نحو تطوير فلسفة وأساليب التعليم باللغات الأجنبية

نحو تطوير فلسفة وأساليب التعليم باللغات الأجنبية (1) منطق اللغة العربية الأم

مقالة نحو تطوير فلسفة وأساليب التعليم باللغات الأجنبية (1). منطق اللغة العربية الأم. بقلم: مصطفى عبيد. تاريخ النشر: 30 نوفمبر، 2019.

لو تخيلنا أي جهاز حاسوب أو حتى هاتف ذكي يعمل بدون وحدة المعالجة المركزية أو وحدة الحساب والمنطق. والتي تختص بكل من معالجة والتحقق من منطقية المهام والأوامر التي يتم إعطائها للجهاز بكافة الطرق والأشكال وبكل اللغات الإنسانية. ومن ثم ترجمتها إلى مهام مكتوبة بلغة الآلة التي تفهمها الأجهزة الإلكترونية. فإن النتيجة سوف تكون أشبه بالكوميديا. وذلك بسبب فقدان حلقة التواصل الأساسية بين الإنسان والآلة التي يحاول استخدامها. ويًصبح المشهد وكأنه حوار يدور من طرف واحد بين الإنسان وقطعة من المعدن المغلفة بالبلاستيك!

فمن يستخدم الحاسوب لكتابة مقال، مثلاً، ويقوم بالضغط على أزرار الأحرف الأبجدية بهدف الكتابة فإنه يختار الأحرف المناسبة لصياغة الكلمات والجمل والعبارات المختلفة التي يراها مناسبة، وتقوم وحدات المعالجة المركزية والحساب والمنطق بكل من المعالجة والتحقق من هذه الأحرف والكلمات والجمل والعبارات وتمريرها إلى الحاسوب بلغة الآلة التي يفهمها حتى تظهر بالشكل الذي تظهر به، وحقيقة الأمر أن الحاسوب لا يعرف هذه الكلمات أصلاً ولا يفهم معانيها. وإنما هي مجرد صور نقطية تم برمجتها بشكل مسبق ومعالجتها بشكل فوري باستخدام برمجيات وتطبيقات متخصصة. كما قامت بترجمتها وحدة المعالجة المركزية أو CPU. وتحققت منها وحدة الحساب والمنطق وظهرت بهذا الشكل.

النطق والمنطق و أساليب التعليم باللغات الأجنبية

والطفل الذي يبدأ بالنطق باللغة العربية باعتبارها اللغة الأم ويتأسس لديه “المنطق” اللغوي باللغة العربية، يًصبح وكأنه يمتلك ما يمكن أن نطلق عليه كل من “وحدة المعالجة المركزية العربية ووحدة الحساب والمنطق العربي”، وهي المناظرة لما يمتلكه جهاز الحاسوب، وبطبيعة الحال سوف تكون مهمتها المعالجة المركزية والتحقق من كل ما يسمعه أو يقرأه الطفل حتى يفهمه بعمق ويستوعبه بالشكل الصحيح الذي لا لبس فيه. ومن هذا المنطلق، فإنه يتوجب عند بدء تعليم هذا الطفل اللغات الأجنبية في مراحل التعليم المختلفة أن يتم إسناد وتمرير كل ما يتلقاه من كلمات وجمل وعبارات وقواعد أو علوم بكافة أنواعها إلى اللغة العربية. بحيث تسير منهجية تعلم اللغة الأجنبية بموازاة اللغة العربية الأم وليس بطريقة الإحلال.

الحكمة من أساليب التعليم باللغات الأجنبية

إن الحكمة من تعليم اللغات الأجنبية بالإسناد إلى اللغة العربية الأم وبموازاتها هي إخضاعها للمنطق اللغوي العربي الذي نما لدى الطفل ونطق به لأول مرة منذ ولادته واعتاد عليه في سنواته الأولى، وذلك لأن هذا المنطق أصبح بمثابة الأداة التي يستخدمها الطفل في فهم كل ما يحيط به ويمر به في حياته اليومية حتى وإن كان باللغات الأجنبية. وهذه الفلسفة في تعليم اللغات الأجنبية تختلف في جوهرها عن الترجمة التي تهدف إلى تحويل النص الأصلي المكتوب بلغة أجنبية إلى نص مكتوب باللغة العربية دون حاجة إلى فهم النص الأصلي. فالغرض هنا هو إخضاع اللغة الأجنبية للمنطق العربي، الأكثر دقة وصعوبة. وبالتالي فهي ترفع من قدرات ومهارات الطفل اللغوية من جهة وترتقي باللغة الأجنبية التي يتعلمها إلى مستويات أعلى من المنظور الأكاديمي من جهة أخرى.

وتكمن المعضلة في هذه الرؤية العلمية، التي نعتقد بصحتها، أن غالبية القائمين على العملية التعليمية يخلطون بين مسارات التعليم الأكاديمي للّغات الأجنبية، باعتبارها علوم مثلها مثل العلوم الأخرى وبين مسارات التعليم المهني لهذه اللغات التي تهدف غالباً إلى تنمية مهارة المحادثة باللغة الأجنبية، وقد يُفاجأ البعض بأن عدد كبير من الأمريكيين، مثلاً، يفشلون في اختبارات اللغة الإنجليزية الأكاديمية التي قد يجتازها بسهولة وبتفوق طفل عربي تعلم هذه اللغة على أسس عربية. هذا بالرغم من إتقانهم للمحادثة باللغة الإنجليزية بطلاقة لا يضاهيها طلاقة أي شخص عربي حتى وإن كان عالمًا بها، طالما نطق أولاً باللغة العربية.

تجزئة المنهج الدراسي

وحتى يتم إخضاع تعليم اللغات الأجنبية لمنطق اللغة العربية، ينبغي أولاً تجزئة المنهج الدراسي إلى أجزاء فرعية وتخصيص الحصص الدراسية المختلفة لكل جزء، بحيث تُشكل تلك الأجزاء في مجموعها قوام اللغة الأجنبية ككل. كأن يتم تخصيص حصة لجزئية القراءة والفهم وحصة للكتابة والخط، وحصة للإملاء، وحصة للقواعد، وحصة للمفردات وحصة للتعبير والإنشاء، وحصة للمحادثة الشفوية أو باستخدام الأدوات السمعية والبصرية. ثم بعد ذلك يتم إسناد عملية التعليم إلى اللغة العربية بالطريقة التي تُناسب كل جزء من تلك الأجزاء وبحسب الحاجة إلى المقارنة بمنطق اللغة العربية وإظهار مواطن التشابه أو الاختلاف مع المنطق اللغوي للّغة الأجنبية وأسباب هذا الاختلاف.

التحدث باللغة العربية

وفي الوقت الذي قد لا يلجأ فيه المدرس في الصف حتى إلى التحدث باللغة العربية في حصص معينة مثل الحصص المخصصة لجزئية المحادثة مثلاً، سوف يكون من الضروري، أو ربما من الواجب عليه، أن يشرح كل الدروس المقررة في الحصص المخصصة لجزئية القواعد باللغة العربية وبالإسناد إلى قواعد اللغة العربية حتى يتحقق الهدف من هذه الدروس، ومن أمثلة ذلك شرح درس الصفة والموصوف والفرق بينهما في اللغة الإنجليزية، حيث يتوجب شرح هذا الدرس باللغة العربية وبالإسناد إلى قواعد اللغة العربية وبالمقارنة معها، وأن تتم الإشارة إلى أن الأصل في اللغة العربية أن الصفة تتبع الموصوف بينما يكون هذا الترتيب معكوساً في اللغة الإنجليزية حيث أن الموصوف هو الذي يتبع الصفة. وإذا أراد المدرس أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فقد يشير أيضًا إلى أن اللغة الفرنسية تتشابه مع اللغة العربية في ترتيب الصفة والموصوف.

إن تعلم اللغات الأجنبية يعتبر أمرًا مهمًا في هذا العصر، بخاصة في عصر الإنترنت والتواصل الإلكتروني. ولكن ينبغي التفرقة هنا بين طرق تعليم اللغات من المنظور المهني التي تهدف غالبًا إلى تنمية مهارات وقدرات مهنية محددة لدى الأفراد، وبين طرق تعليم اللغات الأجنبية من المنظور الأكاديمي التي تهدف إلى تأسيس أجيال عربية تمتلك من الأدوات والقدرات ما يمكّنها من سبر غمار اللغات الأجنبية بالإضافة إلى مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية وعلوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات. بخاصة عندما يكون تدريس معظم تلك العلوم باللغات الأجنبية. وتلك معضلة أخرى أكثر تعقيدًا وربما أكبر من أن تكون مجرد معضلة تعليمية.

اقرأ أيضًأ: دعوة لاستكشاف أسرار اللغة العربية، بقلم: مصطفى عبيد

مقالات ودراسات أو أبحاث – مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات

المصدر

مقالة بقلم: مصطفى عبيد، منشورة بتاريخ: 30 نوفمبر، 2019

نحو تطوير فلسفة وأساليب التعليم باللغات الأجنبية (1) منطق اللغة العربية الأم
نحو تطوير فلسفة وأساليب التعليم باللغات الأجنبية (1) منطق اللغة العربية الأم
error:
Scroll to Top