عقد الشركة وأركانه وبطلانه، نظرية الشركة الفعلية

عقد الشركة

أشرنا فيما سبق إلى أن المادة الرابعة من نظام الشركات السعودي تُعرّف الشركة بأنها “عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح، بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو من خسارة”. وعقد الشركة يجب أن يتوافر فيه – فضلاً عن الأركان الموضوعية الخاصة التي حددها النص – الأركان الموضوعية العامة في العقود وهي الرضا والمحل والسبب والأهلية. وكذلك بعض الأركان الشكلية. ويترتب على تخلّف أحد هذه الأركان تعرّض الشركة للبطلان.

وعلى ذلك نقسّم دراستنا في هذا الفصل إلى أربعة مباحث، نتكلم في الأول عن الأركان الموضوعية العامة لعقد الشركة، ونشرح في الثاني الأركان الموضوعية الخاصة. ونبيّن في الثالث الأركان الشكلية. ونبحث في الرابع بطلان الشركة.

الأركان الموضوعية العامة لعقد الشركة

يخضع عقد الشركة للقواعد العامة في العقود. فيجب أن يتوافر فيه الرضا والمحل والسبب والأهلية. ويترتب على تخلّف أحد هذه الأركان تعرض الشركة للانهيار.

1. ركن الرضا في عقد الشركة

وهو التعبير عن إرادة المتعاقدين التي تُصاغ في الإيجاب والقبول. وإذا انعدم الرضا ترتّب على ذلك عدم قيام الشركة. ويكون الرضا معدومًا إذا لم يتفق الشركاء على تقدير الحصص أو على محل الشركة. أما إذا وجد الرضا فيجب أن يكون صحيحًا خاليًا من العيوب كالغَلَط والإكراه والتدليس وإلا كان العقد قابلاً للإبطال بناءً على طلب من لحق إرادته عيب من هذه العيوب.

والإكراه نادر الوقوع في عقد الشركة. بخلاف التدليس الذي غالبًا ما يلجأ إليه المؤسسون لحمل غيرهم على الاشتراك في الشركة. ويجوز إبطال العقد بسبب التدليس متى كان التدليس قد وقع على أحد الشركاء من بقية الشركاء مجتمعين أو من نائبيهم. أما التدليس الذي يقع من شخص غير شريك أو يقع من شريك واحد فلا يبطل العقد ويقتصر أثره على الرجوع على المدلس بالتعويض. والغلط الذي يجيز طلب البطلان هو الغلط الجوهري. كما لو وقع الغلط في شخصية الشريك في شركة من الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي كشركة التضامن مثلاً أو وقع الغلط في نوع الشركة كما إذا أراد الشخص الانضمام إلى شركة ذات مسؤولية محدودة وإذا بها شركة تضامن.

2. ركن المحل في عقد الشركة

محل عقد الشركة هو المشروع المالي الذي استهدف الشركاء حقيقة من وراء قيام الشركة. أو هو النشاط الاقتصادي الذي تقوم به الشركة. ومحل الشركة بهذا المعنى يختلط بغرض الشركة أو بسبب وجودها. ويجب أن يكون محل الشركة أو غرضها مشروعًا وممكنًا وإلا كانت الشركة باطلة. فإذا كان الغرض من الشركة التعامل بالربا أو الاتجار في المواد المحرّمة شرعًا كالخمور أو المخدرات أو لحوم الخنزير فإن الشركة تكون باطلة بطلانًا مطلقًا في المملكة لعدم مشروعية محلها.

كذلك يعتبر محل الشركة غير ممكن متى كان الغرض منها مباشرة نشاط جائز في الأصل ولكن النظام يحظره على مثل نوعها من الشركات، ومثال ذلك ما تنص عليه المادة 159 من نظام الشركات السعودي من حظر القيام بأعمال التأمين أو الادخار أو البنوك على الشركات ذات المسؤولية المحدودة. وعليه تعتبر الشركة ذات المسؤولية المحدودة باطلة متى كان القصد منها ممارسة أحد هذه الأعمال الثلاثة.

3. ركن السبب في عقد الشركة

يرى البعض أن السبب في عقد الشركة يختلط بالمحل. إذ أن سبب التزام الشركاء بتقديم حصة في رأس مال الشركة هو الرغبة في تحقيق الأرباح واقتسامها عن طريق القيام بمشروع اقتصادي معين. بينما يرى البعض الآخر أن السبب لا يختلط بالمحل وأن السبب في عقد الشركة هو دائمًا رغبة كل شريك في الحصول على الربح وأن السبب يكون لذلك مشروعًا في كل الصور.

4. ركن الأهلية في عقد الشركة

يجب أن يكون الشريك أهلاً للتعاقد والدخول في الشركة وإلا كان له أن يطلب إبطال الشركة بالنسبة له. ويختلف شُرّاح القانون المعاصر في تحديد الأهلية اللازمة لإبرام عقد الشركة. فيذهب البعض إلى القول بأن الأهلية اللازمة هنا هي أهلية التصرف والالتزام. بينما يكتفي البعض الآخر بأن يتوافر في الشريك أهلية التصرفات الدائرة بين النفع والضرر لأن الشركة من هذه التصرفات فهي لا تعدو أن تكون عقدًا من عقود المعاوضة.

ويتفق هذا الرأي الأخير مع ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية. فالشريعة لا تجيز للصبي المميّز أن يبرم عقد الشركة إلا بإذن وليّه. لأن عقد الشركة من العقود التي تحتمل التصرف فيها نفعًا أو ضررًا. وإن شارك الصبي المميّز من غير إذن وليّه كان العقد موقوفًا على إذن وليه. فإن أجازه فذاك وإلا فلا. وإن كان الصبي المميّز يتيمًا فلا بدّ من إذن القاضي المختص. والمدار في ذلك كله مصلحة الصبي. فإن كان في عقد الشركة مصلحة واضحة له أجازه القاضي أو الوالي وإلا لم يجزه.

ولما كان الشريك المتضامن في شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة وشركات التوصية بالأسهم يكتسب صفة التاجر بمجرد انضمامه إلى الشركة، فإنه يلزم أن تتوافر فيه أهلية الإتجار على التفصيل السابق دراسته. ويجوز لولي القاصر طبقًا للرأي الراجح أن يستثمر أموال القاصر بالاكتتاب في أسهم شركات المساهمة أو التوصية بالأسهم. وذلك لأن هذا الاستثمار لا يؤدي إلى اكتساب القاصر صفة التاجر ولا إلى تحمل المسؤولية التضامنية والمطلقة عن ديون الشركة. فالقاصر في هذه الحالة لا يُسأل عن ديون الشركة إلا في حدود قيمة الأسهم التي يمتلكها.

الأركان الموضوعية الخاصة لعقد الشركة

يجب أن يتوافر في عقد الشركة إلى جانب الأركان الموضوعية العامة أركان موضوعية خاصة حددتها المادة الأولى من نظام الشركات السابقة الإشارة إليه. وهذه الأركان هي تعدد الشركاء، وتقديم الحصص، ونية المشاركة، واقتسام الأرباح والخسارة. وهذه الأركان الأربعة هي التي تميّز في الحقيقة عقد الشركة عن غيره من العقود وتضفي عليه طابعه الخاص.

1. تعدد الشركاء

وتعدد الشركاء أمر تقتضيه الفكرة التعاقدية للشركة. وهي الفكرة التي أخذ بها نظام الشركات السعودي حين قرر في مادته الأولى أن: “لشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر …”. وموقف نظام الشركات السعودي هنا يتفق في

الحقيقة مع موقف الشريعة الإسلامية والقوانين اللاتينية التي تأخذ بمبدأ وحدة الذمّة. وبالتالي لا تجيز للشخص أن يقتطع جزءًا من ذمته ويخصصه للقيام بمشروع معيّن مع تحديد مسؤوليته عن هذا المشروع بما خصص له من أموال. إذ تعتبر جميع أموال المدين ضامنه للوفاء بديونه. غير أن هناك بعض التشريعات كالتشريع الإنجليزي والألماني لا تأخذ بمبدأ وحدة الذمة وبالتالي فهي تجيز للشخص أن يقتطع جزءًا من ذمته ويخصصها للقيام بمشروع معين يتخذ شكل الشركة. ويطلق على هذا النوع اسم شركة الرجل الواحد (One man’s Company).

هذا وتورد معظم التشريعات التي تأخذ بمبدأ وحدة الذمة استثناءات على هذا المبدأ، وبالتالي على مبدأ تعدد الشركاء، فتجيز لأشخاص القانون العام الإقليمية والمرفقية على حد سواء إنشاء شركات بمفردها دون أن يشترك معها أشخاص آخرون. وغالبًا ما تتخذ هذه الشركات شكل شركة المساهمة.

ومن أمثلة هذه الاستثناءات في المملكة: “الشركة السعودية للصناعات الأساسية” الموافق على إنشائها بالمرسوم الملكي رقم م/66 وتاريخ 1396/9/13 و”الشركة السعودية للتموين” الموافق على إنشائها بالمرسوم الملكي رقم م/57 في ١٣٩٦/٧/١٥هـ و”شركة أرامكو السعودية” الصادر بإنشائها المرسوم الملكي رقم 8 بتاريخ 1409/4/4هـ.

ويلاحظ أن هذه الاستثناءات وإن كانت تتعارض مع الفكرة التعاقدية للشركة إلا أنها تنسجم تمامًا مع الفكرة النظامية للشركة.

يشترط إذن كقاعدة عامة لصحة عقد الشركة في المملكة وجود شريكين على الأقل وذلك فيما عدا شركة المساهمة حيث يشترط النظام صراحة ألا يقل عدد الشركاء فيها عن خمسة (مادة 48).

وليس هناك أقصى حد لعدد الشركاء. وذلك باستثناء الشركة ذات المسؤولية المحدودة. حيث ينص النظام صراحة على أنه لا يجوز أن يزيد عدد الشركاء في هذه الشركة عن خمسين شريكاً (مادة ١٥٧).

2. تقديم الحصص

يلتزم كل شريك بتقديم حصة في رأس مال الشركة، وإلا انهارت فكرة الشركة. والحصص على ثلاثة أنواع: فقد تكون مبلغًا من النقود أي حصة نقدية. وقد تكون عينية أي حصة عينية. وقد تكون عملاً أي حصة بالعمل.

الحصة النقدية

الوضع الغالب في الشركات هو أن يلتزم الشريك بتقديم مبلغ من النقود في حدود المتفق عليه. إذ قد يتفق الشركاء على تقديم الحصص النقدية في شكل دفعات تدفع في مواعيد محددة. ومثال ذلك أن يتفق الشركاء على تقديم نصف الحصص النقدية عند التأسيس على أن يدفع النصف الآخر بعد مضي سنة أو سنتين على التأسيس. فإذا عجز أحد الشركاء عن الوفاء بقيمة حصته في الميعاد المتفق عليه، كان للشركة أن تطالبه بأداء التزامه. وتقرر المادة الخامسة من نظام الشركات قاعدة لمصلحة الشركة في مواجهة الشريك المتقاعس عن تنفيذ التزامه وهي مسؤولة عن هذا الأخير في مواجهة الشركة عن تعويض الضرر المترتب على تأخره في تقديم الحصة التي تعهد بها.

الحصة العينية

والحصة التي يقدمها الشريك في الشركة قد تكون عينًا. أي مالاً آخر غير النقود عقارًا كان أو منقولاً. والعقار الذي يقدمه الشريك قد يكون أرضًا تقيم عليها الشركة مصنعها أو مخازنها. وقد يكون مبنى جاهزًا تتخذه مقرًا مثلاً لإدارتها. والمنقول قد يكون ماديًا كالآلات والبضائع، وقد يكون معنويًا كدين للشريك لدى الغير أو أوراق مالية أو تجارية أو براءة اختراع أو محل تجاري أو رسوم أو نماذج صناعية أو حقوق الملكية الأدبية والفنية.

هذا ومتى كانت حصة الشريك العينية عبارة عن ديون له في ذمة الغير، فإن التزامه قِبل الشركة لا ينقضي إلا إذا استوفيت هذه الديون. وقد نصت على ذلك صراحة المادة 3/4 من نظام الشركات بقولها: “إذا كانت حصة الشريك حقوقًا له لدى الغير فلا تبرأ ذمته قِبل الشركة إلا بعد تحصيلها هذه الحقوق”. ونعتقد أن الشريك يكون مسؤولاً عن تعويض الضرر الناتج عن التأخير في الوفاء بهذه الحقوق وذلك قياسًا على مسؤوليته عن تعويض الضرر الناتج عن التأخير في الوفاء بالحصة النقدية.

الانتفاع والتمليك في الحصة العينية

وتقديم الحصة العينية إلى الشركة قد يكون على سبيل التمليك، وقد يكون على سبيل الانتفاع.

فإذا قدمت الحصة على سبيل التمليك، فإن العلاقة بين الشريك والشركة تخضع لقواعد عقد البيع. فيجب استيفاء إجراءات نقل الملكية والاحتجاج بها على الغير. فإذا كانت الحصة علامة تجارية مثلاً، وجب مراعاة الأحكام التي يقضي بها نظام تسجيل العلامات الفارقة في مثل هذه الحالة. وإذا كانت الحصة عقارًا وجب أيضًا القيام بالإجراءات التي يقتضيها نقل الملكية. ومتى انتقلت ملكية الحصة إلى الشركة ظل الشريك مسؤولاً وفقًا لأحكام عقد البيع عن ضمان الحصة في حالة الهلاك أو الاستحقاق أو ظهور عيب أو نقص فيها (المادة 1/4). وعلى ذلك فإذا هلكت الحصة بعد انتقال ملكيتها والتسليم فإن الشركة هي التي تتحمل تبعة الهلاك فيظل شريكاً ويبقى حقه كاملاً في استلام الأرباح. أما إذا هلكت الحصة قبل التسليم أو ثبتت ملكية الغير لها بعد التسليم، كان الشريك مسؤولاً عن ذلك وتحتّم عليه تقديم حصة أخرى وإلا أُقصي عن الشركة.

أما إذا قدّمت الحصة على سبيل الانتفاع، فإن العلاقة بين الشريك والشركة تخضع لقواعد عقد الإيجار. لأن الشريك لا يلتزم في هذه الحالة بنقل أي حق عيني للشركة بل يكون لها فقط حق شخصي في الانتفاع بالعين المقدمة. وعلى ذلك فإذا هلكت الحصة المقدَّمة بفعل لا شأن للشركة فيه، تحمّل الشريك تبعة الهلاك لأن الأصل أن الشيء يهلك على مالكه، ويلتزم الشريك بتقديم حصة أخرى وإلا أُخرج من الشركة. كذلك يضمن الشريك التعرّض المادي أو القانوني الصادر منه أو التعرض القانوني الصادر من الغير. كما يضمن جميع ما يوجد في العين من عيوب تحول دون الانتفاع بها أو تنقص منه انتقاصًا كبيرًا.

الحصة بالعمل

يجوز أن تكون حصة الشريك عملاً يؤديه للشركة. والمقصود بالعمل هنا العمل الفني الجاد الذي يسهم في نجاح الشركة ويعود عليها بالنفع المادي. كعمل المهندس أو الرسّام أو المحاسب أو المدير وغيرهم من أصحاب الخبرة الفنية والتجارية. أما إذا كان العمل تافهًا فلا يعتبر حصة في رأس مال الشركة. ويعتبر الشخص الذي يقدمه مجرد أجير لدى الشركة.

كذلك لا يجوز أن تكون حصة الشريك بالعمل مجرد ما له من نفوذ سياسي أو سمعة تجارية. وإلا كان ذلك استغلالاً غير مشروع للنفوذ أو السمعة. وقد حرصت المادة الثالثة من نظام الشركات على تأكيد هذا المبدأ صراحة فقضت بأنه: “لا يجوز أن تكون حصة الشريك ما له من سمعة أو نفوذه”.

ويلتزم الشريك بالعمل بأن يكرّس مجهوده لخدمة الشركة. ويمتنع عليه أن يباشر نفس العمل الذي تعهّد بتقديمه للشركة لحسابه الخاص أو لحساب غيره. نظرًا لما في ذلك من منافسة للشركة. وإذا قام بعمل من هذا النوع، كان كل كسب ينتج من هذا العمل من حق الشركة. ولكن لا تشمل الحصة بالعمل ما يكون قد حصل عليه الشريك بالعمل من براءة اختراع إلا إذا اتفق على غير ذلك (المادة 4/4).

التزام مستمر بالعمل

ويعتبر التزام الشريك بالعمل من الالتزامات المستمرة التي تُنفَّذ يومًا فيومًا. وعلى ذلك فهو الذي يتحمل تبعة الهلاك. حيث إذا توقف عن العمل نهائيًا لأي سبب كان اعتبر متخلفًا عن أداء حصته فتنحل الشركة بالنسبة له. ولا يحق له بعد ذلك المشاركة في الأرباح.

ويتم في العادة تقويم الحصة بالعمل بالاتفاق بين الشركاء وقت التعاقد ويتحدد نصيب الشريك بالعمل في الأرباح والخسارة على أساس هذا التقويم. أما إذا لم يتم تقويم الحصة وقت التعاقد، كان له أن يطلب فيما بعد تقويم عمله. ويكون هذا التقويم أساسًا لتحديد حصته في الربح والخسارة.

ونظرًا من ناحية لأن رأس مال الشركة هو الضمان العام لدائنيها ومن ناحية أخرى لعدم قابلية الحصة بالعمل لأن تكون محلاً للتنفيذ الجبري، فإن الحصة بالعمل لا تدخل في تركيب رأس مال الشركة. كما لا يجوز وفقًا للرأي الراجح أن تكون حصص جميع الشركاء حصصًا بالعمل.

التفرقة بين رأس مال الشركة وموجوداتها

يجب التمييز بين رأس مال الشركة وموجوداتها. ورأس مال الشركة هو حسب ما تقضي به المادة الثالثة من نظام الشركات، مجموع الحصص النقدية والحصص العينية التي قدمها الشركاء عند إنشاء الشركة أو هو بعبارة أخرى القيمة الإسمية للأسهم وحصص الشركاء. ورأس مال الشركة هو الضمان لدائني الشركة. ولذا وجب عدم المساس به طيلة حياة الشركة. وعليه فإنه يمتنع على الشركاء استرداد حصصهم أثناء قيام الشركة.

كما أنه لا يجوز توزيع أرباح على الشركاء تقتطع من رأس المال وإلا اعتبرت أرباحًا صورية يكون للدائنين فيها حق استردادها ولو كان الشركاء حَسني النية (المادة رقم 8). وهذا هو ما يعبر عنه عادة “بمبدأ ثبات رأس مال الشركة”.

التعديل بالزيادة أو النقصان

غير أن مبدأ ثبات رأس مال الشركة لا يحول دون تعديل رأس مال الشركة بالزيادة أو بالتخفيض متى اقتضت ظروفها المالية ذلك. ويلزم لصحة تعديل رأس المال اتباع الإجراءات اللازمة لتعديل عقد الشركة (المادة ٢/٣). وإذا كان التعديل بالتخفيض فلا يُحتَج به على الدائنين الذين نشأت حقوقهم قبل التعديل.

ورأس مال الشركة بهذا المعنى يعتبر دينًا للشركاء على الشركة. لأنه يمثّل قيمة حصصهم ويتعين عند انقضاء الشركة وتصفيتها إعادة توزيعه عليهم كل بحسب نصيبه فيه، أي بحسب حصته وذلك بعد سداد كافة ديون الشركة. من هنا نستطيع أن نعرف لماذا يُدرج رأس مال الشركة دائمًا في جانب الخصوم (Passif) من الميزانية.

ثبات عناصر رأس المال

ويختلف رأس مال الشركة بهذا المعنى عن موجودات الشركة (Actif Social) لأنه إذا كان صحيحًا أنه عند إنشاء الشركة تكون الخصوم مساوية للأصول، وهو مطابقة رأس المال للموجودات، فإن الشركة ما أن تبدأ في العمل حتى تقوم بشراء المهمات والآلات من رأس مالها، كما تكتسب الحقوق وتتحمل الالتزامات وتحقق الأرباح، الأمر الذي يفيد أن عناصر الموجودات تتغير في حين أن عناصر رأس المال تظل ثابتة لأنها تمثل قيمة حصص الشركاء.

ويمثل حساب الأرباح والخسائر في الميزانية الفرق بين الأصول والخصوم. فإذا أُدرج حساب الأرباح والخسائر في جانب الخصوم، كان معنى ذلك ارتفاعًا في قيمة موجودات الشركة بالنسبة لقيمة موجوداتها الأصلية. أي أن الشركة قد حققت أرباحًا. أما إذا أُدرج حساب الأرباح والخسائر في جانب الأصول من الميزانية كان معنى ذلك انخفاضًا في قيمة موجودات الشركة وإصابتها بخسائر.

3. نية المشاركة

لم تنص المادة الأولى من نظام الشركات التي عرّفت عقد الشركة على هذا الركن. إلا أن الفقه والقضاء يكادان يجمعان في الدول الأخرى على اعتبار نية المشاركة الدعامة الأساسية التي تقوم عليها الشركة والتي بدونها لا يتصور وجود شركة أو شركاء.

ويعرّف الفقه التقليدي نية المشاركة بأنها: “انصراف نية الشركاء إلى التعاون بطريقة إيجابية وعلى قدم المساواة فيما بينهم بغية تحقيق غرض الشركة”. ومن مظاهر التعاون الإيجابي وفقًا لهذا الرأي المشاركة في إدارة الشركة والإشراف على مسيرتها والرقابة على أعمالها.    

ويؤخذ على هذا التعريف أن التعاون الإيجابي يصعب تصوره بالنسبة للشركاء الذين لا يشاركون في الإدارة وخاصة بالنسبة للشركاء المساهمين في شركات المساهمة والتوصية بالأسهم. كما أن المساواة لا تتحقق في كثير من الفروض. فلا مساواة بين الشريك المتضامن والشريك الموصي.

لذا يذهب الاتجاه الحديث في الفقه إلى تعريف نية المشاركة بأنها: “الرغبة في الاتحاد وتحمّل المخاطر المشتركة”. فالرغبة في الاتحاد تفترض التنظيم الجماعي وتوازي المصالح ولكنها لا تقتضي بالضرورة التعاون الإيجابي على قدم المساواة بين الشركاء.

وتظهر أهمية نية المشاركة بوجه خاص في كونها المعيار الحقيقي الذي يمكن أن يركن إليه لتمييز الشركة عن غيرها من الأنظمة والعقود المشابهة كنظام الشيوع وعقد القرض وعقد العمل متى تضمّنت هذه العقود اشتراكاً في الأرباح.

عقد الشركة والشيوع

يفترض الشيوع تعدد أشخاص في ملكية مال مشترك هو المال الشائع. ويكون لكل منهم حصة غير مفرزة فيه. ويتفق الملّاك المشتاعون على إدارة هذا المال لحسابهم جميعًا. وعليه فهناك عناصر مشتركة بين الشركة والشيوع. وتسمح نية المشاركة في الحقيقة بالتمييز بينها. فالشركة تنشأ دائمًا عن عمل إيجابي يتمثّل في الرغبة في الاتحاد، وتحمل مخاطر مشتركة. في حين أن الشيوع في حالة سلبية بين الملاك المشتاعين يغلب أن تكون مفروضة عليهم. وإذا كان الشيوع اختياريًا، فإنه يختلف أيضًا عن الشركة في أنه لا ينطوي على الرغبة في الاتحاد وتحمل المخاطر المشتركة بين الشركاء المشتاعين، بل يدافع كل منهم عن مصالحه الخاصة. لهذا تنظّم القوانين الوضعية الشيوع وفق أحكام تختلف عن أحكام الشركات. هذا وتختلف شركات العقود في الشريعة الإسلامية عن الشيوع. ويتخذ فقهاء الشريعة الإسلامية من نية المشاركة أيضًا ضابطًا للتمييز بين هذه الشركات ونظام الشيوع.

عقد الشركة وعقد القرض مع الاشتراك في الأرباح

قد يشترط المُقرض على المقترض الذي يريد استثمار مبلغ القرض في مشروع اقتصادي أن يحصل على نسبة معينة من الأرباح بدلاً من فائدة ثابتة. وقد يصعب في هذه الحالة التمييز بين الشركة وعقد القرض نظرًا لوجود بعض الأركان التي تقوم عليها الشركة كتقديم الحصة والمشاركة في الأرباح. ومع ذلك فالثابت أن العقد لا يعتبر شركة في هذه الحالة. وذلك نظرًا لأن المُقرِض لا يشارك في المشروع مشاركة إيجابية. فهو يظل بمعزل عن كيفية استثمار المشروع فضلاً أنه لا يساهم في الخسائر. وهو ما يعني أن العقد لا يعتبر شركة في هذه الحالة لتخلّف نيّة المشاركة لدى المقرض الذي غالبًا ما يلجأ إلى هذا النوع من العقود للتهرّب من تحريم الفوائد الربوية.

الشركة وعقد العمل مع الاشتراك في الأرباح

يلجأ بعض أرباب العمل بغية استنفاذ جهود عمالهم وحثهم على الإخلاص وزيادة الإنتاج إلى تقرير نسبة معينة من الأرباح توزّع عليهم إلى جانب أجورهم الثابتة. بل يجوز أن يقتصر أجر العمال على ما يقرر لهم من نصيب في الأرباح. وقد تصعب التفرقة في هذه الحالة بين الشركة وعقد العمل. إذ يقال إن هناك حصة بالعمل ومشاركة في الأرباح. غير أن نيّة المشاركة وما تنطوي عليه من الرغبة في الاتحاد وقبول المخاطر تتنافى مع رابطة التبعية التي يقوم عليها عقد العمل وما تقتضيه من خضوع العامل لرب العمل.

4. اقتسام الأرباح والخسائر

تقوم الشركة طبقًا لما جاء بالمادة الأولى نظام الشركات على “مشروع يستهدف الربح”. فالربح هو الهدف الذي يسعى الشركاء إلى تحقيقه وراء التزامهم بتقديم الحصص وتكوين الشركة.

ويُقصد بالربح طبقًا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض الفرنسية “كل كسب نقدي أو كسب مادي يضاف إلى ثروة الشركاء”. فلا يكفي إذن للقول بوجود قصد الربح مجرد السعي إلى تجنّب الخسارة أو تحقيق بعض الوفر كالحصول على بعض السلع بأقل من سعر السوق.

وهدف تحقيق الربح هو المعيار الذي يسمح بتمييز الشركة عن الجمعية. فالجمعية لا تهدف إلى تحقيق الربح بل تسعى إلى تحقيق غايات دينية أو سياسية أو فكرية أو اجتماعية.

وللتمييز بين الشركة والجمعية أهميته. فقواعد وإجراءات تأسيس وشهر الشركات يختلف عن الجمعيات. كما يختلف نظام الإدارة والرقابة في الشركات عنه في الجمعيات. وبالمثل فإن موجودات الشركة تقسّم عند حلّها بين الشركاء في حين تؤول أموال الجمعية المنحلة بحسب الأصل إلى الجهة المحددة في نظام الجمعية أو إلى أقرب الجمعيات إلى غرضها.

ولا يكفي لتكوين الشركة أن يكون غرضها هو تحقيق الأرباح. بل لا بدّ من اشتراك جميع الشركاء في توزيع الأرباح. وفي حالة فشل الشركة في تحقيق غرضها وإصابتها بالخسائر، فلا بدّ من اشتراك جميع الشركاء أيضًا في تحمل الخسائر. وقد نصّت على ذلك صراحة المادة الأولى من نظام الشركات، إذ بعد أن ذكرت هذه المادة أن الشركة عقد يلتزم بمقتضاه الشركاء بالمساهمة في مشروع يستهدف الربح أوضحت أن الهدف النهائي من ذلك هو اقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة.

شروط الأسد

والأصل أن يتم توزيع الأرباح والخسائر طبقًا لاتفاق الشركاء الوارد في عقد الشركة. ويتمتع الشركاء بحرية كبيرة في هذا الشأن. إذ يجوز لهم أن يحددوا نصيب كل شريك منهم في الربح والخسارة كما يحلو لهم. بشرط ألا يؤدي ذلك إلى حرمان شريك من الربح أو تحصين شريك من الخسارة (مادة 7). وتسمى هذه الشروط بشروط الأسد كما تسمى الشركة التي تتضمن مثل هذه الشروط بشركة الأسد. ويعتبر من قبيل شروط الأسد الشرط الذي يقضي بتخصيص كل الأرباح لشريك واحد أو أكثر دون الآخرين. والشرط الذي يحدد مقدمًا وبصورة إجمالية مقدار ما يحصل عليه أحد الشركاء من الربح. والشرط الذي يقضي بتحمّل واحد من الشركاء كل الخسائر أو يحصّن أحدهم من تحمل أي نصيب فيها، أن يسترد حصته سالمة من أي خسارة بغض النظر عن ظروف الشركة المالية.

ويختلف موقف التشريعات من شروط الأسد. فبعضها يقضي ببطلان الشركة ذاتها متى تضمنت شرطًا أو أكثر من شروط الأسد. وبعضها الآخر لا يقرر بطلان شرط الأسد ولا بطلان شركة الأسد. ويكتفي بتقرير حق طلب فسخ عقد الشركة للشريك أو الشركاء الذين لحقهم ضرر من شرط الأسد.

موقف المشرّع السعودي من شروط الأسد

أما نظام الشركات السعودي فقد أخذ بالاتجاه الحديث في هذا الشأن والذي يقضي بأنه متى تضمّنت الشركة شرطًا من شروط الأسد بطل الشرط وحده. وفي ذلك تقول المادة السابعة من النظام: “يتقاسم جميع الشركاء الأرباح والخسائر إذا اتفق على حرمان أحد الشركاء من الربح أو على إعفائه من الخسارة كان هذا الشرط باطلاً”.

ومع ذلك تجيز الفقرة الثانية من هذه المادة “الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسارة بشرط ألا يكون قد تقرر له أجر عن عمله”. ويرى البعض بحق أن هذا الاستثناء ظاهري أكثر منه حقيقي لأن الشريك بالعمل الذي لا يتقاضى أجرًا عنه يكون قد تحمّل في الخسارة ضياع وقته وجهده بلا مقابل.

إنما يلاحظ أنه لا يشترط أن توزع الأرباح والخسائر بالتساوي. أو أن يكون نصيب كل من الشركاء في الأرباح بنسبة حصته في رأس المال. بل المهم أن يكون لكل شريك نصيب في الأرباح وفي الخسائر مهما كان قدره. بشرط ألا يصل إلى حد التفاهة وإلا اعتبر من قبيل شروط الأسد.

وإذا لم يتفق الشركاء في عقد الشركة أو نظامها على كيفية توزيع الأرباح والخسائر، أو اتفقوا ولكن حكم ببطلان اتفاقهم لانطوائه على شرط من شروط الأسد، تحتّم الأخذ بأحكام التوزيع القانوني الذي نصّت عليه المادة التاسعة من نظام الشركات والتي تتلخص في القواعد الآتية:

  1. يتم تحديد نصيب كل شريك في الأرباح والخسائر بنسبة حصته في رأس المال.
  2. إذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشريك في الربح، كان نصيبه في الخسارة معادلاً لنصيبه في الربح.
  3. إذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشريك في الخسارة، كان نصيبه في الربح معادلاً لنصيبه في الخسارة.

الأركان الشكلية لعقد الشركة

1. كتابة العقد

اشترط نظام الشركات كتابة عقد الشركة للاحتجاج بها على الغير. وفي ذلك تقول المادة العاشرة: “باستثناء شركة المحاصة، يثبت عقد الشركة، بالكتابة أمام كاتب عدل وإلا كان العقد غير نافذ في مواجهة الغير.

ولا يجوز للشركاء الاحتجاج على الغير بعدم نفاذ العقد الذي لم يثبت على النحو المتقدم، وإنما يجوز للغير أن به في مواجهتهم.

ويُسأل مديرو الشركة أو أعضاء مجلس إدارتها بالتضامن عن تعويض الضرر الذي يصيب الشركة أو الشركاء أو الغير بسبب عدم كتابة عقدها”.

باستقراء ما جاء بهذا النص يتضح أن نظام الشركات يستلزم كتابة عقد الشركة. ولا يكتفى بالكتابة العرفية، بل يشترط الكتابة الرسمية بتسجيل العقد لدى أحد كتاب العدل في المملكة.

وتأخذ معظم التشريعات بمبدأ كتابة عقد الشركة. وترتب على عدم كتابة عقد الشركة بطلان الشركة ذاتها وهو ما يعني أن هذه التشريعات تعتبر الكتابة شرطًا لصحة عقد الشركة وليس شرط إثبات فقط.

موقف المملكة من شرط كتابة عقد الشركة

أما في المملكة فقد رتب النص المتقدم على تخلف الكتابة جزاء من طبيعة خاصة يختلف بحسب ما إذا كان الشخص المتمسك بعدم كتابة عقد الشركة من الشركاء أو من الغير.

ففي العلاقة بين الشركاء، لا يجوز لأي شريك أن يتمسك في مواجهة الشركاء الآخرين بعدم كتابة عقد الشركة لكي يتخلص من تنفيذ الالتزامات التي يفرضها عليه العقد. وعليه فإذا ما طالبه بقية الشركاء بتقديم حصته في رأس المال، فلا يستطيع أن يمتنع عن تقديمها بحجة عدم كتابة عقد الشركة. ومعنى ذلك أن عدم الكتابة لا يُحتج به فيما بين الشركاء في الشركة.

أما في العلاقة بين الشركاء والغير، فإنه لا يجوز للشركاء أن يتمسكوا أيضًا بعدم كتابة العقد في مواجهة الغير. لأن عدم كتابة العقد راجع لتقصيرهم. فلا يصح لهم أن يفيدوا من هذا التقصير. أما الغير فلا ذنب له. ومن ثم يجوز له أن يتمسك بوجود الشركة وله أن يسلك في سبيل ذلك كافة طرق الإثبات. كما له أن يتمسك بعدم قيام الشركة متى كانت له مصلحة في ذلك.

وهكذا يتضح أن الجزاء الذي نصّت عليه المادة العاشرة هو جزاء مقرر لمصلحة الغير وحده.

هذا ويرى بعض الفقه أن اشتراط الكتابة في عقد الشركة إنما يبرره كثرة التفصيلات التي لا تعيها الذاكرة ورغبة المُشرّع في نفس الوقت في حمل الشركاء على التفكير قبل الإقدام على تكوين شركة لمدة طويلة. بينها يرى البعض الآخر الأساس الحقيقي لاشتراط الكتابة هو أن عقد الشركة يترتب عليه ميلاد شخص معنوي له وجوده المستقل عن الشركاء وله حياته القانونية الخاصة. فيجب أن يكون دستور هذا الشخص المستقل مكتوبًا حتى يمكن أن يطلع عليه الغير قبل أن يتعامل مع الشركة.

ونعتقد أن اشتراط الكتابة الرسمية في عقد الشركة أو نظامها إنما يبرره من ناحية تراجع الفكرة العقدية للشركة وتغلب الفكرة التنظيمية لها في العصر الحديث، ومن ناحية أخرى كونها الوسيلة التي لا غنى عنها لتحقيق الركن الشكلي الثاني وهو إشهار الشركة.

2. شهر عقد الشركة

القاعدة في التشريع السعودي هي أن الشركات تكتسب الشخصية المعنوي بمجرد تكوينها غير أنه لا يُحتج بوجودها على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر التي ينص عليها النظام (مادة ١٣).

ولا يقتصر الشهر على مجرد عقد الشركة عند التأسيس بل يجب أن يشهر كذلك كل ما يطرأ عليه من تعديلات بعد ذلك حتى يمكن الاحتجاج بها على الغير.

والحكمة من تطلب الشهر هي إعلام الغير بوجود الشركة وبشروط تكوينها حتى يكونوا على بيّنة من الأمر قبل التعامل. ويستثنى من واجب الشهر شركة المحاصة نظرًا لكونها شركة مستترة تقتصر آثارها على مجرد الشركاء فيها ولا وجود لها بالنسبة للغير ولا تتمتع بالشخصية المعنوية.

وتختلف إجراءات الشهر التي تخضع لها الشركة باختلاف نوعها. لذا فإننا سنرجئ الحديث عنها إلى حين دراسة كل نوع من أنواع الشركات على حدة.

بطلان عقد الشركة وآثاره

يترتب كقاعدة عامة على تخلّف أحد الأركان الموضوعية العامة أو الخاصة السابق دراستها بطلان الشركة. وبطلان الشركة وإن كان يتفق مع ا القواعد العامة في البطلان من حيث النوع، إلا أنه يختلف عنه من حيث الآثار. ذلك أنه إذا كان الأصل أنه يترتب على بطلان العقود إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد أي أن يكون للبطلان أثر رجعي يرتد إلى وقت انعقاد العقد، فإن القضاء – تقديرًا للطبيعة الخاصة لعقد الشركة وما يترتب عليه من إنشاء شخص معنوي له كيانه الخاص ووجوده المستقل عن الشركاء – قد عدّل أحكام القواعد العامة بحيث قصر أثر بطلان الشركة على المستقبل دون الماضي. وذلك نتيجة تطبيقه لما يعرف اليوم باسم نظرية الشركة الفعلية.

وعليه فإننا سندرس على التوالي أنواع البطلان ثم نظرية الشركة الفعلية.

أنواع بطلان عقد الشركة

الجزاء الذي يترتب كقاعدة عامة على تخلّف أحد الأركان الموضوعية هو البطلان. والبطلان كما ذكرنا آنفًا قد يكون مطلقًا وقد يكون نسبيًا.

1. البطلان المطلق

والبطلان المطلق، هو البطلان الذي يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به. كما يكون للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا تصححه الإجازة.

وتعتبر الشركة باطلة بطلانًا مطلقًا متى ثبت انعدام رضا أحد الشركاء أو انعدام أهليته وقت العقد.

بالمثل تعتبر الشركة باطلة بطلانًا مطلقًا متى ثبت تخلّف بعض الأركان الموضوعية الخاصة والمميزة لعقد الشركة كعدم تعدد الشركاء أو عدم تقديم حصص أو انتفاء نيّة المشاركة. أما إذا تضمّن عقد الشركة شرطًا من شروط الأسد، فالشركة تظل صحيحة ويبطل الشرط وحده وفقًا لنظام الشركات السعودي.

كذلك تعتبر الشركة باطلة بطلانًا مطلقًا متى كان محلها أو سببها غير مشروع على التفصيل السابق دراسته.

ويترتب على الحكم ببطلان الشركة انهيار عقد الشركة برمته واعتبار الشركة كأن لم تكن. أي زوال عقد الشركة الشخصية والمعنوي الذي تمخّض عنه هذا العقد بأثر رجعي.

وعلى هذا لا محل بعد الحكم بالبطلان لمطالبة الشركاء بتقديم الحصص بل يجب رد هذه الحصص إليهم متى كانوا قد قدموها. وإذا كانت الشركة قد باشرت أعمالها فأنتجت أرباحًا أو أصيبت بخسائر قبل الحكم بالبطلان ظل الوضع كما هو. فلا يلزم الشركاء بردّ ما حصلوا عليه من ربح ولا يكون من حقهم مطالبة الشريك المدير برد ما تحملوه من خسائر. أما إذا كانت الأرباح والخسائر لم توزّع بعد، فالراجح أنه يجب أن يتم التوزيع لا وفقًا للشروط الواردة في عقد الشركة الباطل وإنما بنسبة الحصص. أي على أساس التوزيع القانوني الذي نصّت عليه المادة التاسعة من نظام الشركات.

تمسك الشركاء بالبطلان المطلق بمواجهة الغير

ولما كان البطلان المطلق يجوز طبقًا للقواعد العامة التمسك به من كل ذي مصلحة فقد أُثير التساؤل عما إذا كان للشركاء أن يتمسكوا به في مواجهة الغير. وقد استقر رأي معظم الشُرّاح على القول بعدم جواز الاحتجاج بالبطلان المطلق في مواجهة الغير حسن النية. وعليه فلو تأسست شركة بقصد الاتجار في الخمور وقامت بشراء سيارة من أحد التجار لتوزيع هذه المواد المحرمة، فلا يجوز للشركاء في هذه الشركة متى انكشف سرها وحكم ببطلانها أن يدفعوا في مواجهة التاجر بعدم مشروعية الشركة لكي يتخلصوا من دفع الثمن، متى كان الثابت أن تاجر السيارات يجهل عدم مشروعية الشركة.

2. البطلان النسبي

أما البطلان النسبي، فهو البطلان الذي لا يجوز التمسك به إلا لمن شُرِّع لمصلحته. ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وتصححه الإجازة الصريحة أو الضمنية.

وتعتبر الشركة باطلة بطلانًا نسبيًا متى كان أحد الشركاء فيها ناقص الأهلية وقت العقد أو اعتور رضاءه عيب من عيوب الإرادة كغلط أو إكراه أو تدليس.

ومتى حكم ببطلان الشركة بناء على طلب ناقص الأهلية أو صاحب الإرادة المعيبة، اقتصر أثر البطلان على هذا الشريك وحده دون باقي الشركاء. فتعتبر الشركة باطلة بالنسبة له منذ نشأتها فتزول عنه صفة الشريك. ويسترد حصته كاملة ولا يتحمل من الخسائر ولا يحصل على نصيب من الأرباح.

شركات الأشخاص

وإذا كانت الشركة من شركات الأشخاص فإنه يترتب على بطلان الشركة بالنسبة لأحد الشركاء وخروجه منها انهيار الاعتبار الشخصي الذي يقوم عليه هذا النوع من الشركات، ومن ثم انهيار الشركة بالنسبة لجميع الشركاء. غير أن البطلان في مثل هذه الحالة يقتصر على المستقبل ولا يرتد إلى الماضي. ومن ثم فإن الشركة تعتبر قائمة فعلاً في الفترة الواقعة بين إنشائها والحكم ببطلانها.

وتأخذ شركة التوصية بالأسهم – رغم أننا نعتبرها من الشركات ذات الطبيعة المختلطة – حكم شركات الأشخاص متى كان الشريك ناقص الأهلية أو كان من تعيب رضاؤه هو أحد الشركاء المتضامنين وذلك نظرًا لوجود الاعتبار الشخصي في هذه الحالة.

شركات الأموال

أما إذا كانت الشركة من شركات الأموال، أي شركة مساهمة فإنه لا يترتب على بطلان الشركة بالنسبة لأحد الشركاء وخروجه منها انهيار الشركة بالنسبة لبقية الشركاء، بل تستمر الشركة بالنسبة لهؤلاء ويقتصر الأمر على مجرد طرح أسهم هذا الشريك للاكتتاب.

وتأخذ شركة التوصية بالأسهم حكم شركة المساهمة متى كان الشريك ناقص الأهلية أو كان من تعيّبت إرادته هو أحد الشركاء المساهمين. وذلك نظرًا لأن شخص الشريك ليس محل اعتبار في هذه الحالة.

هذا ونود أن نلفت النظر في النهاية إلى أنه لا يترتب طبقًا لنظام الشركات السعودي على تخلّف أحد الأركان الشكلية بطلان الشركة. بل عدم جواز الاحتجاج بالشركة على الغير وذلك وفقا للتفصيل السابق دراسته.

نظرية الشركة الفعلية

مفهوم النظرية وأساسها

الأصل أن الشركة وما تتمتع به من شخصية معنوية مستقلة لا تنشأ إلا عن عقد توافرت فيه كافة الأركان الموضوعية والشكلية السابقة الدراسة. أما متى أُبطل عقد الشركة، سواء كان البطلان مطلقًا أو نسبيًا، فإن القواعد العامة تقضي بإعادة الشركاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد. وهو ما يعني أن للبطلان بنوعيه أثرًا رجعيًا. لأنه يقضي على كيان العقد وما ترتب عليه من آثار ليس في المستقبل فحسب بل في الماضي أيضًا.

غير أن تطبيق هذه القواعد العامة على عقد الشركة وما تقتضيه من رد الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وإن كان ممكنًا قبل مباشرة الشخص المعنوي الناتج عن العقد (الشركة) لأعماله أو حتى بعد مباشرة الشخص المعنوي لأعماله طالما أن سبب بطلان عقد الشركة قد ترك علاماته الواضحة على هذا الشخص المعنوي بحيث يدرك الغير فساد أصله دون مشقة، فإنه يؤدي في الحالات الأخرى إلى نتائج غير عادلة وغير مرغوب فيها سواء من الناحية العملية أو من الناحية الاقتصادية،

إذ أن في إعمال الأثر الرجعي للبطلان من الناحية العملية تجاهلاً وإنكارًا لحقائق وجدت بالفعل في الفترة السابقة على الحكم بالبطلان وأهمها وجود شخص معنوي له كيانه المستقل دخل في معاملات الغير فأصبح بموجبها دائنًا ومدينًا وحصل على أرباح ومني بخسائر كما أنه يؤدي من الناحية الاقتصادية إلى زعزعة المراكز القانونية المستقرة وإلى إهدار حقوق الغير الذي تعامل مع هذا الشخص المعنوي (الشركة) وهو يجهل ما يعتور العقد الذي قام على أساسه هذا الشخص المعنوي من عيوب عند تكوينه. بعبارة أخرى أن إعمال الأثر الرجعي للبطلان ينطوي في مثل هذه الحالات على مجافاة للمنطق السليم وتنكّر للعدالة.

الرأي الراجح في أثر البطلان

ولذلك استقر الرأي على أنه متى حكم ببطلان الشركة وجب أن يقتصر أثر البطلان على المستقبل وحده ولا يمتد إلى الماضي. بحيث تعتبر الشركة قائمة ويُعتدّ بنشاطها في الفترة الواقعة بين تكوينها والحكم ببطلانها. غير أن الاعتراف بالشركة خلال هذه الفترة ليس سوى اعتراف بالوجود الفعلي أو الواقعي للشركة ولا يرتكز إلى القانون ولذلك تسمى هذه الشركة بالشركة الفعلية أو بالشركة الواقعية (Societe de fait).

وقد استند القضاء في إقامة نظرية الشركة الفعلية إلى فكرة حماية الأوضاع الظاهرة تحقيقًا لاستقرار المراكز القانونية. ذلك أن الغير قد تعامل مع الشركة قبل الحكم ببطلانها على اعتبار أنها شركة صحيحة. فمن العدل ألا يفاجأ هذا الشخص الذي أطمأن إلى الوضع الظاهر ببطلان الشركة لسبب قد يكون خافيًا عليه.

وحاول القضاء إقامة النظرية على أسس قانونية. فاعتبر عقد الشركة من قبيل العقود المستمرة التي تنفذ يومًا فيومًا. فإذا حُكم بالبطلان تناول البطلان مستقبل العقد وحده فيتعين حل الشركة وتصفيتها. ولكنه لا يتناول ماضي العقد فتعتبر الشركة قائمة وموجودة إلى أن يحكم ببطلانها. غير أنه ليس لهذا الوجود كيان في القانون. لأن القانون يجعل للبطلان أثرًا رجعيًا. وإنما هو وجود فعلي واقعي. بمعنى أن الشركة تعتبر في الفترة بين تكوينها وطلب بطلانها موجودة – لا قانونًا – وإنما فعلاً وحكمًا.

موقف المملكة من نظرية الشركة الفعلية

وقد أقر نظام الشركات السعودي نظرية الشركة الفعلية وعبر عنها “بالشركة الواقعية”، في المادة 46 منه وذلك عند الكلام عن شركة المحاصة.

نطاق نظرية الشركة الفعلية

يشترط بداهةً لتطبيق نظرية الشركة الفعلية أن تكون الشركة قد باشرت أعمالها بالفعل قبل الحكم ببطلانها. أما إذا صدر الحكم بالبطلان قبل أن تباشر الشركة أعمالها فلا يتوافر لها كيان في الواقع. ولا يكاد هناك داعٍ في هذه الحالة لاستبعاد الأثر الرجعي للبطلان.

ولا تطبق نظرية الشركة الفعلية في جميع الأحوال التي يُحكم فيها ببطلان الشركة. وقد رأينا عند دراستنا لأنواع البطلان أن هناك حالات لا يجوز معها الاعتراف بوجود الشركة لا في نطاق القانون ولا في نطاق الواقع ويتعين معها إعمال القواعد العامة في البطلان كاملة ودون تحوير. وعلى العكس من ذلك رأينا أنه يوجد حالات يجوز معها الاعتراف بوجود الشركة فعلاً لا قانونًا. بحيث يقتصر أثر البطلان على مستقبل الشركة ولا يمتد إلى ماضيها.

بعبارة أخرى يمكن الاهتداء في تحديد مجال ونطاق نظرية الشركة الفعلية بطبيعة البطلان الذي لحق بعقد الشركة. فإن كان البطلان مطلقًا لتعلق سببه بالنظام العام انهارت الشركة في الماضي والمستقبل على السواء. ومن ثم لا يكون هناك مجال لتطبيق نظرية الشركة الفعلية في مثل هذه الحالة. أما إذا كان البطلان نسبيًا، فيقتصر انهيار الشركة على المستقبل دون الماضي. ومن ثم يكون هذا هو المجال الطبيعي لإعمال نظرية الشركة الفعلية.

حالات تطبيق نظرية الشركة الفعلية

وعليه تعتبر الشركة فعلية في الفترة الواقعة بين نشوء سبب البطلان والحكم به في الحالات الآتية:

  1. بطلان الشركة بسبب نقص أهلية أحد الشركاء متى كانت الشركة من شركات الأشخاص وذلك بالنسبة لبقية الشركاء. أما بالنسبة للشريك ناقص الأهلية فتعتبر الشركة كأن لم تكن. حيث تُطبّق فكرة الأثر الرجعي للبطلان على التفصيل السابق دراسته.
  2. بطلان الشركة بسبب عيب اعتور رضاء أحد الشركاء في شركات الأشخاص كغلط أو إكراه أو تدليس وذلك بالنسبة لبقية الشركاء، أما بالنسبة للشريك الذي لحق إرادته العيب فيعتبر في نفس مركز ناقص الأهلية فلا تقوم الشركة بالنسبة لا في الماضي ولا في المستقبل.
  3. بطلان الشركة بسبب عدم توفّر الشروط الخاصة التي يتطلبها القانون في بعض أنواع الشركات كالشروط الخاصة بعدد الشركاء ومقدار رأس المال في شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة.

حالات عدم تطبيق نظرية الشركة الفعلية

وعلى العكس من ذلك، لا محل للاعتراف بالوجود الفعلي للشركة في الأحوال الآتية:

  1. بطلان الشركة بسبب انعدام أهلية أو رضاء أحد الشركاء.
  2. بطلان الشركة بسبب عدم توافر الأركان الخاصة بعقد الشركة مثل عدم تعدد الشركاء أو عدم تقديم حصص أو انتفاء نيّة المشاركة.
  3. بطلان الشركة بسبب عدم مشروعية محل أو سبب الشركة لأن تطبيقها في مثل هذا الفرض ينطوي على الاعتراف بالغرض غير المشروع الذي قامت عليه الشركة.

ونلاحظ في النهاية أنه لا مجال أيضًا لتطبيق نظرية الشركة الفعلية في حالة عدم مراعاة الأركان الشكلية التي تقوم عليها الشركة كعدم الكتابة أو عدم الشهر، لأن الجزاء يقتصر في مثل هذه الحالة على عدم جواز الاحتجاج بالشركة على الغير كما سبق القول.

آثار الاعتراف بوجود الشركة الفعلية

يترتب على الاعتراف بالوجود الفعلي للشركة في الفترة الواقعة بين إبرام العقد والحكم بالبطلان نتائج بالغة الأهمية سواء بالنسبة للشركاء أو بالنسبة للغير.

أما بالنسبة للشركاء فينبغي تصفية العلاقة بينهم كما لو كانت الشركة صحيحة قبل الحكم (أي في الماضي) وتعيّن حلها وتصفيتها بعد الحكم (أي في المستقبل). ويترتب على هذه النظرية النتائج الآتية:

  1. جواز إثبات الشركة الفعلية بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن.
  2. تتمتع الشركة الفعلية بالشخصية المعنوية وتعتبر تصرفاتها بما ترتبه من حقوق والتزامات صحيحة منتجة لآثارها سواء فيما بين الشركاء أو في مواجهة الغير.
  3. تخضع الشركة الفعلية للضرائب المقررة كما تستفيد من الإعفاءات الضريبية.
  4. تخضع تصفية الشركة الفعلية لنفس إجراءات التصفية التي تخضع لها الشركات القانونية. ومن ثم فهي تحتفظ بشخصيتها المعنوية بالقدر اللازم للتصفية إلى أن تنتهي التصفية (مادة ٢١٦). وعليه يجوز شهر إفلاس الشركة الفعلية متى توقفت عن دفع ديونها التجارية سواء نشأت هذه الديون قبل الحكم بالبطلان أو أثناء عملية التصفية. كما ترى غالبية الفقه أنه لا مانع من اتباع الشروط الواردة في عقد الشركة والمتعلقة بكيفية تعيين المصفي وسلطاته وطريقة توزيع الأرباح والخسائر وذلك رغم الحكم ببطلان هذا العقد.

أما بالنسبة للغير فمنهم من يكون له مصلحة في التمسك ببطلان الشركة في الماضي، أي بأثر رجعي، كدائن الشريك الذي يريد التنفيذ على المال الذي قدمه الشريك كحصة في الشركة، ومنهم من تكون له على العكس من ذلك مصلحة في التمسك ببقاء الشركة في الماضي كدائن الشركة الذي يريد التنفيذ على أموالها دون أن يتعرض لمزاحمة دائني الشركاء. ويعطي الفقه الغير حق الخيار بين التمسك ببقاء الشركة في الماضي أو طلب بطلانها بأثر رجعي حسبما تقتضيه مصلحته. أما إذا تعارضت مصالح الغير فتمسك البعض ببقاء الشركة وتمسك البعض الآخر بالبطلان فيجب الحكم بالبطلان لأنه الأصل في حالة عدم مراعاة الأوضاع القانونية.

المصدر

error:
Scroll to Top