الجمعية العامة للأمم المتحدة

الجمعية العامة للأمم المتحدة

طبيعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشكيلها ووظائفها الأساسية ووظيفتها الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي. تعزيز سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إجراءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

طبيعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشكيلها ووظائفها

طبيعتها

الجمعية العامة للأمم المتحدة هي أحد الفروع الرئيسية للأمم المتحدة، وهي – كغيرها من الفروع الرئيسية لهـذه الهيئة – فرع جماعي أو هيئة تمثيل جماعي (Organe Collectif). والفرع الجماعي هو شخص أو هيئة تتفق دول متعددة على تعيينه أو تعيينها ليقوم، أو لتقوم، بتمثيلها جميعها في نوع معين من العلاقات الدولية، وبذلك تنسب إرادته أو إرادتها إلى أكثر من شخص قانوني دولي واحد، وتحدث آثارها في مجموعة الحقوق والواجبات التي يتحملونها أو يتمتعون بها، وذلك كما سبق أن بينـا في موضوع العضوية الجماعية لأشخاص القانون الدولي في هذا المؤلف.

وتفريعًا على ما سبق عرضه يمكن التقرير بأن الطبيعة القانونية للجمعية العامة للأمم المتحدة ولسائر الفروع الرئيسية لهذه الهيئة هي أنها من الفروع الجماعية أو من هيئات التمثيل الجماعي التي اتفقت الدول المجتمعة في مؤتمر سان فرانسيسكو على إقامتها لتمثيلها جميعًا في نوع معين من النشاط القانوني الدولي على أن تنسب قراراتها في الحدود التي نصت عليها أحكام الميثاق إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

تشكيلها

والجمعية العامة هي أوسع فروع هيئة الأمم المتحدة من حيث عدد أعضائها. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة التاسعة من الميثاق على أن “تتألف الجمعية العامة من جميع أعضاء الأمم المتحدة”. وعدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الآن 115 دولة (1965).

والعضوية في هذه الهيئة تنقسم قسمين: الأعضاء الأصليين وهم الدول التي اشتركت في مؤتمر الأمم المتحدة للتنظيم الدولي المنعقد في سان فرانسيسكو والتي وقعت على الميثاق وصدقت عليه طبقا للمادة (110) منه، والدول التي وقعت من قبل تصريح الأمم المتحدة الصادر في أول يناير سنة 1943 والتي وقعت على الميثاق وصدقت عليه (1)، ثم الأعضاء غير الأصليين، وهم الذين يقبل طلب انضمامهم إلى الهيئة.

ولا يوجد ثمة فارق جوهري بين الأعضـاء الأصليين وغيرهم. إلا أن الأعضاء الأصليين هم وحدهم أصحاب الحق في تسلم الصور الخمس الرسمية للميثاق وذلك طبقًا للفقرة الأولى من المادة (111)، والحق في أن يخطروا بإيداع مختلف التصديقات التي تودع لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا للفقرة الثانية من المادة (110)، والحق في أن يبلغ لهم البروتوكول الخاص بإيداع تصديقات الدول لدى الولايات المتحدة الأمريكية وذلك وفقًا للفقرة الثالثة من المادة (110)، وكذلك الحق في العضوية باللجنة التحضيرية التي بدأت عملها مباشرة بعـد التوقيع على الميثاق وذلك طبقًا للمادة الثانية من الأحكام الوقتية.

ولقد انتهى تطبيق هذه الحقوق بدخول الميثاق في دور التنفيذ الفعلي.

وقد ورد في ميثاق الأمم المتحدة في شأن العضوية في هيئة الأمم المتحدة حكم المادة الرابعة ونصه كما يلي: “العضوية في الأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام والتي تتحمل الالتزامات التي يتضمنها هـذا الميثاق والتي ترى الهيئة أنها قادرة على الالتزامات راغبة فيه”.

“قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن”.

وظاهر أن حكم الفقرة الأولى من النص خاص بالشروط التي يجب توافرها في طالب الانضمام. أما حكم الفقرة الثانية فمتعلق بقبول الطلب.

فأما الشروط التي يجب توافرها في طالب الانضمام فهي الشروط الخمسة التالية:

  1. يجب أن يكون طالب الانضمام دولة.
  2. يجب أن تكون الدولة طالبة الانضمام من الدول المحبة للسلام.
  3. ويجب أن تتحمل هذه الدولة الالتزامات التي يتضمنها الميثاق.
  4. وأن تكون قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات.
  5. يجب أن تكون راغبة في هذا التنفيذ.

وقد سبق أن بينا في موضوع أحكام ميثاق الأمم المتحدة “الانضمام للميثاق” في هذا المؤلف الأحكام الخاصة بطبيعة هذه الشروط وما جرى في شأن توافرها من مناقشات.

وظائفها

ووظيفة الجمعية العامة هي العرض والنقاش والتداول والتوصية، فلها أن تنظر في المبادئ العامة في حفظ السلم والأمن الدولي. ولها أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق الميثاق أو يتصل بسلطات فرع من فروع الأمم المتحدة أو وظائفه، ولها أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرض السلم والأمن الدولي للخطر. ولها أن تنشئ دراسات وتشير بتوصيات بقصـد إنهاء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه، ولها أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف أيًا كان منشؤه تسوية سلمية متى رأت أن هذا الموقف قد يضر بالرفاهية العامة أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم.

هذا ويمكن إجمـال وظائف الجمعية العامة من حيث طبيعتها فيما يلي:

وظيفة الجمعية في المداولات

تملك الجمعية العامة – بوصفها هيئة مداولات – حق النظر في أية مسألة والمناقشة فيها ما دامت تدخل في نطاق الميثاق أو تتصل بسلطة أي فرع من فروع الهيئـة أو وظائفها. ولها كذلك أن تشير بتوصيات لأعضاء الهيئة أو لمجلس الأمن في شأن أية مسألة من هذه المسائل، وذلك وفقًا للمادة العاشرة من الميثاق. ولا يقيد اختصاصها في هذا الشأن إلا القيد الوارد في المادة الثانية عشرة من الميثاق ونصه: “عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في هذا الميثاق فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن”. ويلاحظ أن مؤدى وظيفة الجمعية العامة في المناقشـات أن تنتهي المداولات غالبا إلى إصـدار توصيات في المسائل التي تناولتها، ويقع عادة على الدول الأعضـاء في الجمعية وعلى المجالس المختلفة وعلى الأمانة العامة تبعة العمل على تنفيذ هذه التوصيات.

الوظيفة الإدارية للجمعية

ومؤدى هذه الوظيفة الإشارة بتوصيات لتنسيق سياسة التوكيلات الدولية المختلفة الاقتصادية منها والاجتماعية التي تباشر أعمالها تحت سلطان الجمعية أو التي يكون لها علاقة وثيقة بالهيئة وذلك وفقا لأحكام المواد 57 و58 و60 من الميثـاق، وإصدار اللوائح اللازمة لسير الأمانة العامة وذلك تطبيقًا للمادة العاشرة من الميثاق، والإشراف على المناطق المشمولة بالوصاية وفقًا للمادتين 87 و88 من الميثاق، والعمل على حسن سير النظام في الهيئة عمومًا وإنشاء الهيئات التبعية التي يقتضيها ذلك تطبيقًا لحكم المادة 22 من الميثاق.

الوظيفة الانتخابية

للجمعية العامة وظيفة انتخابية تجعل منها مركزًا لهيئة الأمم كلها، إذ أن معظم فروع هذه الهيئة تنتخب الجمعية أعضاءها كلهم أو بعضهم، فهي تنتخب ستة من أعضاء مجلس الأمن أي كل الأعضـاء المؤقتين (المادة 33 من الميثاق). كما تنتخب الثمانية عشر عضوًا الذين يتألف منهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي (المادة 16 من الميثاق). وهي كذلك تنتخب أعضاء مجلس الوصاية من غير الدول العظمى ذات المراكز الدائمة (المادة 86 من الميثاق). وتنتخب بالاشتراك مع مجلس الأمن قضاة محكمة العدل الدولية (المادة 4 من النظام الأساسي لمحكمة العدل). وهي تعين الأمين العام للأمم المتحدة بناء على توصية مجلس الأمن (المادة 97 من الميثاق). وهي أخيرًا تقبل، بناءً على توصية مجلس الأمن، الأعضاء الجدد في الهيئة (المادة 4 من الميثاق).

وظيفتها المالية

تنظر الجمعية العامة في ميزانية الهيئة وتصـدق عليها. ويتحمل أعضاء الهيئة النفقات حسب الأنصبة التي تقررها الجمعية العامة، كما تنظر الجمعية في أية ترتيبات مالية أو متعلقة بالميزانية مع التوكيلات الأخصائية، وتدرس الميزانيات الإدارية لتلك التوكيلات لكي تقدم لها توصياتها، وذلك كله وفقًا لحكم المادة 17 من الميثاق.

وظيفتها التأديبية

الجمعية العامة – بناء على توصية مجلس الأمن – أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملا من أعمال المنع أو القسر عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، كما لها أن تفصل هذا العضو من الهيئة إذا أمعن في انتهاك مبادئ الميثاق، وذلك بناء على توصية مجلس الأمن ووفقًا للمادتين 5 و6 من الميثاق.

وظيفتها الدستورية

للجمعية العامة، باقتراح ثلثي أعضـائها وبموافقة سبعة من أعضاء مجلس الأمن، أن توصي بتعديل أحكام الميثاق بذاتها أو أن تجمع مؤتمرًا لإجراء هذا التعديل، على أن التعديلات لا تصبح نافذة إلا بعد تصـديق ثلثي أعضاء الهيئة على أن يكون من بينهم جميـع الأعضـاء ذوي المراكز الدائمة في مجلس الأمن وذلك وفقًا لحكم المادة التاسعة بعد المائة من الميثاق.

وظيفتها البحثية

للجمعية العامة وظيفة أخرى هي إنشاء دراسات وإصدار توصيات بقصد إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوين أحكامه، وإنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء. وظاهر أنه من شأن أعمال هذه الوظيفة التي نصت عليها المادة 13 من الميثاق تأييد أحكام القانون بين الأمم، وضبط استعمال السلطات التي ينفرد بها مجلس الأمن.

وظيفتها الخاصة في حفظ السلم والأمن الدولي

وأخيرًا فان للجمعية العامة وظيفة خاصة هي حفظ السلم والأمن الدولي.

واختصاص الجمعية في هذا الشأن اختصاص شامل. وقد نص الميثاق عليه في مواد متعددة، فللجمعية العامة:

  1. أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق الميثاق وفقًا للمادة العاشرة. ويندرج في هذا العموم دون شك كل المسائل المتصلة بالسلم والأمن الدولي.
  2. ولها أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف أيًا كان منشؤه تسوية سلمية متى رأت أن هذا الموقف يضر بالرفاهية العامة أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم. ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام الميثاق الخاصة بمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها وذلك وفقا للمادة 14 من الميثاق. وهذه المسائل أخص مما قبلها، إذ يشترط فيها أن تكون ضارة بالرفاهية العامة أو معكرة لصفو العلاقات الودية بين الأمم. ولا شك في أن هذا يتضمن المسائل المتصلة بحفظ السلم الدولي ولا سيما إذا لوحظت الإشارة إلى المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام الميثاق الخاصة بمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. وأول مقصد للأمم المتحدة – كما بينت المادة الأولى من الميثاق – هو حفظ السلم والأمن الدولي.
  3. للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة في شـأن حفظ السلم والأمن الدولي، ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، وذلك وفقًا للفقرة الأولى من المادة 11 من الميثاق.
  4. ولها أن تناقش، بناء على طلب أي عضو أو دولة طرف في النزاع أو بناء على طلب مجلس الأمن، أية مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي. ويلاحظ في هذا الشأن أن كل مسألة من المسائل المتقدم ذكرها يكون من الضروري فيها القيام بعمل ما، ينبغي أن تحيلها الجمعية العامة على مجلس الأمن قبل بحثها أو بعده وفقا للفقرة الثانية من المادة 11 من الميثاق.
  5. ولها أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرض السلم والأمن الدولي للخطر وفقا للفقرة الثالثة من المادة 11 من الميثاق.
  6. وأخيرا لها – إذا نبهها إلى ذلك أي عضو أو دولة طرف في نزاع – أن تنظر في أي نزاع أو موقف يكون من شأنه إذا استمر أن يعرض للخطر حفظ السلم أو الأمن الدولي وذلك وفقًا للمادة 35 من الميثاق.

هذا ويلاحظ أن الحد الذي يفصل بين اختصاصات الجمعية العامة واختصاصات مجلس الأمن هو: (أولاً) أن المسائل التي تتطلب من هيئة الأمم المتحدة القيام بعمل ما تخرج من اختصاص الجمعية العامة لينفرد مجلس الأمن بالنظر والفصل فيها. (ثانيًا) أنه ليس للجمعية العامة أن تصدر أية توصية في خصوص أية مسألة من المسائل المقيدة بجدول أعمال مجلس الأمن إلا إذا طلب ذلك منهـا مجلس الأمن أو إذا حذفت من جدول أعمال مجلس الأمن.

ملاحظات على وظائف الجمعية العامة للأمم المتحدة

هذه هي وظائف الجمعية العامة للأمم المتحـدة ذكرناها مجملة. ولنا عليها بعض الملاحظات نذكرها فيما يلي:

الملاحظة الأولى

أن واضعي مقترحات دمبارتون أوكس تغيوا وضع الضوابط الموضوعية في شأن التمييز بين وظائف الجمعية العامة وسلطاتها، وبين وظائف وسلطات مجلس الأمن، وذلك للفصـل بين هذين الفرعين الرئيسيين من حيث الاختصاص، وللتخلص من النتائج الوخيمة العقبي التي تترتب عادة على التنازع على الاختصاص في الحالة التي تتساوى فيها وظائف وسلطات هذين الفرعين. وكانت التجارب التي مرت بها عصبة الأمم ماثلة أمام مندوبي الدول المجتمعة في دمبارتون أوكس. فقد كانت الفقرة الثالثة – وهي الفقرة التي تحدد مدى اختصاص الجمعية العامة للعصبة – مطابقة تمام المطابقة للفقرة الرابعة من المادة الرابعة من العهد، وهي الفقرة التي تحدد مدى اختصاص مجلس العصبة (2). لذلك قام التنافس والتنازع بين الجمعية وبين مجلس العصبة في شأن الاختصاص. وقد دعت نتائج هذا التنازع والتنافس واضعي مقترحات دمبارتون أوكس إلى تجنب التسوية بين الجمعية العامة ومجلس الأمن من حيث الوظائف والسلطات. لذلك أوردوا في الباب الخامس من مقترحاتهم النص التالي في خصوص وظائف الجمعية العامة وسلطاتها:

“يكون للجمعية العامة الحق في بحث المبادئ العامة للتعاون في المحافظة على السلم والأمن الدوليين بما في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، وكذلك في بحث جميع المسائل المرتبطة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين حينما يطرحها عليها عضو أو أكثر من أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن. ولها أن تقدم التوصيات بشأن هذه المبادئ أو المسائل. والمسائل التي يتعين القيام بعمل إزاءها يجب إحالتها إلى مجلس الأمن بمعرفة الجمعية العمومية سواء قبل أو بعد مناقشتها. وليس للجمعية العمومية أن تقدم من تلقاء نفسها توصيات بشأن أية مسألة مرتبطة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين ويكون مجلس الأمن قائمًا يبحثها”.

وهذا النص يحدد تحديدًا ظاهرًا طبيعة وظائف الجمعية العامة، ومدى السلطات المخولة لها. فالجمعية العامة – وفقًا لهذا النص – هيئة نقاش وتداول وتوصية، وليس من سلطانها أن تقوم بعمل ما Action. إذ أن القيام بالعمل من اختصاص مجلس الأمن. وفضلا عن ذلك فإن النص السالف يخول الجمعية العامة سلطات واسعة فيما يتعلق بالنقاش والتداول والتوصية في الشئون الاجتماعية والاقتصادية، في حين أن السلطات المخولة للجمعية في المسائل السياسية قد عمل النص على التضييق فيها، إذ منع الجمعية صراحة من أن تصدر توصيات من تلقاء نفسها بشأن أية مسألة لها علاقة بالمحافظة على السلم والأمن الدولي يكون مجلس الأمن قائمًا ببحثها.

وقد أبدت وفود دول كثيرة في مؤتمر سان فرانسيسكو رغبتها في توسيع اختصاص الجمعية العامة وتعزيز سلطانها من غير أن يكون في ذلك مساس بوظائف مجلس الأمن وسلطاته. ووافقت اللجنة الفرعية الثانية التابعة للجنة الثانية على وجهة النظر هذه، وعدلت نص مقترحات دمبارتون أوكس تعديلا من شأنه أن يتيح للجمعية العامة نقاش أية مسألة تدخل في دائرة العلاقات الدولية، غير أن وفودًا أخرى عارضت قبول هذا النص المعدل بحجة أنه قد يؤدي إلى أن تناقش الجمعية العامة أمورًا تدخل في صميم الاختصاص الداخلي لكل دولة، فضلا عن أنه قد يلقي بعبء ثقيل على كاهل الجمعية العامة نتيجة لتعدد المسائل التي سوف تطرح عليها. وعندئذٍ تألفت لجنة ثلاثية خاصة لوضع نص يوفق بين مختلف النزعات. ونجحت اللجنة في عملها إذ اقترحت نصًا وافق عليه مؤتمر سان فرانسيسكو، وهو نص المادة العاشرة من هذا الميثاق، وهو يقضي بما يلي:

“للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطـاق هذا الميثاق أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه. كما أن لها فيما عدا ما نص عليه في المادة 13 أن توصي أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن أو كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور”.

ولعل هذا النص أهم النصوص الخاصة بتعيين وظائف الجمعية العامة ومدى سلطاتها، ولذلك شغل محل الصدارة في الفصل الرابع من الميثـاق وهو الخاص بالجمعية العامة. والنص – كما هو ظاهر – يخول الجمعية العامة الحق في النقاش. ويقع هذا الحق على كل ما ورد من المسائل في دائرة الميثاق. وهذه المسائل لا يمكن أن تقع تحت حصر. وقد قال الدكتور إيفات رئيس وفد أستراليا عند شرحه لنص المادة العاشرة ما يلي:

This article 10 establishes the clear right of the Assembly to discuss any question or any matter within the sphere of this Charter. That scope will include very aspect of the Charter, everything contained in it, and everything covered by it. It will include the Preamble of the Charter, the great purposes and principles embodied in it, the activities of all its organs, and the right of discussion will be free and untrammeled and will range over that tremendous area.

وليس من شك في أن ما ذهب إليه الدكتور إيفات في تفسيره لنص المادة العاشرة من الميثاق هو الرأي الصواب. فيكفي أن تكون للمسألة المطروحة على الجمعية العامة صلة بديباجة الميثاق وبغاياته أو مقاصده أو مبادئه وبأي حكم من أحكامه أو بوظائف وسلطات أي فرع من فروع الأمم المتحدة لكي يثبت اختصاص الجمعية العامة في النقاش فيها والتداول في شأنها وإصدار التوصيات في أمرها. وعلى ذلك يكفي أن تكون للمسألة المعروضة صلة بالسلم والأمن الدولي ليكون للجمعية العامة الاختصاص في بحثها وإصدار التوصية فيها.

وقد حدث – بعد فشل اللجنة الأمريكية السوفييتية في تسوية مشكلة كوريا في سنة 1947 – أن طلبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة إدراج مسألة كوريا في جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة، ووافقت الجمعية في 23 من سبتمبر سنة 1947 على هذا الطلب وأحالته على اللجنة السياسية الأولى لبحث هذه المشكلة، وفي خلال النقاش الذي دار في اللجنة السياسية في شأن المشكلة الكورية ادعى بعض المندوبين أن مسألة كوريا لا يمكن أن تدخل في اختصاص الجمعية العامة، وذلك لأن استقلال هذه الدولة مرتبط بعقد معاهدات الصلح، وعقد معاهدات الصلح لا يدخل في اختصاص الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك أن حكم المادة 107 من الميثاق لا ينطبق في شأن بحث مسألة كوريا، لأن كوريا لم تكن من الدول الأعداء في الحرب العالمية الثانية.

وخلص أصحاب هذا الرأي إلى أن المسألة المطروحة على الجمعية العامة لا تدخل في نطاق الميثاق، ولا تتصل بوظائف أو سلطات أي فرع من فروع الأمم المتحدة، ومن ثم فهي لا تدخل في اختصاص الجمعية العامة ولا ينطبق عليها حكم المادة العاشرة من الميثاق.

ولقد تصدى لهذا الرأي مندوبا أستراليا والهند. فقرر الأول أن فشل الدول المتحالفة في عقد معاهدات الصلح يدعو الجمعية العامة إلى بحث مسألة كوريا، لأن عدم الوصول إلى عقد معاهدات الصلح يعد أمرًا ذا صلة وثيقة بمسألة استتباب السلم والأمن الدولي والمحافظة عليهما. وكل أمر له صلة بالسلم والأمن الدولي يدخل في اختصاص الجمعية العامة. ومن ثم فإن اختصاص الجمعية ثابت في بحث مسألة كوريا.

وذهب مندوب الهند إلى أنه حتى لو كانت كوريا جزءًا من إقليم دولة من دول الأعداء في الحرب العالمية الثانية فإن هذا الأمر لا يعني عدم اختصاص الجمعية ببحث مسألة استقلالها. وذلك لأن نص المادة 107 من الميثاق ليس نصًا مانعًا، بل يجيز حفظ العمل المتخذ إزاء دولة كانت من دول الأعداء في الحرب العالمية الثانية متى كان هذا العمل قد اتخذ أو رخص به نتيجة لتلك الحرب من قبل الحكومات المسئولة عنه. فلا يحق – والحال هذه – الاستناد على هذا النص للدفع بعدم اختصاص الجمعية ما دامت مسألة كوريا تدخل في نطاق الميثاق.

الملاحظة الثانية

يخلص مما سبق قوله في شأن وظائف الجمعية العامة للأمم المتحـدة وما تستمتع به من سلطات أن لهـذا الفرع الرئيسي اختصاصًا ينفرد به، واختصاصًا مشتركا بينه وبين الفروع الأخرى للهيئة، واختصاصًا شائعًا يثبت له كما يثبت لغيره من الفروع.

وتنفرد الجمعية العامة بالاختصاص كلما كان من سلطاتها وحدها البت في الأمر من غيـر حاجة إلى الالتجاء إلى فرع آخر من فروع الأمم المتحدة، أو إذا لم يكن الاختصاص ثابتًا لأي فرع آخر من فروع هذه الهيئة. ومن الأمثلة على ذلك نص الفقرة الثانية من المادة 96 من الميثاق الذي يقضي بأن يكون للجمعية العامة وحدها أن تأذن لسائر فروع هيئة الأمم المتحدة والتوكيلات المتخصصة المرتبطة بها أن تطلب من محكمة العدل الدولية إفتاءها فيما يعرض لها من المسائل القانونية الداخلة في نطاق أعمالها.

وتشترك الجمعية العامة مع فرع آخر من فروع الهيئة في الاختصاص متى كان البت في أمر ما يتطلب معًا صدور إجراء منها وإجراء من الفرع الآخر أيضًا، بحيث إذا صدر الإجراء عن أحـد الفرعين وامتنع الفرع الآخر عن إصداره فإن الأثر القانوني لا يترتب في هذه الحالة. ومن الأمثلة على ذلك نص المادة الرابعة من الميثاق في فقرتهـا الثانية التي تقضي بأن يكون قبول أية دولة في عضوية الأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن، وأحكام المادتين الخامسة والسادسة من الميثاق التي تقضي بأن يكون للجمعية العامة إصدار القرار بوقف العضو أو بفصله من الأمم المتحدة بناءً على توصية مجلس الأمن.

ويكون الاختصاص شائعًا إذا ثبت للجمعية العامة وثبت في الوقت ذاته لفرع آخر من فروع الأمم المتحدة على حد سواء. ويُعد الاختصاص شائعًا بين الجمعية العامة ومجلس الأمن في شأن تسوية المنازعات والمواقف الدولية تسوية سلمية. فهذه التسوية تدخل في اختصاص الجمعية بمقتضى المادتين 11 و35 من الميثاق. وتدخل في اختصاص مجلس الأمن بمقتضى المواد 34 و35 و36 و37 و38 من الميثاق.

ولما كان من طبيعة الشيوع في الاختصاص أن يقوم التنازع عليه بين الفروع التي تملكه فقـد رأى واضعو الميثاق أن الحكمة تقضي بوضع حل حاسم له يقطع ما يُحتمل أن يترتب عليه من النتائج المتعارضة. لذلك نصت المادة الثانية عشرة من الميثاق على ما يلي:

  1. “عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما الوظائف التي رُسمت في هذا الميثاق فليس للجمعية العامة أن تقدم أي توصية في شأن هذا التنازع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن”.
  2. “يخطر الأمين العام بموافقة مجلس الأمن الجمعية العامة في كل دور من أدوار انعقادها بكل المسائل المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي التي تكون محل نظر مجلس الأمن، كذلك يخطرها أو يخطر أعضاء الأمم المتحدة إذا لم تكن الجمعية في دور انعقادها بفراغ مجلس الأمن من نظر تلك المسائل وذلك بمجرد انتهائه منها”.

ومن الأمور الظاهرة أن النص السالف يحد من حق الجمعية العامة في إصدار التوصيات في شأن المنازعات والمواقف التي يباشر مجلس الأمن بصددها وظائفه، ولكنه لا يحد حق الجمعية العامة في النقاش في هذه المسائل أو التداول فيها. وقد حدث ذلك فعلا في خصوص مسألة فلسطين عندما عرض أمرها على الجمعية العامة وعلى مجلس الأمن في ربيع سنة 1948، والتحديد وارد على حق الجمعية بالنسبة للمسائل والمواقف المعروض أمرها فعلا على مجلس الأمن، ويعتبر الأمر معروضًا على مجلس الأمن متى كان مدرجًا بجدول أعماله.

وعلى ذلك يثبت للجمعية العامة اختصاص إصدار التوصيات في المسائل والمواقف التي لم يعرض بعد أمرها على مجلس الأمن، وفي المسائل والمواقف التي انتهى من بحثها مجلس الأمن والتي حُذفت من جدول أعماله. والتحديد الذي وضعته الفقرة الأولى من المـادة 12 من الميثـاق تحديد موقوت، وقد وضع لصالح مجلس الأمن وللمجلس أن يرفعه إذا رأى ذلك. ووسيلة رفع القيد أن يطلب مجلس الأمن إلى الجمعية إصدار توصيتها في الأمر المعروض عليه.

وجدير بالذكر أن القيـد المذكور في المادة 12 وارد على اختصاص الجمعية العامة ولا مساس له بوظائف مجلس الأمن وسلطاته، فللمجلس في تسوية منازعات أو مواقف معينة، أن يقوم بأداء وظائفه في شأن هذه المنازعات والمواقف بعينها، وعندئذِ يمتنع على الجمعية العامة إصدار توصياتها فيها إلا إذا طلب إليها ذلك مجلس الأمن.

تعزيز سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة

بعد أن دخل ميثاق الأمم المتحدة في دور التنفيذ الدولي واستكملت الهيئة فروعها الرئيسية، وبعد أن بدأت هذه الفروع في مباشرة الوظائف التي رسمت لها بمقتضى أحكام الميثاق وفي مزاولة سلطاتها، ظهر جليًا في خلال السنة الأولى من حياة هيئة الأمم المتحدة أن مجلس الأمن – وهو الفرع الرئيسي للهيئة المنوط به السهر على استتباب السلم والأمن – قد عجز عن القيام بالتبعات التي ألقتها أحكام الميثاق على عاتقه، وذلك بسبب كثرة استعمال أحد أعضائه الدائمين لحق الاعتراض، ولانقسام الدول ذوات المراكز الدائمة فيه قسمين متعارضين سياسة ومصلحة. وقد بدا الانقسام بين الدول العظمى هين الخطر بادئ ذي بدء، ولكن خطره تفاقم يومًا بعد يوم، واتسعت الهوة التي تفصل بين المنقسمين، فعمد فريق الأقلية في مجلس الأمن إلى استعمال حق الاعتراض للقضاء على كل قرارات مجلس الأمن التي لا تتواءم مع سياساته ومصالحه على الرغم من توافر الأغلبية لإصدارها.

ولما كانت النتيجة الحتمية لاستمرار قيام هذه الحالة هي استمرار عجز مجلس الأمن عن أداء وظائفه على النحو الذي يتفق وروح الميثاق مما يؤدى إلى تعطيل أحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق، ولما كان عجز مجلس الأمن عن القيام بتبعاته يترتب عليه حتمًا عجز هيئة الأمم صيانة السلم والأمن الدولي، وعن إعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه إذا وقع ما يخل به، فقـد اتجه الرأي إلى ضرورة إيجاد حل يكفل أعمال نصوص الميثاق وأداء جميع الوظائف الملقاة على عاتق الهيئة على أية صورة كانت. ولما كان الفرع الرئيسي الوحيد الذي يستطيع أن يسد الفراغ الذي يحدثه عجز مجلس الأمن هو الجمعية العامة، فقد لجأ بعض أعضاء الأمم المتحدة إلى أحكام الميثاق المتعلقة بوظائف وسلطات هذا الفرع الرئيسي يستوحونها، ويسترشدون بها، ويأنسون إليها، ويتوسعون في تفسيرها، ويستندون إلى عموم عباراتها وألفاظها ليعززوا سلطات الجمعية العامة وليدعموا وظائفها.

ولقد صادف هذا الاتجاه ميل غالبية أعضاء الأمم المتحدة الذين انعقد رأيهم على إنقاذ الهيئة من الفشـل، وعلى الأخص لأن تعزيز سلطات الجمعية العامة معنـاه في الواقع تعزيز سلطان كل عضو من الهيئة والقضاء على بعض التمييز الذي أوجدته أحكام الميثاق بين الدول العظمي ذوات المراكز الدائمة في مجلس الأمن من جهة، والدول الوسطى والصغرى التي لم تكن في يوم ما من أنصار تخـويل الدول العظمى حق الاعتراض الذي ينطوي عليه حكم الفقرة الثالثة من المادة السابعة والعشرين من الميثاق.

ولقـد تزعمت الولايات المتحدة الأمريكية حركة تعزيز سلطات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ الدورة الثانية التي عقدتها الجمعية العامة في خريف سنة 1947. ولعل أبرز النتائج التي توصلت إليها هذه الحركة هي إنشاء الجمعية الصغرى، وإقرار مشروع الأمم المتحدة لصيانة السلم، ومد مدة الأمين العام للأمم المتحدة.

وسنجمل الكلام عن كل أمر من هذه الأمور فيما يلي:

أولاً: إنشاء الجمعية الصغرى

تقضى المادة 22 من الميثاق بأن “للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريًا للقيام بوظائفها”. وقد استندت الولايات المتحدة إلى هذا النص ذي المدلول العـام فاقترحت على الجمعية العامة في دورة انعقادها الثانية إقامة فرع ثانوي للجمعية اصطلح على تسميته بالجمعية الصغرى لمعاونة الجمعية العامة على أداء وظائفها، على أن يقوم هذا الفرع الثانوي بالعمل في الفترة التي تفصل ما بين دورات انعقاد الجمعية العامة.

وأبانت الولايات المتحدة الأمريكية أن القصد من تقديم اقتراحها هو تمهيد الطريق أمام الجمعية العامة كي تتمكن من أداء وظائفها في مقبل الأيام على خير وجه. ذلك أن دورة انعقاد الجمعية قصيرة نسبيًا، ولا تتناسب مع ما يستدعيه حسن بحث المدرج من المسائل في جدول أعمالها، مما يتطلب إنشاء فرع ثانوي يجلس على سبيل الاستمرار ما بين دورات انعقاد الجمعية لبحث المسائل التي تحيلها عليه الجمعية العامة، ولرفع تقارير عنها إليها بنتائج البحث، ليتسنى للجمعية الإفادة من هذه الدراسة التفصيلية الدقيقة عندما تعاود الانعقاد (3).

وقد اقترح الوفد الأمريكي أن تكون اختصاصات الفرع الثانوي المقترح إنشاؤه على الوجه التالي:

  1. تولي الأعمال التمهيدية للدورة، من بحث وتحقيق، وتقديم تقارير للجمعية العامة عن حفظ السلم والأمن الدولي، والعلاقات الودية بين الدول في المسائل التي يُتفق مع الأمين العام على إدراجها بجدول أعمال الدورة التالية للجمعية العامة. ويكون للجمعية الصغرى أن توصي الأمين العام بدعوة الجمعية العامة إلى دورة غير عادية.
  2. السهر على تنفيذ توصيات الجمعية العامة لصـون السلم والأمن الدولي، والمحافظة على العلاقات الودية بين الدول.
  3. تحضير أعمال الجمعية العامة تنفيذًا للمادة 11 فقرة أولى و13 فقرة أولى من الميثاق.
  4. على الجمعية الصغرى أن تحترم اختصاص مجلس الأمن، فلا تنظر أية مسألة مدرجة أو تدرج في جدول أعمال مجلس الأمن، أو أية مسألة معروضة على لجنة خاصة أخرى.

وقد اعترضت على المشروع الأمريكي كتلة دول أوربا الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي بحجة أنه يخالف أحكام الميثاق ويرمي إلى سلب اختصاص مجلس الأمن. فأحيل المشروع على لجنة فرعية بحثته في ست عشرة جلسة، وتقدمت بتقرير ذكرت فيه أن إجماع أعضائها قد انعقد على أن المشروع الأمريكي ليس فيه ما يخالف دستور الأمم المتحدة.

ثانيًا: العمل المشترك لصيانة السلم والأمن الدولي

في 20 من سبتمبر سنة 1950 طلبت الولايات المتحدة إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة إدراج مسألة “العمل المشترك في سبيل السلم والأمن الدولي” بجدول أعمال الدورة الخامسة للجمعية العامة. وقد وافقت الجمعية العامة على طلب الولايات المتحدة في 26 من سبتمبر سنة 1950، وأحالت المسألة على اللجنة السياسية الأولى للبحث والدرس والتقرير. وقد بدأ النقاش في اللجنة على أساس عدة مشروعات قامت بتقديمها عدة دول. ولعل أهم هذه المشروعات ذلك الذي تقدمت به كندا والولايات المتحدة وفرنسا والفليبين والملكة المتحدة وتركيا وأورجواي، والذي اصطلح على تسميته باسم العمل المشترك في سبيل صيانة السلام. وقد وافقت عليه اللجنة السياسية بخمسين صوتًا ضد خمسة أصـوات، وامتنعت ثلاث دول عن التصويت، كما وافقت عليه الجمعية العامة بالأغلبية عينها بجلستها المنعقدة في 4 من نوفمبر سنة 1950.

ولقد سبق تقـديم هـذا المشروع وقوع عدة حوادث كان لها أكبر الشأن في تقديمه وفي قبوله، ولعل أهم هذه الحوادث ما يلي:

  1. امتناع مندوب الاتحاد السوفييتي عن حضور جلسات مجلس الأمن منذ يناير سنة 1950 إلى ما بعد وقوع الاعتداء في كوريا بقليل احتجاجًا على عدم تمثيل حكومة الجمهورية الشعبية الصينية بمجلس الأمن، مما كان له أثره في تعطيل قيام مجلس الأمن بتبعاته.
  2. الاعتداء المسلح الذي وقع من جانب كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية في 24 من يونيو سنة 1950، ذلك الاعتداء الذي أبرز مدى النقص والفراغ المترتبين على عدم إعمال نصوص الميثاق المتعلقة بوضع قوات مسلحة تحت تصرف مجلس الأمن ليستعملها عند الحاجة لإعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه.
  3. التجاء الأمم المتحدة لأول مرة إلى تطبيق التدابير العسكرية لإعادة الأمن إلى نصابه في كوريا. وقد استلزم الأمر أن يصدر مجلس الأمن قراره في شكل توصية في 27 من يونيو سنة 1950 بالنظر إلى نقص الوسائل الموضوعة تحت تصرفه.
  4. تفاقم الموقف الدولي واتساع هوة الخلاف بين الكتلتين الشرقية والغربية، وتوقع تكرار وقوع الاعتداء مما يستوجب الاستعداد للعمل على استتباب السلم والأمن الدولي، ولإعادته إلى نصابه إذا وقع ما يخل به.

وقد قصـد بالمشروع المشترك الذي تقدمت به الدول السبع تدارك النقص الملحوظ في نظام هيئة الأمم المتحدة، وتسكين الجمعية العامة من أداء وظيفة مجلس الأمن في المحافظة على السلم والأمن الدولي في الحالة التي يثبت فيها عجز المجلس المذكور عن أداء وظيفته الرئيسية بسبب تفرق الرأي بين الدول العظمي ذوات المراكز الدائمة فيه، والعمل على إيجاد القوات الحربية اللازمة تحت تصرف هيئة الأمم المتحدة كي تستعملها عند الاقتضاء لدفع الاعتداء أينما وقع، وإقامة اللجان اللازمة لمراقبة الحالة الدولية ولتنسيق جهود الدول الأعضاء في ميدان الاستعداد الحربي للدفاع عن السلم والأمن الدولي.

وقد وضع قرار الجمعية العامة في صيغة تحافظ على الأوضاع القائمة بين مجلس الأمن والجمعية العامة. فالقرار لا يسلب مجلس الأمن وظائفه ولا يفتات على سلطاته، وإنما يدعم وظائف الجمعية العامة ويعزز سلطاتها في الحالة التي يعجـز فيها مجلس الأمن عن أداء وظيفته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدولي بسبب تفـرق الرأي بين الدول العظمى. فديباجة القرار تؤكد من جديد مقاصد هيئة الأمم المتحدة التي ورد ذكرها في الفقرتين الأولى والثانية من المادة الأولى من الميثـاق، وتؤكد الالتزام الذي تعهد بتنفيذه أعضاء الأمم المتحـدة من أن يحسموا ما يقوم بينهم من منازعات بالوسائل السلمية، وتلاحظ وجود حالة خطيرة ومزعجة من التوتر الدولي، وتذكر أنه من الضروري أن يقوم مجلس الأمن بأداء وظيفته الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدولي، وأنه من واجب الأعضاء ذوي المراكز الدائمة فيه أن يُجمعوا على ذلك، وأن يقللوا من استعمال حق الاعتراض.

وتستطرد ديباجة القرار فتقرر أنه من واجب مجلس الأمن أن يعمل على إبرام الاتفاقات الخاصة التي ورد ذكرها في المادة 43 من الميثاق في شأن إيجاد القوات العسكرية ووضعها تحت تصرفه للسهر على صيانة السلم أو إعادته إلى نصابه إذا وقع ما يخل به، وأن عجز مجلس الأمن عن أداء هذه الوظائف الرئيسية لا يعفي أعضاء الأمم المتحدة من الالتزامات والمسئوليات التي أخذوها على عاتقهم بمقتضى أحكام الميثاق، ولا يسلب حقوق الجمعية العامة ولا يعفيها من المسئولية التي ألقتها عليها أحكام الميثاق في خصوص استتباب السلم والأمن الدولي، وأنه – لكي تؤدى الجمعية العامة وظائفها في هذا الشأن – ينبغي أن تزود بوسائل المراقبة التي تمكنها من تقدير الوقائع وكشف المعتدين، وأن تزود بالقوات العسكرية المشتركة التي تمكنها من اتخاذ العمل المشترك السريع الفعال.

وقرار الجمعية – بعد الديباجة – يقضي في الجزء الأول منه بأنه في الحالة التي يظهر فيها أن هناك تهديدًا للسلم، أو إخلالا به، أو عملاً من أعمال الاعتداء، وعجز مجلس الأمن عن أداء وظيفته في هذا الشأن بسبب عدم اتفاق الدول ذوات المراكز الدائمة فيه، فإن الجمعية العامة تبحث على الفور مثل هذه الحالة بقصد إبداء توصياتها إلى أعضاء الأمم المتحدة في شأن الوسائل المشتركة التي تتخذ فيها ومن بينها استعمال القوة العسكرية عند الاقتضاء في حالتي الإخلال بالسلم ووقوع العدوان، وذلك للمحافظة على السلم أو إعادته إلى نصابه. فإن كانت الجمعية في غير دورة انعقاد فإنه يجوز دعوتها للانعقاد في خلال أربع وعشرين ساعة بناءً على قرار يصدره مجلس الأمن بأغلبية سبعة ما من أعضائه، أو بناءً على طلب الأغلبية العادية لأعضاء الأمم المتحدة.

ويقضي القرار في الجزء الثاني منه بإقامة لجنة لمراقبة السلم. واختصاص هذه اللجنة التي تتألف من أربعة عشر عضوًا من أعضاء الأمم المتحدة أن تراقب الحالة في أية منطقة يقوم فيها توتر دولي يهدد لو استمر استتباب السلم والأمن الدولي، بقصد رفع تقرير في هذا الشأن. ويجوز أن تنتقل هذه اللجنة إلى إقليم أية دولة بناء على دعوتها أو بموافقة هذه الدولة. وقد أقيمت هذه اللجنة لمدة سنتين.

والجزء الثالث من القرار يدعو كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة إلى أن يفحص موارده توطئة لتحديد نوع المساعدة التي يمكنه أن يبذلها لتنفيذ ما يُحتمل أن يصدره مجلس الأمن أو الجمعية العامة من توصيات في شأن إعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه، ويوصي كل عضو من أعضاء الأمم المتحـدة أن يخصص بعض قواته العسكرية لتعمل تحت لواء الأمم المتحدة . ويجب أن تكون هذه القوات مدربة ومنظمة ومسلحة على نحو يكفل استعمالها – بناء على توصية مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وطبقًا للقواعد الدستورية في كل دولة – في سبيل إعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه، على أن يخطر كل عضـو لجنة الإجراءات المشتركة بما اتخذه من الوسائل في هذا السبيل. وليس ما يمنع استعمال هذه القوات العسكرية للدفاع الشرعي المنفرد أو المشترك.

أما الجزء الرابع من القرار فيقضي بإنشاء لجنة للإجراءات المشتركة مهمتها أن تدرس مع الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة ومع الأعضاء الوسائل التي ترى أنها كفيلة بأعمال ما جاء في الجزء الثالث من القرار، والوسائل التي ترى أنها ضرورية لاستتباب السلم والأمن الدولي، على أن ترفع تقريرها في هذا الخصوص إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة قبل أول سبتمبر سنة 1951.

أما الجزء الأخير من القرار فيؤكد أن قيام السلم الدائم لا يتوقف فقط على اتخاذ الإجراءات المشتركة التي تكفل إعادة السلم إلى نصابه إذا وقع ما يخل به، بل يتطلب إلى جانب ذلك مراعاة مقاصد الأمم المتحدة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وتوصيات الجمعية العامة وسائر فروع الأمم المتحدة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، وخلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية الملائمة في كافة البلاد، ويدعو الأعضاء إلى العمل وفقًا لذلك كله (4).

وقد ظل هذا القرار قرارًا نظريًا خالصًا مدة طويلة، إذ لم يرَ التنفيذ العملي، غير أنه على أثر وقوع العدوان الثلاثي على الجمهورية المصرية في 29 من أكتوبر سنة 1956، عرض أمر هذا العدوان على مجلس الأمن، وقد استعمل مندوبا بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن حق الاعتراض على المشروع الأمريكي وعلى المشروع السـوفييتي، وبذلك استحال على مجلس الأمن إصدار أي قرار في شأن هذا العدوان. وعلى أثر ذلك تقدم مندوب يوغوسلافيا بطلب عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة على الفور استنادًا إلى قرار “العمل المشترك لصيانة السلم والأمن الدولي”. وقد عقدت الجمعية العامة بناءً على هذا الطلب واتخذت عدة قرارات – سبق أن أشرنا إليها – في خصوص هذا العدوان. وبذلك أحيت الجمعية القرار الذي اتخذته في سنة 1950.

هذا ويُلاحظ أيضًا أن الجمعية العامة قد صارت الآن الفرع الرئيسي الذي يبحث ويناقش المسائل المتعلقة بالسلم والأمن الدولي على وجه الاستمرار، وذلك بالنظر إلى الأوضاع التي تلابس مجلس الأمن في الوقت الحاضر، والتي تجعله مجلسًا يكاد يكون مشلول الحركة الفعلية.

إجراءات الجمعية العامة للأمم المتحدة

تعقد الجمعية العامة دورة عادية كل عام في ثالث ثلاثاء من شهر سبتمبر، وذلك وفقًا لحكم المادة الأولى من اللائحة الداخلية. وتعقد دورة استثنائية إذا رأت ذلك أغلبية أعضاء الأمم المتحدة، أو بناء على طلب مجلس الأمن، وذلك وفقًا لأحكام المواد السابعة والثامنة والتاسعة من اللائحة المذكورة. وتنعقد دورات الجمعية في مقر الأمم المتحدة إلا إذا رأت أغلبية الأعضاء انعقادها في مكان آخر، أو وافقت الجمعية في دورة سابقة على انعقادها في غير مقر الهيئة (المادتان الثالثة والرابعة من اللائحة).

ويتكفل الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بإعداد جدول أعمال دورات الجمعية وبإبلاغه إلى أعضاء الجمعية قبل الموعد المحدد لانعقاد الدورة العادية بستين يومًا على الأقل، وقبل الموعد المحدد لانعقاد الجمعية في دورة استثنائية بأربعة عشر يومًا على الأقـل إن كان اجتماعها بناءً على دعوة مجلس الأمن، وعشرة أيام على الأقل إن كان الاجتماع الاستثنائي بناءً على طلب أغلبية أعضاء الأمم المتحدة (المادتان 12 و16 من اللائحة).

ويشمل جدول أعمال الدورات العادية الجمعية المسائل التالية: تقرير الأمين العام للهيئة عن أوجه نشـاط الهيئة، تقرير مجلس الأمن، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تقرير مجلس الوصاية، تقرير محكمة العدل الدولية، تقرير الفروع الثانوية للجمعية العامة، تقرير الوكالات المتخصصة، المسائل التي رأت الجمعية العامة في دورتها السابقة تقييدها بجدول أعمال الدورة اللاحقة، المسائل التي اقترحتها الفروع الرئيسية الأخرى، المسائل التي اقترحها أي عضو من أعضاء الهيئة، المسائل المتعلقة بميزانية الهيئة، المسائل التي يرى الأمين العام عرضها على الجمعية العامة.

ويُلاحظ أن لكل عضو من أعضاء الهيئة أن يقترح إدراج أية مسألة من المسائل في جدول أعمال الهيئة قبل انعقاد الدورة بثلاثين يومًا على الأقل، ويتكفل الأمين العام بإعداد قائمة إضافية بالمسائل التي اقترحها الأعضاء وبإبـلاغ هذه القائمة إلى سائر أعضاء الهيئة قبـل انعقاد الدورة بعشرين يومًا على الأقل، على أنه يجوز إدراج المسائل الخطيرة والعاجلة بعد فوات الميعاد بشرط أن تقرر الجمعية العامة بصفة نهائية إدراج هذه المسائل في جدول أعمال الجمعية أو عدم إدراجها (المادة 15 من اللائحة).

وتقوم الجمعية العامة في بده كل دورة بانتخاب الرئيس، ويكون عادة رئيس وفد إحـدى الدول الوسطى أو الصغرى. وتنتخب الجمعية أيضًا سبعة من رؤساء وفود الأعضاء ليكونوا نوابًا للرئيس، ويجرى التقليد على أن يكون من بينهم رؤساء وفود الدول الخمس العظمى واثنان من رؤساء وفود الدول الوسطى أو الصغرى. وتتكون هيئة المكتب أو الهيئة التنفيذية للجمعية من الرئيس ونواب الرئيس السبعة ومن الرؤساء السنة للجان الرئيسية للجمعية.

ويجرى العمل في الجمعية العامة على إحالة المسائل المدرجة بجدول أعمالها بعد مناقشتها مناقشة عامة على إحدى اللجان الرئيسية للجمعية وهي: اللجنة السياسية، اللجنة الاقتصادية والمالية، لجنة الشئون الاجتماعية والإنسانية والثقافية، لجنة الوصاية، لجنة الإدارة والميزانية، اللجنـة القانونية. ثم تُعاد المسائل بعد فحصها بمعرفة هـذه اللجان للجمعية العامة لتصدر قراراتها فيها.

وتصدر لجان الجمعية قراراتها بالأغلبية المطلقة للأعضـاء الحاضرين المشتركين في التصويت، بمعنى ألا تحتسب أصوات الممتنعين (المادة 134 من اللائحة).

أما التصويت في الجمعية العامة فيكون بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت في المسائل التالية: التوصيات الخاصـة بحفظ السلم والأمن الدولي، انتخاب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين، انتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، انتخاب أعضاء مجلس الوصاية، قبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة، وقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها، فصل الأعضاء، المسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية، المسائل الخاصة بالميزانية (مادة 18 فقرة أولى من الميثاق والمادة 84 من اللائحة).

أما المسائل الأخرى، بما فيها تحديد طوائف المسائل الإضافية التي تتطلب في إقرارها أغلبية الثلثين، فإن القرارات تصدر فيها بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت (المادة 18 فقرة ثانية من الميثاق والمادة 85 من اللائحة).

ويجرى التصويت على مشروع القرار وعلى مشروعات التعديلات المقدمة عليه، في اللجان الرئيسية وفي الجمعية العامة على النحو التالي: يعرض على التصويت أولا مشروع التعديل المقدم على مشروع القرار وذلك قبل التصويت على مشروع القرار نفسه، فإذا كان هناك أكثر من تعديل واحد على مشروع القرار، وجب ترتيب هـذه التعديلات من حيث بعدها من جهة الموضوع من مشروع القرار المعروض ثم يصوت أولا على التعديل الأكثر بعدًا ثم الأدنى منه ثم الأدنى منه وهكذا.. وذلك وفقًا لحكم المادة 90 من اللائحة. ويجب تقسيم مشروع القرار أو مشروع التعديل المقدم عليه للتصويت عليه مجـزأً إذا طلب ذلك أحد الأعضاء (المادة 89 من اللائحة). ويكون التصويت برفع الأيدي، ولكن يجب أن يتم التصويت بالنداء بالاسم إذا طلب ذلك أي عضو من الأعضاء في الجمعية العامة أو في اللجان الرئيسية على حد سواء (المادة 87 من اللائحة).

هذا وقد نصت المادة التاسعة عشرة على أن “لا يكون لعضو الأمم المتحدة الذي يتأخر عن تسديد اشتراكاته المالية في الهيئة حق التصويت في الجمعية العامة إذا كان المتأخَر عليه مساويًا لقيمة الاشتراكات المستحقة عليه في السنتين الكاملتين السابقتين أو زائدًا عن ذلك. وللجمعية العامة مع ذلك أن تسمح لهذا العضو بالتصويت إذا اقتنعت بأن عدم الدفع ناشئ عن أسباب لا قبل للعضو بها”. وقد حدث أن الجمعية العامة أصدرت قرارات خاصة بإنشاء قوات الطوارئ الدولية في مناسبات العدوان الثلاثي على مصر، والحالة الداخلية في الكنغو، وأزمة قبرص.

ولقد أدى إنشاء هذه القوات، والإبقاء عليها ما بقيت المناسبات التي أدت إلى إنشائها، إلى أن تنفق عليها الأمم المتحدة مبالغ مالية طائلة. وقد امتنع الاتحاد السوفييتي، ودول الكتلة الشرقية، وفرنسا عن المساهمة في دفع أنصبتها في هذه النفقات، مما ترتب عليه حـدوث عجز في ميزانية الأمم المتحدة قدره – حتى نوفمبر 1964 – 117 مليون دولار، وتصر حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على أن تعرض وجوب تطبيق نص المادة 19 من الميثاق، وبالتالي حرمان الاتحاد السوفييتي والدول التي تأخرت عن دفع اشتراكاتها المالية في الهيئة من حق التصويت في الجمعية العامة ابتداء من الدورة التي سوف تنعقد في أول ديسمبر 1964.

ولا شك أن تطبيق نص المادة 19 سوف يؤدي إلى أزمة سياسية حادة قد تهدد مستقبل الأمم المتحدة كله، وذلك إذا أصرت الولايات المتحدة على موقفها وأصر الاتحاد السوفييتي على عدم الدفع. لذلك اجتمع مندوبو كل من نيجيريا وأفغانستان والنرويج وفنزويلا في 14 من نوفمبر 1964، واقترحوا إنشاء صندوق “للسلام” تساهم فيه – على أساس التطوع والاختيار – مختلف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمبالغ مالية لتغطية العجز في ميزانية الأمم المتحدة، وحتى كتابة هذه السطور – في آخر نوفمبر 1964 – لا يعلم مصير هذا الاقتراح، كما لا يعلم حل أكيد لهذه الأزمة الخطيرة.

وتنص الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الميثاق على أنه: “لا يجوز أن يكون للعضو الواحد أكثر من خمسة مندوبين في الجمعية العامة”. وتنص المادة 35 من اللائحة على أنه لا يجوز أن يكون للعضو الواحد أكثر من خمسة مندوبين مناوبين. أما عدد المستشارين والمستشارين الفنيين والخبراء والسكرتيرين فليس محددًا. ولعل الفارق العملي بين المندوبين والمندوبين المناوبين من جهة والمستشارين وغيرهم من جهة أخرى هو أن رؤساء اللجان ونواب الرؤساء والمقررين يجب أن يتم انتخابهم من بين طائفة المندوبين والمندوبين المناوبين فقط.

وللجمعية العامة خمس لغات رسمية هي: الصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية. ولغات العمل فيها هي: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. ولمندوب كل عضو من أعضاء الأمم أن يعبر عن رأيه بإحدى اللغات الرسمية. فإن كانت اللغة التي يستعملها من لغات العمـل ترجمت أقواله إلى لغتي العمل الأخريين، وإن كانت اللغة المستعملة من اللغات الرسمية ومن غير لغات العمل، أي اللغة الصينية أو الروسية، ترجمت أقواله إلى لغات العمل جميعها. وتنص المادة 54 من اللائحة على أن لكل مندوب أن يتحدث بأية لغة من غير اللغات الرسمية، ولكن يجب عليه في هذه الحالة أن يقدم ترجمة لأقواله بإحدى لغات العمل، وتتخذ هذه الترجمة أساسًا للترجمة إلى لغات العمل الأخرى.

ويُستعمل الآن في الأمم المتحدة نظام الترجمة الملازمة للكلام بواسطة جهاز خاص يشبه آلة التليفون وتوضع هذه الآلة على الأذن فيستطيع المستمع بإدارة مفتاح خاص أن ينصت إلى أقوال المتكلم مترجمة إلى اللغة الرسمية التي يرغب في الاستماع إليها. وقد اتبع هذا النظام توفيرًا للوقت وإزالة للملل الذي يطرأ على النفوس من جراء الاستماع إلى أقوال واحدة مرات عديدة في لغات مختلفة.

الهوامش

  • (1) انظر المادة الثالثة من الميثاق. والحكم الأخير لا ينطبق إلا على بولندا.
  • (2) تنص الفقرة الثالثة من عهـد العصية على ما يلي: The Assembly may deal at its meetings with any matter within the sphere of action of the League or affecting the peace of the World”.
  • (3) راجع المشروع الأمريكي في وثائق الأمم المتحدة رقم A/P.V. S2 A/C. I/SR 74 صفحة 60. وكذلك تقرير وفد مصر لدى الجمعية العامة في دورة انعقادها الثانية ص 140 وما بعدها.
  • (4) راجع في هذا الخصوص الخطب التي ألقاها الرفيق فيشنسكي معارضًا في هذا القرار في محضر الجمعية العامة المنعقدة في 31 أكتوبر سنة 1950، وخطب مندوب فرنسا في الجلسة عينها وهي التي يسوغ فيها قرار الجمعية العامة وخطبة معالي الدكتور صلاح الدين (بك) في جلسة الجمعية المنعقدة في أول نوفمبر سنة 1950 وهي التي يقرر فيها أن عجز مجلس الأمن عن أداء وظيفته معناه تفويض الجمعية العامة في أداء هذه الوظيفة نيابة عنه.

المراجع

  • كتاب القانون الدولي العام، تأليف الدكتور حامد سلطان، أستاذ ورئيبس قسم القانون الدولي العام، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، يناير 1965.
العلوم القانونية - الجمعية العامة للأمم المتحدة
العلوم القانونية – الجمعية العامة للأمم المتحدة
error:
Scroll to Top