نحو تطوير أنظمة المنافسات الرياضية العالمية وأهدافها الإستراتيجية

نحو تطوير أنظمة المنافسات الرياضية العالمية وأهدافها الإستراتيجية

(1) اعتبارات زيادة فرص التقاء وتعارف مختلف الأمم والشعوب

لو تخيلنا أن إحدى مدارس التعليم الأساسي أو الثانوي قامت بتجزئة الطلاب في كل صف إلى فئات مختلفة بحسب المستوى العلمي لهم أو مستوى مهارتهم في اللغة العربية أو الأجنبية مثلاً، أو حتى بحسب منطقة سكناهم، أو أية سمات أخرى، ووضعت كل فئة في شعبة منفصلة لوجدنا أن تلك السمات سوف تغلب على طابع نتائج امتحانات نهاية العام الدراسي في كل شعبة، وبطبيعة الحال سوف تكون هذه هي النتيجة المنطقية للتجزئة التي تم استخدامها، بحيث نجد أن الشعبة التي احتوت الطلاب ذوي المستوى المتدني في اللغة العربية هي الشعبة الأكثر رسوباً في مقرر اللغة العربية بالفعل، وبنفس الطريقة لو قمنا بالتجزئة بحسب سمات أخرى.

والغريب في هذه التجزئة الخطيرة، وهي افتراضية هنا وعلى سبيل المثال فقط، أن الطلاب الذين يتم تجزئتهم بهذا الشكل سوف يفقدون “جميعاً”، في كل الشعب، الكثير من فرص التعلم والتطوير المختلفة، سواء تلك الناتجة عن الاحتكاك المباشر ببعضهم البعض أو من خلال ملاحظة الأنشطة والأداء المتنوع في نفس الصف والإجابات، الصحيحة والخاطئة، والتفاعلات بين الطلاب من جميع المستويات وبين المدرسين، والنقاشات والاستفسارات التي قد تنشأ داخل الصف والمعلومات التي تتنقل في جميع الاتجاهات، ولكن الأهم والأخطر من ذلك هو فقدان الطلاب ذوي المستويات المتدنية لدوافع التعلم وتطوير الذات والطموح والغيرة الصحية التي كانت ستعزز من قدراتهم طوال فترة العام الدراسي بشكل تراكمي عند وجودهم مع بقية زملائهم من المتفوقين في نفس الصف.

وما يحدث في المنافسات الرياضية العالمية الحالية، من منطلق الأساليب المتبعة في حجز مقاعد النهائيات من خلال التصفيات الأولية التي تؤهل للوصول إليها وفق التجزئة بحسب القارات، هو أشبه ما يكون بعملية تجزئة الصفوف في المدارس بحسب سمات معينة، وهي تعتمد هنا على المكان المتمثل بالقارات، بحيث كرّس هذا الأسلوب مبدأ الفصل بين الدول التي تنتمي للقارات المختلفة طوال فترة التصفيات الأولية، التي تصل مدتها لأربع سنوات في رياضة كرة القدم الأكثر شعبية في العالم، وهذا الأمر عزّز من اضمحلال المستوى الرياضي الناتج عن تكرار اللقاءات بين الدول من نفس القارة في تلك الفترة الطويلة حتى وصلت لدرجة الرتابة والملل أحياناً، وسأترك للقارئ هنا تصور ما أحدثه ذلك من آثار سلبية تصل إلى حد العجائب على منتخبات دول عديدة متميزة تتعرض أحياناً لما يطلق عليه “مفاجآت” في النهائيات كل أربع سنوات كالهزيمة من منتخب متواضع من قارة مختلفة لم تسمح الفرصة باللعب مع مثيله أثناء التصفيات وربما لا تتكرر هذه المفاجأة إلا مرة كل مئات السنين بحسب نظرية الاحتمالات.

والعجيب في تلك المسألة أن هذه التجزئة، إضافة إلى أنها قد تظلم منتخبات وتُنصف منتخبات أخرى، أدت على مر سنوات طوال إلى تكريس ضعف مستوى قارات بأكملها وذلك نتيجة قلة الاحتكاك بالمنتخبات التي تنتمي لقارات أخرى قد تكون أكثر مهارة واحترافاً أو تنوعاً في طرق اللعب، كما أنه أثر أيضاً على قلة عدد المنتخبات التي يتم ترشيحها للنهائيات من القارة الضعيفة بأكملها، والذي يحدده المستوى العام لمنتخباتها إحصائياً، الأمر الذي أصبح كالحلقة المفرغة التي توجد السبب والنتيجة في آن معاً، فالمنتخبات التي تنتمي للقارة الضعيفة نسبياً سيظل مستواها ضعيف وستظل حظوظها قليلة في الترشح طالما أن عدد المنتخبات التي تترشح من هذه القارة للنهائيات قليل نسبياً بحكم أن منتخباتها ضعيفة، في ظل عدم الاحتكاك بالمنتخبات الأخرى المتنوعة وعدم تقدم مستواها على سلم الاتحاد الدولي لكرة القدم، حتى أننا نستطيع أن نلحظ في هذه القارات وصول المنتخبات التي يلعب في صفوفها لاعبين محترفين في دول متعددة أكثر من غيرها من الدول بالرغم من انتمائهم لنفس القارة، وهو ما يؤكد أن هناك أمل كبير في التطوير أذا توفر هذا الأمر لكل المنتخبات خلال فترة التصفيات الأولية بشكل مُنصف.

إن إعادة النظر في أسلوب تصفيات المراحل الأولى المؤهلة لنهائيات كأس العالم وإعادة هيكلتها وتركيبها بطرق ديناميكية مبتكرة مع اعتبار مبدأ زيادة فرص واحتمالات اللقاءات بين منتخبات الدول من جميع القارات وبكافة مستوياتها الرياضية وبمختلف أساليب اللعب لن يؤثر فقط على استفزاز الطاقات والإبداعات ورفع مستوى أداء وكفاءة كل المنتخبات المشاركة وكسر حالة الملل الناتج عن التكرار في كل قارة على حدة، والذي أدى للاضمحلال التراكمي لمستويات العديد من المنتخبات على المدى البعيد والبحث عن الاحتراف الذي قد لا يكون مناسباً لكل الدول من منظور وطني، ولكنه أيضاً، وبشكل أكثر أهمية، سيساهم في تأسيس التواصل المستمر والتعارف الثقافي بين كل الأمم والشعوب والقوميات من جميع القارات ومختلف الثقافات والانتماءات والأطياف والديانات وسيعزز من الدور المهم والإستراتيجي الذي ينبغي أن تؤديه الأنشطة والمنافسات الرياضية العالمية ضمن هذا السياق، بحيث يعمل الأسلوب الجديد على تجديد وتنويع اللقاءات الرياضية لكل منتخب وزيادة التواصل والتعارف الثقافي طوال فترة التصفيات في السنوات الأربع كاملة وليس فقط في فترة النهائيات التي تستمر لمدة شهر كل أربع سنوات.

error:
Scroll to Top