مجلس الوصاية – إنشاؤه وتشكيله وأهدافه ووظائفه

مجلس الوصاية التابع لمنظمة الأمم المتحدة – إنشاؤه وتشكيله، الأقاليم التي ينطبق عليها نظام الوصاية، أهدافه، وظائفه وسلطاته المختلفة.

إنشاء مجلس الوصاية

على أثر انتهاء الحرب العالمية الأولى قررت الدول الخليفة المنتصرة تصفية الإمبراطوريتين العثمانية والألمانية، وعالجت موضوع توزيع ممتلكاتهما ومستعمراتهما الإقليمية عن طريق وضعها في نظام جديد هو نظام الانتداب. وقد وردت الأحكام الرئيسية لهذا النظام في المادة 22 من عهد عصبة الأمم الذي كان قسمًا من معاهدات الصلح مع ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر.

ووفق نظام الانتداب هذا قسمت الممتلكات والمستعمرات الإقليمية ثلاثة أقسام، اصطلح على أن يُرمز إليها بما يلي: الانتداب (أ)، والانتداب (ب)، والانتداب (جـ). وقد شمل القسم الأول العراق وفلسطين اللذين وُضعا تحت الانتداب البريطاني، وسوريا ولبنان اللذين وُضعا تحت الانتداب الفرنسي. أما القسم الثاني فشمل الكاميرون البريطانية التي وضعت تحت الانتداب البريطاني، والكاميرون الفرنسية التي وضعت تحت الانتداب الفرنسي، وتوجو البريطانية التي وضعت تحت الانتداب البريطاني، وتوجو الفرنسية التي وضعت تحت الانتداب الفرنسي، وتنجانيقا التي وضعت تحت الانتداب البريطاني، ورواندا أورندي التي وضعت تحت الانتـداب البلجيكي، أما القسم الثالث فشمل أفريقيا الجنوبية الغربية التي وضعت تحت انتـداب اتحاد جنوب أفريقيا وساموا التي وضعت تحت انتداب نيوزيلندا، و نورو Nauru التي وضعت تحت انتداب بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، وبعض الجزر في المحيط الهـادي جنوبي خط الاستواء وقد وضعت تحت انتداب أستراليا، وبعض الجزر في المحيط الهادي شمالي خط الاستواء وقد وضعت تحت الانتداب الياباني.

وقد روعي في هذا التقسيم الثلاثي، وفي وضع الأقاليم تحت أقسامه المختلفة، درجة التقدم الاجتماعي والسياسي لشعوب هذه الأقاليم.

وكان المقصد الرئيسي من إنشاء نظام الانتداب هو العدول عن النظم القديمة التي كانت تتبعها الدول المنتصرة في الحروب، والتي كانت ترتب ضم إقليم الدولة المنهزمة، أو ضم مستعمراتها أو ممتلكاتها – كلها أو بعضها – إلى الدولة المنتصرة. فبمقتضى نظام الانتداب كانت هذه المستعمرات أو الممتلكات تفصل نهائيًا عن دولة الأصل، وتبقى خارج سيادتها وخارج سيادة الدولة المنتصرة، وتنتدب دولة لإدارتهـا تحت إشراف عصبة الأمم، ووفقًا لأحكام تثبت في صك الانتداب، وذلك بقصد الرقي بشعوب أقاليمها والوصول بها، في النهاية، إلى مرتبة الحكم الذاتي أو الاستقلال.

وعلى أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ التفكير في إحلال نظام آخر محل نظام الانتداب الذي كان مرتبطًا بوجود عصبة الأمم ذاتها، على أن يستجيب النظام الجديد للأفكار والمذاهب الجديدة التي دعت إليها دول الأمم المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وأن يكون هذا النظام الجديد قسمًا متكاملا مع بقية أقسام ميثاق الأمم المتحدة وفرعًا من فروعها الرئيسية. وقد أطلق على هذا النظام الاصطلاح التالي: نظام الوصاية الدولي.

غير أن الدول المؤتمرة في دمبارتون أوكس لم يتسنَ لها درس هذا النظام، ولذلك وردت مقترحاتها خالية من أي حكم في خصوص إيجاده أو في خصوص تنظيمه، على الرغم من أن مقترحات “سمنر ویلز” كانت قد أشارت إليه. وعندما اجتمع في “يالتا” رؤساء حكومات الاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية كان من بين المسائل التي تناولها نقاشهم احتمال إنشاء نظام “للوصاية الإقليمية”، وتضمن الاتفاق الذي تم بينهم البند التالي: “لقد اتفقت الدول الخمس ذوات المراكز الدائمة في مجلس الأمن على أن تتشاور فيما بينها قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة في شأن نظام الوصاية الإقليمية. وان قبول التوصية بإنشاء نظـام الوصاية الإقليمية مرهون بأن هذا النظام سوف ينطبق فقط على ما يلي:

  1. الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب وفق نظام عصبة الأمم.
  2. الأقاليم المنفصلة عن دول الأعداء نتيجة الحرب الراهنة.
  3. أي إقليم آخر يوضع تحت الوصاية بالاختيار.
  4. ألا يقوم نقاش في مؤتمر الأمم المتحدة في شأن الأقاليم الحالية.

ولما اجتمع مؤتمر الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو لم تكن الدول الداعية قد اتفقت فيما بينها على الأحكام الخاصة بهذا النظام الجديد، ولذلك لم يكن أمام الدول المؤتمرة ثمـة اقتراحات تتعلق بنظام الوصاية الدولي، فتقدمت دول كثيرة بمقترحات في شأنه، منها: أستراليا، والصين، وفرنسا، والاتحاد السوفييتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. ثم تجمعت مقترحات هذه الدول جميعًا في المذكرة التي أعدها المستر “ستاسن” مندوب الولايات المتحدة، فصارت هذه المذكرة الأساس الذي دارت حوله المناقشات في مختلف اللجـان في مؤتمر سان فرانسيسكو. وقد تم الاتفاق على وضع هذه الأحكام في ثلاثة فصول من فصول الميثاق، هي: الفصل الحادي عشر الذي تضمن تصريحًا يتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والفصل الثاني عشر الذي تضمن الأحكام الخاصة بنظام الوصاية الدولي، والفصل الثالث عشر الذي اشتمل على الأحكام المتعلقة بمجلس الوصاية Trusteeship Council.

غير أنه كان من الملاحظ أن نظام الوصاية الدولي، ومجلس الوصاية ذاته، كانا يتطلبان من الناحية العملية تحقيق شرط جوهري لكي يريا التنفيذ العملي. وهذا الشرط الجوهري هو: وجود أقاليم توضع تحت الوصاية. ولما كان وضع الأقاليم تحت الوصاية لا يتم إلا بمقتضى الاتفاقات الدولية الخاصة بين الدول التي تدير هذه الأقاليم وبين منظمة الأمم المتحدة، ولما كان التراخي في عقد هذه الاتفاقات الدولية الخاصة سوف يترتب عليه التأخير في دخول نظام الوصاية الدولي في دور التنفيذ، فقد وجه مؤتمر سان فرانسيسكو نداءات إلى الدول التي تدير الأقاليم كي تبادر بعقد هذه الاتفاقات الدولية ووضع الأقاليم التي تديرها تحت نظام الوصاية الدولي. وقد استجابت الحكومات التالية لهذه النداءات: حكومة أستراليا، وبلجيكا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وفي الفترة ما بين القسم الأول من الدورة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة والقسم من هذه الدورة عقدت الدول اتفاقات الوصاية وعرضتها على الجمعية العامة للأمم المتحدة، فوافقت عليها الجمعية بعد إدخال بعض التعديلات على أحكامها. وعلى أثر ذلك انتهت الجمعية العامة من تكوين مجلس الوصاية الدولي في 14 من ديسمبر سنة 1946، وبذلك استكملت تكوين جميع الفروع الرئيسية للأمم المتحدة.

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة – في القسم الثاني من دورتها الأولى – اتفاقيات الوصاية في خصوص الأقاليم التالية: تنجانيقا، وتوجو البريطانية، والكاميرون البريطانية، وقد وضعت جميعًا تحت إدارة المملكة المتحدة، وتوجو الفرنسية، والكاميرون الفرنسية، وقد وضعنا تحت إدارة فرنسا، ورواندا أورندي وقد وضعت تحت إدارة بلجيكا، وساموا الغربية وقد وضعت تحت إدارة نيوزيلندا، وغينيا الجديدة وقد وضعت تحت إدارة أستراليا. وفي الدورة الثانية للجمعية العامة تم وضع إقليم “نارو” تحت الوصاية الدولية على أن تشرف على الإدارة فيها كل من المملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، وأن تباشر أستراليا الإدارة الفعلية. وكذلك وافق مجلس الأمن على وضع المنطقة الاستراتيجية التي تشمل جزر ماريانوس، وكارولينا، ومرشال تحت نظام الوصاية الدولي. وفي سنة 1950 وضعت الصومال تحت نظام الوصاية على أن تشرف إيطاليا على إدارتها. ومن الملاحظ أن إيطاليا كانت من الدول الأعداء، وأنها – وقت ندبها لإدارة الصومال – كانت من غير أعضاء الأمم المتحدة.

تشكيل مجلس الوصاية

وعنيت المادة 86 من الميثاق بمشكلة تأليف مجلس الوصاية، فقضت بما يلي: “يتألف مجلس الوصاية من أعضاء الأمم المتحدة الآتي بيانهم:

  1. الأعضاء الذين يتولون إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية.
  2. الأعضاء المذكورون بالاسم في المادة 33 الذين لا يتولون إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية.
  3. العدد اللازم من الأعضاء الآخرين ليكفل أن يكون جملة أعضاء مجلس الوصاية شطرين متساويين: أحدهما الأعضاء الذين يقومون بإدارة الأقاليم المشمولة بالوصاية والآخر الأعضاء الذين خلوا من تلك الإدارة. وتنتخب الجمعية العامة هؤلاء الأعضاء لمدة ثلاث سنوات”. و”يعين كل عضو من أعضاء مجلس الوصاية من يراه أهلا بوجه خاص لتمثيله في هذا المجلس”.

ويبدو واضحًا من هذا النص أن طريقة تشكيل مجلس الوصاية تختلف عن الطرق التي اتبعت فيما يتعلق بتشكيل سائر الفروع الرئيسية الأخرى المتفرعة على الأمم المتحدة. فمجلس الوصـاية يتألف من ثلاثة أنواع من الأعضاء:

  1. النوع الأول هو الدول التي تتولى إدارة الأقاليم الموضوعة تحت نظام الوصاية. وهـذه الدول هي بحكم وظائفها أعضاء بالمجلس المذكور، بمعنى أنها أعضـاء بالتعيين، وذلك بفض النظر عمـا إذا كانت الدولة التي تتولى الإدارة عضوًا بالأمم المتحدة أم من غير أعضاء هذه المنظمة. وإذا حدث وانتهت مهمة الدولة التي تتولى إدارة الإقليم، سواء بوصول الإقليم الموضوع تحت الوصاية إلى مرتبة الاستقلال أو باستبدال الدولة التي تتولى الإدارة بدولة أخـرى، فإن عضوية الدولة المذكورة بمجلس الوصاية تزول وتنتهي لزوال سببها. والعضوية التي تنتمي إلى هذا النوع مرهونة من حيث مدتها بإدارتهـا للإقليم الموضوع تحت الوصاية. فمتى انتهت الإدارة انتهت العضوية، ومتى كانت الإدارة قائمة فالعضوية قائمة. وإذا كانت الدولة تتولى إدارة عدة أقاليم موضوعة تحت الوصاية فإن عضويتها في مجلس الوصاية تظل قائمة حتى لو استقلت بعض هـذه الأقاليم ما دام أنها لا تزال تدير إقليما من الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية.
  2. أما النوع الثاني من العضـوية خاص بالدول ذوات المراكز الدائمة في مجلس الأمن والتي لا تدير أي إقليم موضوع تحت الوصاية. ومفاد هذه العضوية أن الدول العظمى الخمس – وهي الاتحاد السوفييتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – هي من الأعضاء الدائمين في مجلس الوصاية أيضـًا، سواء أكانت تتولى إدارة أقاليم موضوعة تحت الوصاية، أم لا تتولى أي إقليم من هذه الأقاليم. فإن كان بعضها يتولى إدارة مثل هذه الأقاليم، فإن عضويتها في مجلس الوصاية تكون من النوع الأول. وإن كان بعضها لا يتولى إدارة أي إقليم من الأقاليم الموضوعة تحت نظام الوصاية كالاتحاد السوفييتي والصين فإن عضويتها في مجلس الوصاية تكون من هذا النوع الثاني، والعضوية في هذه الحالة دائمة، وهي مرهونة ببقاء مجلس الوصاية ذاته قائمًا.
  3. أما النوع الثالث من العضوية فهو الذي تقوم الجمعية العامة بانتخاب أعضائه لمدة ثلاث سنوات. وعدد هؤلاء الأعضـاء يتحدد بالطريقة التالية: ينتخب عدد من أعضاء الأمم المتحدة يتساوى مع عدد أعضاء النوع الأول – أي عدد الدول الأعضـاء بحكم توليهم إدارة الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية – على أن يحذف من هذا العدد الأعضاء من الدول العظمى ذوات المراكز الدائمة في مجلس الأمن الذين لا يتولون إدارة الأقاليم الموضوعة تحت نظام الوصاية، أي النوع الثاني من العضوية. وبتعبير آخر يتحدد عدد النوع الثالث من أعضاء مجلس الوصاية بحيث يكون – هو والنوع الثاني من الأعضاء – عددا متساويًا من عدد النوع الأول من الأعضاء. فإذا كان عدد الدول التي تتولى الإدارة سبع دول مثلا، ومن بينها ثلاث من الدول العظمى، فإن عدد الأعضاء الذين تقوم الجمعية العامة بانتخابهم يكون خمس دول يضاف إليها الدولتان العظيمتان اللتان لا تديران أي إقليم موضوع تحت نظام الوصاية، وذلك ليكون عدد الأعضاء الذين لا يتولون الإدارة متساويًا مع عدد الأعضـاء الذين يتولون إدارة الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية.

وينبني على ذلك أمران: (الأول) أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة أرادوا أن يوجـدوا التوازن في مجلس الوصاية عن طريق تقسيم العضوية فيه قسمين متعادلين، يمثل أحدهما الدول التي تتولى الإدارة، ويمثل الثاني الدول التي لا تتولى الإدارة. (الثاني) أن عدد أعضاء مجلس الوصاية عدد غير ثابت، إذ هو يزيد أو ينقص على حسب عدد الأعضاء الذين يتولون إدارة الأقاليم الموضوعة تحت نظام الوصاية، فإن كان عدد هؤلاء الأعضـاء سبع دول كان عدد أعضاء مجلس الوصاية 14 دولة، وإن كان عددهم خمس دول تحدد عدد أعضاء مجلس الوصاية بعشرة أعضاء. ومن المعلوم أن عدد الدول التي تتولى إدارة الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية في نقص مستمر بسبب استقلال كثير من هذه الأقاليم، مما سوف يؤدي في وقت قريب إلى تصفية أعمال مجلس الوصاية.

وقد ذكرت المادة 86 من الميثاق – في فقرتها الأخيرة – أن كل عضو من أعضاء مجلس الوصاية يعين من يراه أهلا بوجه خاص لتمثيله هذا المجلس. ومفاد هذا الحكم أن أعضاء مجلس الوصاية يختارون ممثليهم في المجلس المذكور من الأشخاص ذوي الخبرة والتخصص في هذا النطاق. وقد كان أعضاء لجنة الانتداب في نظام عصبة الأمم من الأشخاص المستقلين الذين تم اختيارهم لما عرف عنهم من خبرة وتخصص، وذلك بعض النظر عن جنسياتهم. ولذلك عنيت الفقرة الأخيرة من المادة 86 بالإشارة إلى هذا المعنى دون أن ترتب على مخالفته أي نوع من الجزاء.

وثمة ملاحظة أخيرة في هذا الشأن، وهي أن نص المادة 86 من الميثاق لم يلزم الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تراعي عند انتخابها لعدد الدول التي تنتمي إلى النوع الثالث من أعضاء مجلس الوصاية التوزيع الجغرافي العادل.

الأقاليم التي ينطبق عليها نظام الوصاية

تقضى المادة 77 من ميثاق الأمم المتحدة بما يلي:

“يطبق نظام الوصاية على الأقاليم الداخلة في الفئات الآتية مما قد وضع تحت حكمها بمقتضى اتفاقات وصاية:

  1. الأقاليم المشمولة الآن بالانتداب.
  2. الأقاليم التي قد تقتطع من دول الأعداء نتيجة للحرب العالمية الثانية.
  3. الأقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دول مسئولة عن إدارتها.

“ومن شأن اتفاقات لاحقة أن تحدد أي الأقاليم من الفئات سالفة الذكر يوضع في نظام الوصاية وطبقا لأي شروط”.

وكذلك نصت المادة 78 من الميثاق على ما يلي: “لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، إذ يجب أن تقوم العلاقات بينها على احترام مبدأ المساواة في السيادة”.

ويبدو واضحًا من أحكام الفقرة الأولى من المادة 77 من الميثاق أن الأقاليم التي يجوز وضعها تحت نظام الوصاية هي الأقاليم التي تنتمي إلى أي من الأنواع الثلاثة التالية:

  1. الأقاليم المشمولة بالانتداب، وذلك مهما يكن نوع هذا الانتداب، أي سواء أكان انتدابًا حرف (أ)، أم انتدابًا حرف (ب)، أم انتدابًا حرف (ج).
  2. الأقاليم التي قد تقتطع من دول الأعـداء نتيجة للحرب العالمية الثانية.
  3. الأقاليم التي تضعها في الوصاية، بمحض اختيارها، دول مسئولة عن إدارتها.

أما غير ذلك من الأقاليم فلا ينطبق نظام الوصاية عليها. وقد عنيت المادة 78 من الميثاق بوضع حكم خاص في شأن الأقاليم التي صارت من الأعضاء في الأمم المتحدة، فقررت أنه لا يجوز بحال ما تطبيق نظام الوصاية عليها، وذلك لأنها صارت مكتسبة للشخصية القانونية الدولية الكاملة، مما يستتبع إطلاق وصف الدولة عليها ووجوب قيام العلاقات بينها وبين غيرها من الدول على أساس مبدأ المساواة في السيادة.

والأقاليم التي يجوز وضعها في الوصاية لا تصير خاضعة لهذا النظام بطريقة آلية، بل أن وضعها في الوصاية لا يكون إلا بمقتضى اتفاق خاص تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على أحكامه. وقد كانت الأقاليم التي تدخل في النـوع الأول، أي الأقاليم الخاضعة لنظام الانتداب، هي الأقاليم التالية: (1) الانتداب حرف (أ) وكان يشمل: لبنان، وسوريا، وفلسطين، وشرقي الأردن، والعراق. أما الانتداب حرف (ب) فكان يشمل توجو البريطانية، والكاميرون البريطانية، وتنجانيقا، وتوجو الفرنسية، والكاميرون الفرنسية، ورواندا أورندي. أما الانتداب حرف (ج) فكان يشمل: أفريقيا الجنوبية الغربية، وجـزر الماريان وكارولينا ومرشال، وغينيا الجديدة (وتشمل إيرلندا الجديدة، وبريطانيا الجديدة، وسالمون) ونارو، وساموا الغربية.

وقد تخلصت العراق من نظام الانتداب، وتم حصولها على الاستقلال في 10 من أكتوبر سنة 1932 بعد أن وافق مجلس عصبة الأمم على المعاهدة التي تمت بين العراق والمملكة المتحدة، وبذلك أصبحت العراق من الدول التي لا يجوز وضعها تحت الوصاية وفقًا لأحكام المادة 78 من الميثاق. وقد شاركت سوريا ولبنان في عقد ميثاق سان فرانسيسكو على الرغم من أن فرنسا كانت غير معترفة بانتهاء انتدابها عليهما. وفي 13 من ديسمبر سنة 1945 عُقد اتفاق بين فرنسا وبريطانيا اعترفت بمقتضاه فرنسا باستقلال سوريا ولبنان استقلالا كاملا. وقد تم هـذا الاتفاق عقب انتهاء مؤتمر سـان فرانسيسكو. غير أنه بمقتضى توقيع سوريا ولبنان على ميثاق الأمم، وبمقتضى عضويتهما في منظمة الأمم المتحدة صارت الدولتان غير قابلتين للخضوع لنظام الوصاية وفقًا لحكم المادة 78 من الميثاق.

وفيما يتعلق بشرقي الأردن أعلن وزير خارجية المملكة المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 17 من يناير سنة 1946 نية حكومته في إنهاء انتدابها على شرقي الأردن. وفي ٢٢ من مارس من السنة عينها عقدت المملكة المتحدة وشرقي الأردن معاهدة تحالف ومساعدة مالية وعسكرية بينهما، واعترفت بمقتضاها المملكة المتحدة باستقلال شرقي الأردن. وقد تقدمت الأردن بطلب انضمام إلى الأمم المتحدة في أثر إعلان استقلالها، إلا أن طلبها لم يُقبل إلا بعد ذلك في سنة 1956.

وفي الثاني من أبريل سنة 1947 طلبت المملكة المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة إدراج مسألة فلسطين في جدول أعمال الجمعية العامة بقصد إصدار توصية في شأن مستقبل فلسطين وفقًا للمادة 10 من ميثاق الأمم المتحدة. وقد أصدرت الجمعية العامة في مايو سنة 1947 توصية بإنشاء لجنة خاصة تكون مهمتها إجراء تحقيق في شأن وضع فلسطين وتقديم تقرير بنتيجة أبحاثها في هذا الخصوص. وقد تضمن تقرير اللجنة المذكورة توصيات قدمتها أغلبية أعضائها وتوصيات قدمتها أقلية الأعضاء. وكانت توصيات أغلبية أعضاء اللجنة تقضي بإنهاء الانتداب على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين مستقلتين إحداهما يهودية والأخرى عربية، ووضع مدينة القدس تحت نظام دولي على أن يديرها مجلس الوصاية. أما توصيات أقلية أعضاء اللجنة فكانت تقضي بإنهاء الانتداب وإنشاء دولة مستقلة في فلسطين يشترك في إقليمها العرب واليهود، على أن يتمتع كلاهما بحكم ذاتي واسع. وقد ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة تقرير اللجنة المذكورة في دورة انعقادها الثانية، ووافقت – في 29 من نوفمبر سنة 1947 – على إصدار توصية بقبول تقرير الأغلبية مع إدخال بعض التعديلات عليه. غير أن هذه التوصية لم ترَ التنفيذ العملي. ولذلك عُرض الأمر على مجلس الأمن، فأصدر قرارًا بالدعوة إلى عقد دورة خاصة للجمعية العامة في 26 من إبريل سنة 1948 لمواصلة البحث في الموضوع. وفي هذه الدورة تقدمت الولايات المتحدة بمشروع لوضع فلسطين مؤقتًا تحت نظام الوصاية، غير أن الجمعية قررت أن تقصر تدخلها على الوساطة. وأنهت بريطانيا انتدابها على فلسطين في 15 من مايو سنة 1948، فأعلن الصهيونيون في الليلة ذاتها إنشاء دولة إسرائيل التي اعترفت بها الولايات المتحدة بعد دقيقتين من إعلان قيامها، واعترف بها الاتحاد السوفييتي اعترافًا قانونيًا بعد يومين من هذا الإعلان. وتدخلت الدول العربية تدخلا عسكريًا لإنقاذ فلسطين العربية، ولكن تدخلها لم يرتب نتيجة إيجابية. وتدخل مجلس الأمن، وانتهى الأمر بعقد معاهدات الهدنة. واستمرت إسرائيل قائمة بعد أن شُرّد السكان العرب الأصليون. وقد قُبلت إسرائيل بعد ذلك عضوًا في الأمم المتحدة، وقد سبق أن عرضنا لمشكلة فلسطين في أكثر من موضع في هذا المؤلف مبينين أن الأمم المتحدة ليس لها ثمة سلطة أو اختصاص في إصدار توصية بتقسيم إقليم فلسطين، وأن السيادة في الأقاليم الموضوعة تحت نظام الانتداب أو نظام الوصاية ثابتة لشعوب هذه الأقاليم، وأن ما حدث في فلسطين يُعد مأساة ليس لها في تاريخ العلاقات الدولية مثيل من حيث مجانبة الدول العظمى في خصوصها لمبادئ القانون الدولي، وللعدالة، وللأخلاق الدولية (1).

ويخلص مما تقدم أن جميع الأقاليم التي كانت موضوعة تحت الانتداب حرف (أ) قد استقلت وصارت – بمقتضى المادة 78 من الميثاق – خارج نطاق نظام الوصاية. ولم يتبقَ سوى الأقاليم التي كانت بمقتضى أحكام المادة 78 موضوعة تحت نظام الانتداب حرفي (ب) و (ج)، وعددها أحد عشر إقليمًا، وُضع منها تحت نظام الوصاية الأقاليم العشرة التالية، وهي:

  1. التوجو الفرنسي. وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على اتفاق الوصاية الخاص به في 13 من ديسمبر سنة 1946، وقد أعلن استقلاله في 17 من أبريل سنة 1960.
  2. التوجو البريطاني. وقد وُضع تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946، وقد اتحد مع ساحل الذهب في دولة غانا في 6 من مارس سنة 1957.
  3. الكاميرون الفرنسي. وقد وُضع تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946. وقد أعلن استقلاله في الأول من يناير سنة 1961.
  4. الكاميرون البريطاني. وقد وُضع تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946. وقد أجرى استفتاء في قسميه الشمالي والجنوبي في 11 من فبراير سنة 1961 على أساس ضم القسم الشمالي إلى نيجيريا، والقسم الجنوبي إلى الكاميرون المستقل. وقد وافقت الجمعية العامة على ذلك بقرارها رقم 1608 في 21 من أبريل سنة 1961.
  5. تنجانيقا. وقد وُضعت تحت الوصاية في 13 من ديسمبر 1946. وأعلن استقلالها في 10 من ديسمبر سنة 1961.
  6. الصومال. وقد وُضع تحت الوصاية في ٢ من ديسمبر سنة 1950. وأعلن استقلاله في الأول من يوليو سنة 1960.
  7. رواندا أورندي. وقد وُضع تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946. وقد أعلن موعد استقلاله في الأسبوع الأول من يونيو سنة 1962. وقد تم إعلان هذا الاستقلال فعلا، وانفصلت رواندا عن أورندي التي صارت الآن معروفة باسم بورندي.
  8. نارو. وقد وُضع تحت الوصاية في الأول من نوفمبر سنة 1947. وما زال تحت الوصاية.
  9. غينيا الجديدة. وقد وُضع تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946. وما يزال كذلك.
  10. ساموا الغربية. وقد وضع هذا الإقليم تحت الوصاية في 13 من ديسمبر سنة 1946. وقد أعلن استقلال ساموا الغربية في الأول من يناير سنة 1962.

أما الإقليم الوحيد الذي كان خاضعًا للانتداب، ورفضت الدولة المنتدبة وضعه تحت نظام الوصاية، فهو إقليم جنوبي غربي أفريقيا الذي يتولى اتحاد جنوب أفريقيا الانتداب عليه. وقد طالب اتحاد جنوب أفريقيا بضم هذا الإقليم إليه بعد استفتاء أفراد شعبه، غير أن الجمعية العامة رفضت هذا الطلب، واستفتت محكمة العدل الدولية في مدى التزام اتحاد جنوب أفريقيا بوضع هذا الإقليم تحت نظام الوصاية. وفي سنة 1950 أصدرت محكمة العدل رأيًا استشاريًا بأغلبية أعضائها مفاده أنه ليس ثمة التزام قانوني على اتحاد جنوب أفريقيا بعقد اتفاق يوضع الإقليم المذكور بمقتضاه في نظام الوصاية، كما تضمن الرأي الإفتائي للمحكمة إجماع قضائها على أن اتحاد جنوب أفريقيا لا يملك منفردًا أن يعدل الوضع القانوني لإقليم جنوب غربي أفريقيا، إذ أن تغيير هذا الوضع لا يمكن أن يتم قانونًا إلا بموافقة الأمم المتحدة. كما قضى رأي المحكمة أيضًا بأن اتحـاد جنوب أفريقيا لما يزل ملتزمًا بالأحكام التي وردت في المادة 22 من عهد عصبة الأمم وهي الخاصة بالانتداب.

أما الإقليم الذي اقتطع من دول الأعـداء نتيجة للحرب العالمية الثانية والذي وُضع تحت نظام الوصاية فهو الإقليم الذي اقتطع من اليابان والذي يشمل جزر المحيط الهادي – وهي جزر ماريانوس وكارولينا، ومرشال – وقد وافـق مجلس الأمن على وضعها تحت الوصاية – بوصفها منطقة استراتيجية – في الثاني من أبريل سنة 1947، ولم يزل هذا الإقليم تحت الوصاية إلى الآن. أما ليبيا فقد تنازلت عنها إيطاليا وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة استقلالها، وتنازلت إيطاليا أيضًا عن الصومال، فوُضع تحت نظام الوصاية إلى أن أعلن استقلاله في يوليو سنة 1960.

وقد أشارت الفقرة (ج) من المادة 77 من الميثاق إلى نوع ثالث من الأقاليم التي يجوز وضعها في نظام الوصاية، وهي الأقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دول مسئولة عن إدارتها ويلاحظ أن هذا النص لم ير التنفيذ العملي حتى الآن.

هذا وقد سبق لنا أن بينا أن الأقاليم الموضـوعة تحت نظام الانتداب أو نظام الوصاية لا تخضع من حيث السيادة للدولة المنتدبة أو للدولة التي تتولى الإدارة في نظام الوصاية. وأن السيادة على هـذه الأقاليم ثابتة لشعوبها وحدها، لا يشـاركها فيها أحـد. وقد عرضنا في هذا الخصوص للرأي الإفتائي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 11 من يوليو سنة 1950، وللآراء المخالفة التي أصدرها بعض قضاة هذه المحكمة ملحقة برأي المحكمة ذاته. ونحن نحيل إلى ما سبق أن ذكرناه في هذا الصدد في موضوع إقليم الدولة من هذا المؤلف.

أهداف نظام الوصاية

ورد ذكر الأهداف الأساسية لنظام الوصاية الدولي في المادة 76 من ميثاق الأمم المتحدة، وأحكام هذه المادة لا يمكن إدراكها على حقيقتها والتعرف على مـداها إلا بمقارنتها بالأهداف التي كان يرمى نظام الانتداب إلى تحقيقها. ومن المعلوم أن نظام الانتداب في عهد عصبة الأمم كان يقسم الأقاليم التي يشملها ثلاثة أقسام من حيث المقاصد التي كان يهدف إليها. فالانتداب حرف (أ) كان يعترف – وفقًا لأحكام المادة 22 من عهد العصبة – باستقلال الإقليم بصفة مؤقتة، ويقرر أن مثل هذا الاستقلال سوف يقرر بصفة دائمة متى صار الإقليم قادرًا بمفرده على ممارسة الحياة الدولية. وقدرته هذه مرهونة – وفق أحكام عهد العصبة – بتزويده مدة من الزمن بالمعرفة الإدارية والمساعدات من قبل الدولة المنتدبة لإدارته (2). ولذلك نصت المادة 22 من عهد العصبة على أن رغبات شعوب هذه الأقاليم يجب أن تكون العامل الرئيسي في اختيار الدولة التي تقوم بمسئولية الانتداب.

أما شعوب الأقاليم التي توضع تحت الانتداب حرف (ب) فقد قررت المادة 22 من عهد العصبة أن وضعها يقتضي أن تقـوم الدولة المنتدبة بإدارة أقاليمها، وأن تتحمل مسئولية هذه الإدارة وفق الشروط التي تكفل لشعوب هذه الأقاليم حرية الضمير وحرية العقيدة الدينية، في حدود النظام العام والأخلاق، وأن تمنع تجارة الرقيق، وتجارة السلاح، وتجارة المسكرات، وأن تحظر إقامة التحصينات العسكرية والبحرية في هذه الأقاليم، وكذلك تمرين الأهالي تمرينات عسكرية إلا في الأغراض الدفاعية والبوليسية (3).

أما الأقاليم التي توضع تحت نظام الانتداب حرف (ج) فقد قررت المادة 22 من عهد العصبة أن وضعها يتطلب أن تديرها الدولة المنتدبة وفقًا لقوانينها الخاصة كما لو كانت قسما من إقليمها، مع مراعاة الضمانات السالفة التي ذكرت في الفقرة الخاصة بنظام الانتداب حرف (ب) (4). ويبدو ظاهرًا أن أهداف نظام الانتداب هذا كانت متواضعة في مداها، وأنها – في حقيقتها – كانت لا تقصد الوصول بشعوب هذه الأقاليم – على اختلاف أنواعها ودرجات رقيها وتقدمها – إلى مرتبة الاستقلال أو مرتبة الحكم الذاتي، بل كانت – على وجه العموم – أهدافًا ترمي إلى السيطرة على شعوب هذه الأقاليم، والاحتفاظ بها في تبعيتها، والتحكم في إدارتها وفي اقتصادياتها بعلة أو بأخرى. كما يبدو ظاهرًا أيضًا أن الدول التي أنشأت نظام الانتداب أرادت به أن يكون ستارًا يخفي حقيقة نواياها الاستعمارية وأغراضها الاستغلالية. ولعل خير دليل على ذلك أن نظام الانتداب قد أنشئ فعلا بعد اتفاق الدول العظمى على توزيع الأقاليم الخاضعة لها على بعضها البعض في معاهدات عقدت قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقبل إنشـاء نظام عصبة الأمم ذاته، وأنه في خلال قيامه مدة عشرين سنة كاملة لم يصل أي إقليم موضوع تحت الانتداب – مهما يكن نوع هذا الانتداب – إلى مرتبة الاستقلال، وذلك باستثناء العراق.

أما نظام الوصاية الدولي فله أهداف أساسية تختلف اختلافًا جوهريًا عن أهداف نظام الانتداب. وقد نصت المادة 76 من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي:

“الأهداف الأساسية لنظام الوصاية – طبقًا لمقاصـد الأمم المتحدة المبينة في المادة الأولى من هذا الميثاق – هي:

  1. توطيد السلم والأمن الدولي.
  2. العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في شئون السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، والمراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقًا لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية.
  3. تشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغـة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء، والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من اشتراك في التقيد بعضهم بالبعض.
  4. كفالة المساواة في المعاملة في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لجميع أعضاء الأمم المتحدة وأهليها، والمساواة بين هؤلاء أيضًا فيما يتعلق بإجراء القضاء، وذلك مع عدم الإخلال بتحقيق الأغراض المتقدمة ومع مراعاة أحكام المادة 80″.

وظاهر أن أحكام هذا النص أحكام تفصيلية ظاهرة المعاني لا يشوبها اللبس أو النقص.

فالهدف الرئيسي لنظام الوصاية الدولي هو العمل على توطيد السلم والأمن الدولي. وتحقيق هذا الطلب يتطلب – بحكم ضرورة منطق الحياة الدولية واطراد تقدمها ونموها – الأخذ بيد الشعوب، والوصول بها إلى الرقي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي، والعمل على اطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال.

ولكي يتحقق هذا الهدف الأسمى يجب أن تلتزم الدولة القائمة بالإدارة بالتزامات محددة، هي: التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحرية الأساسية من غير تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. وبمقتضى هذا الالتزام يجب أن تُحرر الدولة القائمة بالإدارة من الطابع الطائفي الإقليمي الذي كان يلازم إدارة هذه الأقاليم في الماضي. كما تلتزم الدولة القائمة بالإدارة بكفالة المساواة في المعاملة في الشئون الاقتصادية والتجارية والاجتماعية كي تمنع أسباب الخلافات بين الدول وبين الشعوب عملا بالهدف الأساسي في شأن توطيد السلم والأمن الدولي.

وقد مضى على نظام الوصاية – من يوم دخوله في دور التنفيذ العملي إلى الآن (1965) – ما يقرب من خمسة عشر عامًا. وقد أثبت النظام في خلال هذه المدة حيويته، ونهوضه بأهدافه الأساسية في نطاق تحرير الشعوب والرقي بها إلى مرتبة الحكم الذاتي والاستقلال، وخير دليل على ذلك أن الأقاليم التي وُضعت تحت نظام الوصاية الدولي قد وصلت إلى مرتبة الاستقلال، ما عدا إقليم نارو وجزر المحيط الهادي التي تُعد منطقة استراتيجية. ولا ريب أن هذه نتائج بالغة الأهمية، وهي تختلف اختلافًا كليًا عن النتائج التي أسفر عنها نظام الانتداب.

وظائف مجلس الوصاية وسلطاته

عددت المادة 87 من ميثاق الأمم المتحدة وظائف مجلس الوصاية وسلطاته المختلفة، فقضى نصها بما يلي:

“لكل من الجمعية العامة، ولمجلس الوصاية عاملا في ظل سلطاتها، وهما يقومان بأداء وظائفهما:

  1. أن ينظرا في التقارير التي ترفعها السلطة القائمة بالإدارة.
  2. أن يقبلا العرائض ويفحصاها بالتشاور مع السلطة القائمة بالإدارة.
  3. أن ينظما زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالإدارة.
  4. أن يتخذا هـذه التدابير وغيرها وفقًا للشروط المبينة في اتفاقات الوصاية”.

وتقضى المادة 88 من الميثاق بما يلي: “يضع مجلس الوصاية طائفة من الأسئلة عن تقدم سكان كل إقليم مشمول بالوصاية في الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وتقدم السلطة القائمة بالإدارة في كل إقليم مشمول بالوصاية داخل في اختصاص الجمعية العامة تقريرًا سنويًا للجمعية المذكورة موضوعًا على أساس هذه الأسئلة”.

ويبدو واضحًا من هذين النصين أن مجلس الوصاية لا يباشر سلطاته على أساس الانفراد، بل على أساس الاشتراك مع الجمعية العامة. ويمكن التقرير أن المسئولية الانتهائية في نظام الوصاية كله تنهض بها الجمعية العامة، كما ينهض بها مجلس الأمن بالنسبة للمناطق الإقليمية الاستراتيجية التي توضع في نظام الوصاية. فهذان الفرعان الرئيسيان – الجمعية العامة ومجلس الأمن – هما صاحبا السلطة والاختصاص في الموافقة على اتفاقات الوصاية وفي الموافقة على أية تعديلات تدخل على أحكام هذه الاتفاقات، وهما اللذان يتحملان – في النهاية – المسئولية عن إدارة الأقاليم الموضوعة في الوصاية. والسلطة والاختصاص – في هذا الشأن – يباشرهما – على انفراد – الجمعية العامة وكذلك مجلس الأمن فيما يتعلق بالمناطق الاستراتيجية الموضوعة في الوصاية. وإلى جانب هذه السلطة وهذا الاختصاص الانفراديين تمارس الجمعية العامة – وكذلك مجلس الأمن فيما يتعلق بالمناطق الاستراتيجية – وظائف وسلطات أخرى، وذلك بالاشتراك مع مجلس الوصاية ذاته. وهذه الوظائف والسلطات التي يشترك في النهوض بها مجلس الوصاية هي:

أولاً: النظر في التقارير التي ترفعها السلطة القائمة بالإدارة. و”النظر” في هذه التقارير التي تلتزم السلطة القائمة بتقديمها يشمل سلطات “الفحص” و”النقاش” و”التوصية”، وذلك بقصد تحقيق ما جاء بهذه التقارير تحقيقًا جديًا، ونقد محتوياتها نقدًا ينطوي على البناء والإصلاح. ويقوم مجلس الوصاية بهذا كله. وللجمعية العامة أيضًا أن تمارس هذه السلطة، بل أن لها أيضًا أن تنظر في تقرير مجلس الوصاية ذاته قصد “الفحص” و”النقاش” و”التوصية”، وذلك وفقًا للمادة 10 من ميثاق الأمم المتحدة.

ثانيًا: قبول العرائض وفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة بالإدارة. وهذه العرائض قد تكون خاصة بإقليم معين مما وضع في نظام الوصاية، أو بنظام الوصاية ذاته، أو بأي من الأمور المتصلة بالإدارة. وقد تكون العرائض كتابية أو شفاهية. وقد يكون مقدم العرائض من أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية أو من غيرهم. وهذه العرائض إما أن تقـدم مباشرة إلى السلطة القائمة بالإدارة التي تلتزم في هذه الحالة بإحالتها إلى مجلس الوصاية مشفوعة بما يناسب من البيان، وإما أن تقدم مباشرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقوم بإحالتها إلى مجلس الوصاية. ولا يُعد مقبولا من هذه العرائض ما يتعلق منها بالأحكام القضائية التي تصدر عن جهات القضاء. أما غير ذلك من العرائض فيتحتم بحثه والنظر فيه.

ثالثًا: تنظيم الزيارات الدورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالإدارة. ولعل من أهم السلطات التي خولها الميثاق لمجلس الوصاية سلطة إيفاد لجان لزيارة الأقاليم المشمولة بالوصاية زيارات دورية. وسلطة إيفاد اللجان الزائرة سلطة جديدة لم يكن لها نظير في نظام الانتداب، وقد استحدثها ميثاق الأمم المتحدة بوصفها وسيلة – بل خير الوسائل – للتحقق من حسن نهوض السلطة القائمة بالإدارة بأعبائها ومسئولياتها وفق الشروط المنصوص عليها في اتفاق الوصاية، ووفق الأهداف التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة. ويقضي نص المادة 87 من الميثاق بأن تكون هذه الزيارات دورية، وذلك كي تكون الرقابة فعالة وحقيقية. وقد أوجب حكم النص بأن تكون مواعيد هذه الزيارات الدورية متفقًا عليها مع السلطة القائمة بالإدارة. وعلى مجلس الوصاية أن يشكل تكوين هذه اللجان، وأن يخولها سلطات صريحة ومفصلة. وترفع هذه اللجان تقاريرها لمجلس الوصاية للنظر فيها. وقد باشر مجلس الوصاية هذه الوظيفة بعناية فائقة. فبعث باللجان تلو اللجان لزيارة الأقاليم المشمولة بالوصاية لمراقبة أعمال السلطات القائمة بالإدارة، وللاستماع لشكاوى أهالي هذه الأقاليم ولرغباتهم، ولملاحظة تقدمهم في مختلف الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية مما كان له أوقع الأثر في الوصول بهذه الأقاليم إلى مرتبة الاستقلال.

وقد قيدت الفقرة الأخيرة من المادة 87 من الميثاق هذه السلطات جميعًا بالقيد الخاص بأن تكون ممارسة هذه الوظائف والسلطات وفق النصوص والأحكام المبينة في اتفاقات الوصاية.

ونرى واجبًا في هذا المقام أن ننوه بأن مجلس الوصاية قد باشر وظائفه وسلطاته بكفاية ملحوظة على الرغم من الصعوبات التي اعترضت سبيله. وقد كفلت له هذه الكفاية حسن النهوض بتبعاته والتوفيق في الوصول بالأقاليم المشمولة بنظام الوصاية إلى مرتبة الاستقلال حتى أنه لم يتبقَ من هذه الأقاليم – حتى كتابة هذه السطور (1965) – إلا عدد قليل.

الهوامش

  • (1) راجع في هذا الشأن مؤلف الدكتور محمد طلعت الغنيمي وعنوانه: “قضية فلسطين أمام القانون الدولي”، الإسكندرية سنة 1961. وكذلك رسالة الدكتوراه التي قدمها لجامعة القاهرة الدكتور إدوار سيدهم، وعنوانها “مشكلة اللاجئين العرب”، القاهرة، في نوفمبر 1961.
  • (2) يقضي نص المادة 22 من عهد العصية بما يلي: Certain communities formerly belonging to the Turkish Empire have reached a stage of development where their existence as independent nations can be pro visionally recognized subject to the rendering of administrative advice and assistance by a Mandatory until such time as they are able to stand alone The wishes of these communities must be a principal consideration in the selection of the Mandatory”.
  • (3) نصت المادة 22 من عهد العصبة على ما يلي في شأن الانتداب حرف (ب): “Other peoples, especially those of Central Africa, are at such a stage that the Mandatory must be responsible for the administration of the territory under conditions which will guarantee freedom of conscience and religion, subject only to the maintenance of public order and morals, the prohibition of abuses such as the slave trade, the arms traffic, and the prevention of the establishment of fortifications or military and naval bases, and of military training of the natives for other than police purposes and the defense of territory…”.
  • (4) ونصت المادة 22 من عهد العصبة في خصوص الانتداب حرف (ب) على ما يلي: “There are territories such as South – West Africa and certain South Pacific Islands, which, owing to the sparseness of their population, or their small size. or their remoteness from the centers of civilization, or their geographical contiguity to the territory of the Mandatory, and other circumstances, can be best administered under the laws of the Mandatory as integral portions of its territory, subject to the safeguards above mentioned in the interests of the indigenous population”.

المراجع

  • كتاب القانون الدولي العام، تأليف الدكتور حامد سلطان، أستاذ ورئيبس قسم القانون الدولي العام، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، الطبعة الثانية، يناير 1965.
العلوم القانونية - مجلس الوصاية
العلوم القانونية – مجلس الوصاية
error:
Scroll to Top