوص مرنة في المعاهدات المتعددة الأطراف.

فمن الأمثلة على القواعد المكملة ما جاء بالفقرة الثانية من المادة 39 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، ونصها كالآتي: “إذا لم يكن ثمة اتفاق على تعيين اللغة التي تستعمل جاز لأطراف الدعوى أن يستعملوا في المرافعات ما يؤثرون استعماله من هاتين اللغتين (4)، وفي هذه الحالة يصدر الحكم باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتبين المحكمة أي النصـين هو الأصل الرسمي.

أما القواعد المرنة فتأخذ شكلين: فتارة تتفق الدول في المعاهدات المتعددة الأطراف على تضمين المعاهدة نصوصًا تكفل لبعض المصالح حدًا أدنى من الحماية القانونية، وتترك للدول الأطراف الحق في أن تعقد بين بعضها بعضًا معاهدات أخرى تكفل لهذه المصالح حماية أقوى من حماية الحد الأدنى التي سبق الاتفاق بين أطراف المعاهدة الأولى عليها. ومثال ذلك المادة 20 من اتفاقية “برن” الخاصة بحماية الملكية الأدبية والفنية المنعقدة في 13 من نوفمبر سنة 1907. وقد جاء فيه أن الأطراف يحتفظون بحقهم في عقد معاهدات أخرى تخول المؤلفين حقوقًا أكثر وحماية أقوى مما ورد في الاتفاقية (5).

وتارة تعمد الدول الأطراف في المعاهدة إلى وضع تنظيم معين لمسألة معينة، ويُسمح لأطراف المعاهدة بألا تطبق هذا التنظيم تطبيقًا كاملاً. ومثال ذلك المادة الأولى من اتفاقية لاهاي المنعقدة في 17 من يوليو سنة 1905 المتعلقة بإجراءات المرافعات المدنية وإبلاغ الإعلانات للمقيمين في الخارج، فقد نصت على أن تبلغ الإعلانات بواسطة القناصل، على أن تصحب ذلك مذكرات تتبادل بالطريق الدبلوماسي، وسمحت للدول الأطراف بأن تكتفي – إذا ما أرادت – بالإبلاغ عن طريق القناصل فقط.

ثانيًا: تنسيق القواعد القانونية الدولية

لقواعد القانون الدولي العام (6) – مهما يختلف مصدرها – طبيعة قانونية واحدة، إذ أنشأها التراضي الصريح أو الضمني بين المخاطبين بأحكامها. فالأساس الذي تبنى عليه أساس واحد هو التراضي. لذلك فإن طبيعتها القانونية واحدة. ويتفرع على ذلك أن تكون لها قوة واحدة، وأن تقوم علاقتها بعضها ببعض على أساس المساواة، لا فرق في ذلك بين القواعد القانونية التي ينشئها العرف الدولي والقواعد القانونية التي تنشئها المعاهدات الجماعية أو غير الجماعية. ويجب أن يتم التنسيق بين القواعد القانونية الدولية وفقا لهذا الأساس.

فمن الأمور المعلومة أن لكل اتفاق دولي أطرافه وموضوعه، وأن قوته الإلزامية مقصورة على عاقديه لا تتعداهم إلى الغير obligatio tertio non contrahitur. ومن المعلوم أيضًا أن الموضـوع الواحـد قد يعني بتنظيمه أكثر من اتفاق دولي واحد، ينعقـد بين الأطراف أنفسهم، أو بين بعضهم وبين دولة أو دول ثالثة. فإن كانت أحكام هذه الاتفاقات المتعددة التي تتناول بالتنظيم موضوعًا واحدًا أحكامًا متوائمة متجانسة خضع الموضوع لمقتضاها، إذ تكون جميعًا صحيحة واجبة التنفيذ. أما إن كانت أحكامها متباينة متعارضة فإن منطق الأشياء يقضي باستحالة تطبيقها جميعها في وقت واحد، ويدعو إلى تحديد العلاقة التي تقوم بين هـذه القواعد القانونية، وتفضيل بعضها على البعض الآخر.

غير أن هذا التفضيل ليس من اليسير القيام به، لأن تحديد العلاقة بين مختلف هذه القواعد القانونية الدولية يتوقف على تحديد الأطراف الذين تراضوا على إنشائها، كما يتوقف على الأوصاف التي تصدق على هذه القواعد. فإن كانت الاتفاقات الدولية التي أنشأت القواعد القانونية – التي تتزاحم فيما بينها على حكم الموضوع الواحد – قد انعقدت بين الأطراف ذاتهم، تم الاختيار والتفضيل بينها على أساس المبدأ الذي يقضي بأن القاعدة القانونية “اللاحقة” تلغي ضمنًا القاعدة القانونية “السابقة” التي تتعارض معها في الحكم Lex posterior derogate priori.

أما إن كان بعض الأطراف في اتفاق من هذه الاتفاقات من “الغير” بالنسبة للاتفاقات الأخرى، بمعنى أنه إذا تعاقدت دولتان أو ثلاث دول معينة على تنظيم موضوع معين وفقًا لأحكام ما بمقتضى معاهدة من المعاهدات ثم تعاقدت دولة أو دولتان من الدول الثلاث مع دولة رابعة لا صلة لها بالاتفاق الأول على تنظيم الموضوع ذاته تنظيمًا مغايرًا، فإن المبدأ الذي يقضي بأن القاعدة القانونية تلغى ضمنًا ما سبقها من قواعد قانونية تتعارض معها في الحكم، لا ينطبق في هذه الحالة. ذلك أن الدولة الرابعة ليست طرفًا في المعاهدة الأولى، كما أن إحدى الدول الثلاث الأطراف في المعاهدة الأولى ليست طرفًا في المعاهدة الثانية، ومن ثم فهما من “الغير” الذي لا تمتد إليـه القوة الإلزاميـة لكلتا المعاهدتين.

فالمعاهدتان في هذه الحالة واجبتا النفاذ، ولكل طرف من أطرافهما أن يطالب بتنفيذ أحكامهما. ولما كان التعارض القائم بين هذه الأحكام يمنع من تطبيق أحكام المعاهدتين معًا في وقت واحد، فلا معدى من تنفيذ إحدى المعاهدتين وإهمال الأخرى، على أن يتحمل المتعاقد الذي لم يقم بتنفيذ التزامه تبعة المسئولية الدولية التي تترتب في ذمته في هذه الحالة.

وقد يتوقف تحديد العلاقة بين القواعد القانونية الدولية التي تنشئها الاتفاقات الدولية على “الوصف” الذي يصدق على هذه الاتفاقات. فقد يكون الاتفاق الدولي اتفاقًا جماعيًا يغلب على أحكامه وصف “العمومية”، وقد يكون اتفاقًا دوليًا ثنائيًا أو ثلاثيًا يغلب على أحكامه وصف “الخصوصية”. فإن حدث التعارض بين قواعد قانونية دولية تنتمي للفرع الأول وأخرى تنتمي للفرع الثاني، فإن أفضلية التطبيق تكون في هذه الحالة للأحكام التي يصدق عليها وصف “الخصوصية”، وذلك وفقًا للمبدأ الذي يقضي بتفضيل تطبيق القاعدة “الخصوصية” على القاعدة “العمومية” عند التعارض in tot iure genus per specimen derogatur. غير أن تطبيق هذا المبدأ ليس على إطلاقه، بل تحده قيود أهمها: أن يسبق الاتفاق الجماعي الاتفاق غير الجماعي من حيث تاريخ الانعقاد، وأن يكون خاليًا من النص على منع عقد اتفاقات تتعارض أحكامها مع أحكامه (7).

وتطبيقًا لذلك كله نصت المادة 20 من عهد عصبة الأمم على أنه” يوافق أعضاء العصبة – كل فيما يخصه – على أن هذا العهد يلغي جميع الاتفاقات الخاصة السابقة عليه والتي تتعارض أحكامها مع أحكامه. كما يتعهدون رسميًا بألا يعقدوا في المستقبل اتفاقات تتعارض مع أحكام العهد”.

“وفي الحالة التي يكون فيها أحد أعضاء العصبة قد التزم قبل دخوله عضوًا في العصبة بالتزامات تتعارض مع أحكام هذا العهد، فإنه يكون من واجب مثل هذا العضو أن يتخـذ على الفور الخطوات التي تحرره من هذه الالتزامات” (8).

وظاهر أن الفقرة الأولى من النص السالف الذكر متعلقة بالاتفاقات الدولية المنعقدة بين أعضاء عصبة الأمم قبل العهد وبعده. ويخلص من حكمها أن أحكام عهد عصبة الأمم تلغي من تلقاء نفسها كل ما يعارضها من أحكام مثبتة في الاتفاقات الدولية التي انعقدت بين أعضاء العصبة قبل إبرام العهد. وهذا الحكم تطبيق سليم للمبدأ الذي يقضي بأن القاعدة القانونية “اللاحقة” تلغي القاعدة القانونية “السابقة” عنـد التعارض في الحكم، في حالة عدم اختلاف المخاطب. أما الاتفاقات الدولية التي يعقدها فيها بينهم أعضاء العصبة بعد إبرام العهد فإنه يجب – وفقًا للفقرة الأولى من المادة 20 – ألا تنطوي أحكامها على ما يتعارض مع أحكام العهد، فإن كان ثمة تعارض كانت الغلبة لأحكام العهد.

أما بالنسبة للاتفاقات الدولية التي تكون الدول الأعضاء في العصبة قد عقدتها قبل إبرام العهد مع دول ليست أعضاء في العصبة، وتكون أحكامها متعارضة مع أحكام العهد، فإن الفقرة الثانية من المادة 20 تلزم أعضاء العصبة بأن يتخذوا على الفور ما يلزم من الإجراءات للتخلص من أمثال هذه المعاهدات. وظاهر أنه لم يكن في قدرة العهد أن يقرر بطلانها لأن بعض أطرافها لم يكن عضوًا في العصـبة فهو من “الغير” بالنسبة لأحـكام العهد (9).

والمبادئ السابقة التي تحـدد العلاقة القانونية التي تنشئها المعاهدة هي المرجع أيضًا في تحديد علاقة القواعد القانونية العرفية بالقواعد القانونية التي تنشئها المعاهدات، وذلك لأن الطبيعة القانونية لكلا النوعين واحدة. فحكم القاعدة القانونية العرفية اللاحقة يلغي ضمنًا حكم القاعدة القانونية التي أنشأتها معاهدة سابقة عند التعارض في الحكم، في الحـدود التي سبق بيانها. كما أن القاعدة القانونية العرفية اللاحقة التي تتصف بوصف الخصوصية تلغي ضمنًا القاعدة القانونية التي أنشأتها معاهدة جماعية عند التعارض، وفي الحدود التي سبق ذكرها. والقاعدة القانونية اللاحقة التي أنشأتها معاهدة ثنائية أو ثلاثية تلغي ضمنًا – إذا ما اتصفت بوصف الخصوصية – القاعدة القانونية العرفية السابقة التي تتصف بوصف العمومية.

والرأي السابق، وهو الرأي الراجح المعمول به الآن، لم يسد إلا حديثًا. فقد كانت الغلبة من قبل لرأي مخالف كان يذهب إلى أن القواعد القانونية الدولية لا تتساوى من حيث “طبيعتها القانونية”، وأن لبعضها قوة إلزامية تفوق ما لغيرها من قوة، وأنه يتعين على ذلك التمييز بينها. واستطرادًا لذلك كان هذا المذهب يرتب القواعد القانونية الدولية على أساس التدرج في القوة القانونية، فيضع أحكام المعاهدات الدولية موضع الصدارة، ثم تأتي بعدها أحكام العرف الدولي، وتأتي في الذيل المبادئ العامة للقانون الدولي.

وكانت الحجة الأساسية التي يستعين بها أنصار هذا المذهب تسويغا لرأيهم أن أحكام المعاهدات مبنية على الرضا الصريح، أما أحكام العرف فقائمة على الرضا الضمني. في حين أن المبادئ العامة للقانون الدولي قائمة على الرضا المفروض، وأنه لا محل للرضا الضمني عند وجود الرضا الصريح، ولا محل للرضا المفروض عند وجود الرضا الضمني. وتطبيقًا لذلك، إن تعارض حكم قانوني مثبت في معاهدة مع حكم قانوني آخر أنشأه العرف، فإن أولوية التطبيق تكون للأول عند التعارض في الحكم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين أحكام العرف الدولي وأحكام المبادئ العامة للقانون الدولي.

وقد وجد هذا المذهب سندًا قويًا له، عندما حاولت الدول المجتمعة في لاهاي إقامة محكمة دولية للغنائم. فقد نصت المادة السابعة من اتفاقية لاهاي الثانية عشرة المنعقدة في 18 من أكتوبر سنة 1907 على أن تكون أولوية التطبيق للمعاهدات الدولية إن وجد فيها النص الذي ينظم المسألة المعروضة على المحكمة، فإن لم يوجد النص فإنه يجب على المحكمة تطبيق أحكام العرف الدولي، فإذا لم توجد هذه تلجأ المحكمة إلى تطبيق أحكام المبادئ العامة للقانون الدول (10).

ثم انه عندما أنشئت عصبة الأمم، وأرادت إقامة المحكمة الدائمة للعدل الدولي عهدت إلى لجنة من المشرعين بوضع نظام لهذه المحكمة، فاتبعت هذه اللجنة فيما وضعته الترتيب التدرجي بين قواعد القانون الدولي. غير أنه لما عرض هذا النظام على عصبة الأمم للنقاش فيه، اعترض عليه البعض (11) بحجة أنه يتجاهل الطبيعة القانونية الواحدة التي تصدق على مختلف قواعد القانون الدولي، ويقيد سلطة المحكمة تقييدًا يقوم على أساس غير سليم. وبعد نقاش طويل انتصرت لهذا الرأي المنطقي الأغلبية العظمى لأعضاء عصبة الأمم. وتحرر نص المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1920 كما يلي:

“1. وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقًا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:

  • الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد تقر بها الدول المتنازعة صراحة.
  • العرف الدولي المقبول بمثابة قانون كما دل عليه التواتر.
  • مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدينة.
  • أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم، ويعتبر هذا أو ذاك مصدرًا احتياطيًا لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.

“2. لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بسلطة المحكمة في أن تفصل في القضية وفقًا لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق الأطراف على ذلك”.

وقد كان لهذا النص الذي وضع الأمور في نصابها تأثير بالغ فيما اتبعته الدول في معاهدات التحكيم التي عقدتها بعد ذلك. فقد ورد نص مماثل لنص المادة 38 في معاهدة التحكيم البولونية – التشيكوسلوفاكية المنعقدة في 33 من أبريل سنة 1925، وفي معاهدة التحكيم المنعقدة بين ألمانيا والدانمرك في 3 من يونيو سنة 1929، وفي المعاهدة التي عقدت بين بولونيا والنرويج في 9 من ديسمبر سنة 1929، وفي المادة 28 من التحكيم العامة التي عقدت في 26 من سبتمبر سنة 1928 (12). وأخيرًا ورد نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الملحق بميثاق الأمم المتحدة المنعقد في 25 من يونيو سنة 1945. وهو يطابق نص المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي. وعلى ذلك يمكن القول بأن الرأي الأول هو الرأي الراجح الذي يسود الفقه.

ثالثًا: تفسير القواعد القانونية الدولية

تقوم القاعدة القانونية الدولية بوظيفة معينة محددة.، هي أن ترتب على حدوث واقعة ما آثارًا قانونية معينة. وتطبيق القاعدة القانونية معناه أن تسند الواقعة أو الرابطة المحددة إلى قاعدة قانونية معينة، لتحديد النتائج القانونية التي تترتب على هذا الإسناد. فتطبيق القاعدة القانونية يقتضي أولا: نشوء واقعة أو رابطة معينة، وثانيًا: وجود قاعدة قانونية تسند إليها الواقعة أو الرابطة، وثالثًا: تحديد معنى هذه القاعدة القانونية ونطاقها تحديدًا دقيقًا، توطئة لتحديد الآثار القانونية التي تترتب على الإسناد إليها.

فأما نشوء الواقعة أو الرابطة المحددة فحدث مادي، يسهل التحقق منه. وأما التحقق من وجود القاعدة القانونية الدولية فلا يثير أي صعوبة جدية، إذ أن مصدرها إما أن يكون الاتفاق الدولي، وإما أن يكون العرف الدولي. فإن كان المصدر هو الاتفاق الدولي تحقق الباحث من وجود القاعدة القانونية الدولية على الأسس عينها التي تحدد وجود الأحكام القانونية في التشريعات الداخلية. وإن كان العرف الدولي هو المصدر، فإن التحقق من وجـود القاعـدة القانونية في هذه الحالة يتطلب من الباحث الاستيثاق من جود العنصرين المادي والمعنوي فيها.

وأما تحديد معنى القاعدة القانونية الدولية ونطاقها تحديدًا دقيقًا – لتعيين ما يترتب على الإسناد إليها من الآثار القانونية – فيتم وفقًا لمبادئ تختلف عن تلك التي يتم على أساسها تفسير القواعد القانونية الداخلية. وسنبين فيما يلي من له حق تفسير القواعد القانونية الدولية والمبادئ التي يتم التفسير وفقًا لها.

1. من له حق تفسير القواعد القانونية الدولية

سبق أن ذكرنا أن القواعد القانونية الدولية قائمة على رضا الدول بأحكامها، سواء أكان الرضا صريحًا أم ضمنيًا، وأنه يترتب على ذلك أن المخاطب بأحكام القانون في الدائرة الدولية يقوم في الوقت عينه بوظيفة المشرع. ويتفرع على ذلك أن ذا الاختصاص الأول في تفسير القاعدة القانونية الدولية، الدول التي تراضت على إنشاء هذه القاعدة، وليس لغيرها أي اختصاص في هذا الشأن، إلا إذا اتفقت الدول التي أنشأت القاعدة القانونية على منحه اختصاص التفسير.

وعلى ذلك إن كانت القاعدة القانونية الدولية تنطوي على غموض في المعنى، أو على تشكك فيه، فإن للدول وحـدها التي أنشأتها الحق في الاتفاق على وضع تفسير لها يحدد معناها تحديدًا لا لبس فيه. فإن استعملت الدول المتعاقدة هذا الحق، وتراضت فيما بينها على وضع تفسير معين للنص الغامض، على أن يسري هذا التفسير بصفة مستمرة، اعتبر اتفاقها تفسيرًا رسميًا (13)، شأنه في ذلك شأن التفسير الذي يضعه المشرع الداخلي لأحكام قانون داخلي سبق له إصداره.

ووسيلة التفسير الرسمي هذه جائزة في كل من القواعد القانونية التي أنشأها العرف الدولي والقواعد القانونية التي أنشأتها المعاهدات. ومثال التفسير الرسمي لقـواعد العرف الدولي تدوين الأحكام القانونية العرفية الخاصة بعلاقات الدول إبان الحرب في اتفاقيات لاهاي المنعقدة في سنة 1899 وسنة 1907. ومثال التفسير الرسمي للقواعد القانونية المثبتة في المعاهدات، الاتفاق الفرنسي – الإيطالي، المنعقد في 16 يوليو سنة 1873، في شأن تفسير الفقرة 23 من المادة الأولى من معاهدة تسليم المجرمين المنعقدة بين الدولتين في 12 مايو سنة 1870.

هذا ولما كان التفسير الرسمي له “أثر رجعي”، فإنه من الأهمية بمكان تحديد ما إذا كان الاتفاق الجديد ينطوي في واقع الأمر على تفسير “رسمي”، أم أنه ينشئ أحكامًا قانونية جـديدة تلغي صراحة أو ضمنًا الأحكام المثبتة في الاتفاق الأول. وأهمية هذا التحديد ظاهرة، لأن الأثر الرجعي يترتب في الحالة الأولى، ولا يترتب في الحالة الثانية. وغني عن الذكر أن المرجع في هذا التحديد هو نوايا أطراف الاتفاق.

ويلاحظ أن الاتفاق التفسيري قد يأتي بمناسبة حالة معينة ويقتصر تطبيقه عليها. والاتفاقات التفسيرية التي من هذا القبيل كثيرة جدًا ، ومتعددة الأشكال، وليس لها الصفة “الرسمية” التي تصدق على النوع الأول من الاتفاقات التفسيرية، إذ هي من التفسيرات الطارئة التي لا تنطبق إلا على الحالة المعروضة، ولا تتعداها إلى الحالات الأخرى المماثلة لها. وهي تسمى في الاصطلاح “التفسيرات العادية” (14)، وحكمها حكم التفسير العادي الذي يحدث كثيرًا في الدائرة الداخلية.

وقد تتفق الدول الأطراف في المعاهدة على إحالة تفسير النص الغامض المثبت فيها على دولة ثالثة أو على هيئة معينة، فتقدم هذه أو تلك التفسير المطلوب على أساس هذا التحكيم. وأساس الاختصاص في التفسير قائم في هذه الحالة على اتفاق الدول التي أنشأت القاعدة القانونية المطلوب تفسيرها. وهذا ظاهر واضح، إذ بغير هذا التراضي لا يجوز لدولة لم تكن طرفًا في الاتفاق الذي أنشأ القاعدة أن تقوم بتفسيرها تفسيرًا يُلزم أطراف الاتفاق. ومثال ذلك المادة 15 من المعاهدة المصرية – الإنجليزية المنعقدة في 26 من أغسطس سنة 1936، التي كانت تنص على ما يلي: “اتفق الطرفان المتعاقدان على أن أي خلاف ينشأ بينهما بصدد تطبيق أحكام المعاهدة الحالية أو تفسيرها، ولا يتسنى لهما تسويته بالمفاوضات بينهما مباشرة، يُعالج بمقتضى أحكام عهد عصبة الأمم”.

وقد تقوم محكمة العدل الدولية – بمناسبة نزاع معروض عليها – بتفسير النص القانوني الغامض. ومن المعلوم أن اختصاص هذه المحكمة قائم على رضا الدول به، وأن الحكم الذي تصدره في هذا الشأن لا يتعدى أثره المتنازعين إلى الغير. ومن ثم فالتفسير الذي تضعه المحكمة لنص قانوني غامض مثبت في معاهدة متعددة الأطراف لا يتعدى أثره الدول المتنازعة إلى بقية أطراف المعاهدة الذين ظلوا خارج الخصومة المعروضة على المحكمة. غير أنه لما كان لأحكام المحكمة قوة أدبية كبيرة فقد سمح النظام الأساسي للمحكمة لأية دولة متعاقدة غير أطراف النزاع بالحق في التدخل فيه. فإذا فعلت كان لحكم المحكمة القوة الإلزامية بالنسبة إليها (15). وقد يوم بهذا التفسير أيضًا محكمة يحتكم إليها الأطـراف. ومرجع الأمر في هذا الشأن إلى اتفاقية التحكيم التي يعقدها الأطراف.

ويلاحظ أخيرًا أن التفسير الذي يقوم به علماء القانون ليس له أية قوة إلزامية، لأنه صادر من غير ذوي الاختصاص، وإن كان لمثل هذا التفسير قوة أدبية، يختلف قدرها باختلاف مركز العالم الذي قام بالتفسير.

2. المبادئ التي يتم وفقًا لها تفسير القواعد القانونية الدولية

تعد مسألة تفسير النص القانوني الغامض مسألة منطقية، تحكمها قواعد المنطق في الحدود التي تعينها طبيعة النظام القانوني الذي ينتمي إليه النص المطلوب تفسيره. ويلاحظ بادئ ذي بدء أنه لا توجد في القانون الدولي مبادئ ملزمة، يجب أن يتم تفسير القواعد القانونية الدولية وفقًا لها، سواء أكانت من قواعد العرف أم المعاهدات. ومن ثم اتجه الفقه القديم بزعامة “جروسيوس” و”فاتيل” إلى القانون الروماني لاستنباط ما فيه من مبادئ يسترشد بها المفسر ويأنس إليها في عمله، وعلى الأخص فيما يتعلق بتفسير القواعد القانونية التي تنشئها المعاهدات. وقد اتبعت هذه المبادئ فيما يقوم بين الدول من معاملات، وطبقتها المحكمة الدائمة للعدل الدولي فيما أصدرته من أحكام، بحيث يمكن القول بأنها تعد من مبادئ التفسير المتفق عليها، على الرغم من فقدانها الوصف الإلزامي.

ولعل من أهم هذه المبادئ ما يلي:

  1. يجب أن تعد الألفاظ المستعملة وسيلة للتعبير عن فكرة معينة، وهذه الفكرة هي التي يجب أن يتجه بحث المفسر إلى تعيينها.
  2. يجب أن يتجه عمل المفسر إلى تحديد موضوع القاعدة القانونية تحديدًا حقيقيًا، وأن يتجنب في هذا الشأن التوسع في المعنى أو التضييق فيه.
  3. ويجب تفسير المعاهدات بما يتفق مع حُسن النية.
  4. يجب أن يُراعي في تفسير النص القانوني العلاقة التي تقوم بينه وبين النصوص الأخرى.
  5. يجب تفضيل التفسير المعقول على غيره، حتى لو بدا أن الألفاظ المستعملة تحابي التفسير غير المعقول.
  6. ويجب أن يتجنب بقدر الإمكان التفسير الذي يخلق التعارض بين مختلف الالتزامات الدولية التي تتحملها الدولة.
  7. في حالة الشك يجب تفسير النص القانوني في صالح الدولة الملتزمة.
  8. في حالة الشك يجب تفسير النص القانوني في غير صالح الدولة التي قامت بتحريره، إذ أنه كان في إمكانها أن تحرره تحريرًا لا لبس فيه (16).

وكثيرًا ما يحدث أن تحرر المعاهدات – وعلى الأخص في الوقت المعاصر – بلغتين أو أكثر مما قد ينشأ عنه اختلاف المعنى في لغة عنه في اللغة الأخرى. فإن كان أطراف المعاهدة قد ذكروا أن النص الرسمي للمعاهدة هو المحرر بهـذه اللغة أو بتلك، وجب أن يكون تفسير أحكام المعاهدة على أساس المعنى الذي ينطوي عليه النص الرسمي. كما هي الحال في شأن المعاهدة الثقافية التي انعقدت بين إيران والأردن في الخامس من نوفمبر 1959، إذ حررت باللغات الإيرانية والعربية والإنجليزية، وذُكر فيها أنه في حالة وجود اختلاف في المعنى بين ما جاء باللغة الإيرانية وما جاء في النسخة العربية فإن الفصل في هذا الخلاف إلى ما جاء بالنسخة الإنجليزية. غير أنه كثيرًا ما يذكر أطراف المعاهدة صراحة أن اللغات التي استعملت في تحرير المعاهدة التي اتفقوا عليها لها قوة رسمية متساوية.

فمعاهدة فرسايل مثلا محررة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وذكر فيها صراحة أن لكل من النصين الإنجليزي والفرنسي قوة رسمية “واحدة” are both authentic. وكذلك الأمر في ميثاق الأمم المتحدة، إذ هو محرر بخمس لغات رسمية هي: الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والإسبانية. وقد ذكرت المادة 111 منه أن هذه اللغات لغات الميثاق الرسمية على وجه السواء. فإذا كان ثمة اختلاف في معنى أحكام مثل هذه المعاهدات نتيجة لاختلاف اللغة، فإن تفسير الحكم أن يتم في هذه الحالة على أساس المعنى الضيق الذي يستجيب للمعنى المثبت في النصوص المحررة باللغات المستعملة جميعها. وبعبارة أخـرى إذا كان النص بإحدى اللغات الرسمية يؤدى الى معنى “واسع”، وكان النص المطابق المحرر بلغة رسمية أخرى يؤدى إلى معنى “أضيق”، فإن تفسير النص يجب أن يتم على أساس المعنى الأخير، إذ هو المعنى الذي ثبت أن النصين متفقان على نطاقه.

وقد اتبعت هذا المبدأ المحكمة الدائمة للعدل الدولي في أحد أحكامها، إذ قررت “أنها إزاء وجود نص قانوني محرر بلغتين لهـا قوة رسمية واحدة، مما جعل معناه في إحدى اللغتين أوسع من معنـاه في اللغة الأخرى، فإنها ترى اعتماد المعنى الضيق، لأنه يستجيب للغتين معًا، ولأنه على هذا الأساس يتفق مع النية المشتركة لأطراف المعاهدة” (17).

ومن الأمور الظاهرة أن ما سبق بيانه من المبادئ لا يكفي للقيام بعملية التفسير في كل الأحوال. ولذلك فإن عملية تفسير القواعد القانونية الدولية لا تزال قائمة على أسس قاصرة. وقد ترتب على هذا القصور أن اختلفت مذاهب التفسير عند الدول وتباينت تباينًا واسعًا. فرجال القانون في بريطانيا وأمريكا مثلا يقومون بتفسير القاعدة القانونية الدولية على أساس المعنى الحقيقي للألفاظ المستعملة فحسب، ولا يسترشدون في هذا الشأن بالأعمال التحضيرية. أما المفسرون في البلاد اللاتينية فيعيرون الأعمال التحضيرية والمراحل التاريخية التي تمر بها القاعدة القانونية أهمية كبرى. ولذلك كله يمكن القول بأنه لا توجد حتى الآن طريقـة موحدة لتفسير قواعد القانون الدولي العام، وإن كان من المأمول أن توجد محكمة العدل الدولية مثل هـذه الطريقة، وعلى الأخص عنـد فراغ لجنة القانون الدولي من تدوين هذا الفرع من القانون.

ويلاحظ أنه لا محل للقياس Analogie فيما يتعلق بتفسير قواعد القانون الدولي، لأن القياس ليس تفسيرًا. ذلك لأن الادعاء بأن تطبيق قاعدة قانونية معينة وضعت لحكم حالات معينة على حالات أخرى لم تواجهها القاعدة القانونية يعد تفسيرًا، هو ادعاء يجانب شـاكلة الصواب (18). ومن ناحية أخرى فإن قواعد القانون الدولي تقوم على رضا الدول كما سبق القول، وهي قواعد تواجه روابط وحالات معينة تراضت الدول على مواجهتها، وترتيب آثار قانونية معينة على نشوئها. وعلى ذلك إن نشأت رابطة أو حالة لم تواجهها الدول المتعاقدة، ولم تضع قاعدة قانونية لحكمها، فإن المفسر لا يستطيع – استنادًا إلى القياس – أن يرتب آثارًا قانونية على نشوئها، وذلك لأنه لا يمكن ترتيب حق أو التزام في الدائرة الدولية إلا بالتراضي.

أما القول بأن هذا الحق أو ذاك الالتزام كان يجب أن يوجد، وأن يترتب على نشوء هذه الرابطة أو الحالة، فقول يخرج عن دائرة القانون الدولي الواقعية. وقد حذر الثقات من علماء القانون الدولي وقضاة محكمة العدل الدولية من إجراء القياس في القانون الدولي. وقد قال في هذا الشأن القاضي “عبد الحميد بدوي”، في الرأي المخالف الذي ألحقه بالحكم الإفتائي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في قضية “تعويض الأضرار” في 11 من أبريل سنة 1949، ما يلي: “إن الرجوع إلى القياس في القانون الدولي يجب أن يلابسه التحفظ والحذر، فخلافًا لما هو متبع في نطاق القانون الداخلي – وبالنظر إلى مبدأ سيادة الدولة – لم يكن “القياس” أبدًا مذهبًا متبعًا في القانون الدولي المتعارف عليه” (19).

أما إذا تراضت الدول – استثناء من هذا المبدأ العام – على إجازة القياس في حالات معينة كحالات التحكيم، فإن القياس يعتمد في هذه الحالة على أساس هذا التراضي.

الهوامش

  • (1) انظر أسباب الرأي المخالف الذي الحقه القضاة “هاكورت” و”عبد الحميد بدوى” – و “کار نبیرو” و”راو” بحكم محكمة العدل الدولية في القضية المتعلقة بحق الالتجاء السياسي. وهو الحكم الصادر في 27 من أغسطس 1952، ومنشور في موسوعة القضاء الدولي، طبعة سنة 1961، صفحة 8 وما بعدها.
  • (2) أن تطبيق هذه المبادئ أمر ظاهر في مسألة الامتيازات الأجنبية، فكثيرًا ما ألغي العرف الدولي أحكامًا وردت في المعاهدات التي أنشأت الامتيازات الأجنبية، كما أن المعاهدات اللاحقة قد ألغت أيضًا أحكامًا كانت مقررة في العرف الدولي. راجع مؤلف الدكتور حامد زكي، القانون الدولي الخاص، طبعة سنة 1940.
  • (3) راجع مؤلف Dionisio Anzilotti وعنوانه Cours de droit international ترجمة Gilbert Gidel. طبعة 1929، ص 96 وما بعدها.
  • (4) نص الفقرة الأولى من هذه المادة على ما يأتي: “اللغات الرسمية للمحكمة هي الفرنسية والإنجليزية، فإذا اتفق الطرفان على أن يسار في القضية بالفرنسية صدر الحكم بها. وإذا اتفقا على أن يسار فيها بالإنجليزية صدر الحكم بها كذلك”.
  • (5) أنظر أيضًا اتفاقية اتحاد البريد المنعقدة في 30 نوفمبر سنة ١٩٢٠، واتفاقية اتحاد البريد المنعقدة في باريس في أول يوليو سنة 1947.
  • (6) راجع في هذا الشأن مقال Ch. Cheney Hyde وعنوانه Concerning the interpretation وهو منشور في المجلة الأمريكية للقانون الدولي، سنة 1909. المجلد الثالث ص 46 وما بعدها. وكذلك مقال Q. Wright وعنوانه Conflicts between international law and treaties وهو منشور في المجلة نفسها سنة 1917 المجلد الحادي عشر ، ص 556 وما بعدها. انظر كذلك مؤلف “أنزيلوتي” السابق الإشارة إليه، ص 102 وما بعدها.
  • (7) وتطبيقا لذلك نصت المادة ٢٢ من مشروع الاتفاقية الخاصة بقانون المعاهدات التي وضعتها جامعة “هارفارد” الأمريكية في أكتوبر سنة 1935 على ما يأتي: “Two or more of the state’s parties to a treaty to which other states are parties may make a later treaty which will supersede the earlier treaty in their relations interiorly if this is not forbidden by the provisions of the earlier treaty and if the later treaty is not so inconsistent with the general purpose of the earlier treaty as to be likely to frustrate that purpose”.
  • (8) The members of the League severally agree that this Covenant is accepted as abrogating all obligations or understandings inter se which are in consistent with the terms thereof, and solemnly undertake that they will not hereafter enter into any engagements inconsistent with the terms thereof”. “In case any member of the League, before becoming a member of the League, have undertaken any obligations inconsistent with the terms of this Covenant, it shall be the duty of such member to take immediate steps to procure its release from such obligations”.
  • (9) يبدو أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة تجنبوا وضع المبادئ النظرية في هذا الشأن، ونظروا إلى أحوال التزاحم بين مختلف القواعد القانونية الدولية نظرة عملية. فوضعوا لذلك نصًا عمليًا يكفل دائمًا أفضلية التطبيق لأحكام الميثاق، عند التعارض بين ما يتضمنه من التزامات وما تتضمنه الاتفاقات الدولية الأخرى السابقة عليه أو اللاحقة له من واجبات. فقد قرر الميثاق في المادة 103 ما يلي: “إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقًا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق”.
  • (10) انظر مؤلف “شارل روسو” السابق الإشارة إليه، ص 119 وما بعدها. أنظر كذلك مؤلف “انزیلوتي” السابق الإشارة إليه، ص 103و104.
  • (11) راجع محاضر لجنة المشرعين من 377، وكذلك مؤلف “روسو” ص 120وما بعدها.
  • (12) ومع ذلك فإن الدول الأمريكية التزمت الترتيب التصاعدي الذي ورد في اتفاقية لاهاي. وقد تأيد موقفها في المؤتمر الذي عقده المشرعون الأمريكيون في مدينه ريو دي جانيرو في أبريل – مايو سنة 1927، غير أنه يمكن القول بأن موافقة هذه الدول على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية سنة 1945 تعد تعديلا في موقفها، ورجوعًا إلى المذهب السليم الذي يدعو إليه الرأي الأول.
  • (13) Interprétation authentique.
  • (14) Interprétation usuelle ou usus curiae.
  • (15) تنص المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على ما يلي: “1. إذا كانت المسألة المعروضة تتعلق بتأويل اتفاقية لها أطراف غير أطراف القضية فعلى المسجل أن يخطر تلك الدول دون تأخير. 2. يحق لكل دولة تخطر على الوجه المتقدم أن تدخل في الدعوى، فإذا استعملت هذا الحق كان التأويل الذي تقضي به في الحكم مُلزما لها أيضا”.
  • (16) طبقت المحكمة الدائمة للعدل الدولي ومحكمة العدل الدولية هذه المبادئ فيما قدمته من آراء استشارية، وفيما أصدرته من أحكام في بعض الخصومات التي عرضت عليها للفصل فيها. ومن الآراء الاستشارية والأحكام التي تضمنت بعض هذه المبادئ ما يلي: الرأي الاستشاري رقم 11 الصادر في 16 مايو سنة 1925، والرأي رقم 12 الصادر في 21 نوفمبر سنة 1935، والحكم رقم ١٢ الصادر في 30 أغسطس سنة 1924، والحكم رقم 16 الصادر في 10 سبتمبر سنة 1929، وفي الرأي الإفتائي الصادر في شأن قبول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو صادر في 28 مايو 1948 وفى 3 مارس 1950، وتفسير اتفاقيات السلم مع دول أوربا الشرقية، وهو رأى إفتائي أصدرته المحكمة في 18 يوليو سنة 1950، وفي الحكم الذي أصدرته في قضية “امباتيلوس” في أول يوليو ١٩٥٢، وحكمها في قضية رعايا الولايات المتحدة في مراكش في 28 فبراير 1952، وفي 19 مايو 1953، ورأيها الإفتائي في المركز القانوني لإقليم جنوب غربي أفريقيا في 1 يونيو، وفي حكمها الخاص بحق الالتجاء السياسي في 20 نوفمبر 1950، وحكمها الصادر في 18 نوفمبر 1958. راجع أيضًا مؤلف “جروسيوس”، الجزء الثاني، الفصل السادس عشر، ومؤلف “فاتيل” الجزء الثاني، الفصل السابع عشر، ومؤلف “انزیلوتی” ص 112 وما بعـدها، ومؤلف “روسبیري فیدوزي” ص 86 وما بعدها.
  • (17) راجع الحكم رقم 2 الصادر في 30 أغسطس 1924 في شأن تفسير المادة 11 من نظام الانتداب لفلسطين.
  • (18) راجع مؤلف “فیدوزی”، ص 54 وما بعدها. انظر الرأي المعارض في مؤلف “انزیلوتی” السابق الإشارة إليه، ص 114 وما بعدها.
  • (19)En droit international on ne devrait avoir recours à l’analogie qu’avec beaucoup de réserve et de circonspection. A la différence des droits internes et précisément par suite du principe de la souveraineté des Etats, l’analogie n’a pu être une technique usuelle en droit international.

المراجع

  • كتاب القانون الدولي العام، تأليف الدكتور حامد سلطان، أستاذ ورئيبس قسم القانون الدولي العام، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، يناير 1965.
طبيعة القواعد القانونية الدولية، تحديدها وتنسيقها وتفسيرها
طبيعة القواعد القانونية الدولية، تحديدها وتنسيقها وتفسيرها
error:
Scroll to Top