الضغط في الفريق العامل على المشروع

الضغط في الفريق العامل على المشروع

يشكّل الضغط في الفريق العامل على المشروع مسألة مهمة لأنها تطال فعالية الفريق وكل أعضائه. وفي أقصى الحالات، قد يتعرّض الفريق لضغوط كبيرة فيعجز عن أداء واجباته ويفشل المشروع. لذا من المهم أن يتوصل مدراء المشاريع إلى تحديد الأفراد والمجموعات المعرضة للضغوط كما عوارض الضغط في أولى مراحلها. وتوفر عملية التحديد المبكرة تلك فرصة للتدخل قبل أن تصبح المفاعيل خطيرة للغاية. والواقع أن إدارة الضغوط الفعالة تكون مفيدة في هذا الإطار. فنناقش أدناه العناصر الأساسية لنظام إدارة الضغوط.

أصول وعوارض الضغط لدى أعضاء الفريق

الجذور المؤدية إلى الضغط في الفريق

 يُبدي أعضاء الفريق العامل على المشروع قابلية عالية للتعرض للضغوط. وتشمل الأسباب النموذجية لهذا الاستعداد ما يلي:

  • خضوع أعضاء الفريق لإمرة مسؤولين عن المشروع ومسؤولين وظيفيين يصدرون في بعض الأحيان مطالب متضاربة على حساب أوقات عمل المستخدمين.
  • اضطرارهم للعمل في ظل حدود صارمة للوقت والتكلفة والجودة.
  • اتسام الفرق بمدة حياة قصيرة نسبيًا.
  • نزعة المشاريع إلى اتسامها ببعض التعقيد.
  • العمل في بيئة دائمة التغير.

لوحظ أن الضغط أصبح مرضًا مستوطنًا بعض الشيء بين القوى العاملة في الولايات المتحدة الأميركية وفي الاتحاد الأوروبي على مر العقد الماضي. ويعزى هذا الواقع لأسباب كثيرة ولعل أبرزها يتمثل بالنزعة الطويلة الأمد لخفض التكاليف. ففي الواقع، شهدت الاقتصاديات المتطورة نزعة مستمرة لخفض التكاليف منذ الثمانينات من القرن العشرين، ما ولّد بدوره ضغطًا لتحسين الفعالية. وخلفّت هذه النزعة بدورها نوعين من الضغوط على المستخدَمين، أولهما الحاجة الدائمة إلى بذل مجهود أكبر وثانيهما الخوف من خسارة العمل بما أن المخرجات نفسها تتطلب عددًا أقل من العمال. وقد عبّر عمال من معظم القطاعات عن وجهات نظر مماثلة.

وتجدر الإشارة إلى أن الضغط يتخطى مجرد كونه وجهًا مزعجًا من أوجه بيئة العمل المتطلبة، فهو يفضي إلى خسارة حقيقية في الإنتاجية والفاعلية ذلك أن المستخدَمين الخاضعين لمستويات عالية من الضغوط يأخذون عطلاً أكثر من المستخدَمين الخاضعين لمستويات مقبولة منه ويعودون بطبيعة الحال بفاعلية أقل.

مصادر الضغوط

تندرج مصادر الضغوط الرئيسية في الفريق العامل على المشروع في المجموعات الثلاث التالية:

  • الضغط الشخصي.
  • الضغط العملي.
  • الضغط البيئي.

ينبثق الضغط الشخصي من داخل العضو المعني في الفريق العامل على المشروع. وحتى لو خضع شخص ما لمستويات مقبولة من الضغوط ضمن الفريق العامل على المشروع، فقد تزيد المشاكل الشخصية من حدتها، ما يجعل مجموعها العام غير سليم. وتتمثل المشاكل الشخصية الواضحة بالاختلافات الزوجية والعائلية، والصعوبات المالية، والمسائل الصحية. والواقع أن هذه الضغوط لا ترتبط بتلك المولّدة داخل الفريق العامل على المشروع، لكنها تسهم في مستوى الضغط الشامل الذي يواجهه الفرد المعني.

تخرج الضغوط الشخصية عن سيطرة مدير المشروع بشكل شبه دائم ولكنه قد يحاول خفض مستوياتها من خلال تقديم النصح مباشرة إلى العضو المعني في فريقه أو من خلال إحالته إلى اختصاصي أو مستشار.

تنبثق الضغوط العملية من بيئة العمل. وتكمن الأمثلة الواضحة عنها في كمية العمل الكبيرة، والمسؤولية الفردية، والنزاع، ومسؤولية القيادة. فيسيطر مدير المشروع على هذه الضغوط ويمكنه اتخاذ بعض التدابير ليخفّضها. بيد أن جزءًا صغيرًا من كمية العمل العائدة إلى فرد واحد يعزى مباشرة إلى المشروع في ترتيبات عدّة لإدارة المشاريع. أما الباقي فيناط بالوحدة الوظيفية ويخرج عن سيطرة مدير المشروع.

تنبثق الضغوط البيئية من خارج الفرد ومكان العمل. وتكمن الأمثلة الواضحة عنها في الخوف من البطالة، ومستوى النشاط الاقتصادي الوطني، والتغييرات في التكنولوجيا، وممارسات العمل الجديدة، والتغييرات في الحكومة. وقد يشكل الخوف من البطالة ضغطًا كبيرًا على أشخاص كثيرين ويكون مزعجًا في أوقات الارتياب الاقتصادي والسياسي كما أنه قد يتولد من عناصر عالمية شأن مستوى النشاط الاقتصادي أو من عناصر أكثر تحديدًا شأن التكنولوجيا الجديدة التي جعلت الممارسات القديمة تكرارية.

لا يملك مدير المشروع أي سيطرة افتراضية على الضغوط البيئية والشخصية الناشئة داخل الفريق العامل على المشروع وسيطرة محدودة على الضغط العملي. لذا يصعب عليه أن يتفادى هذه المشكلة من خلال التخطيط والسيطرة.

أعراض الضغط في الفريق العامل على المشروع

اختبر معظم الأشخاص أنواع الضغط الثلاثة كلها في فترة ما من الزمن وهم بالتالي يألفون أعراضها الأساسية التي تندرج ضمن ثلاث فئات:

  1. الأعراض الجسدية.
  2. الأعراض النفسية.
  3. الأعراض السلوكية.

تشمل الأعراض الجسدية ارتفاع ضغط الدم وتزايد دقات القلب. أما الأعراض الأكثر حدة فتضم الغثيان المستمر، والشقيقة وآلام الرأس، وارتعاش الأطراف، والتعرق، والاضطرابات البصرية.

أما الأعراض النفسية فتنطوي على انقطاع النوم (يتجلى برغبة متدنية في النوم أو بنوعية سيئة من النوم)، والاكتئاب، والقلق. وتترافق هذه جميعها بخسارة للتحفيز والنشاط والرضى الوظيفي. وقد تشمل الأعراض الأكثر حدة فقدان القدرة على معرفة الاتجاه، وفقدان الذاكرة، والعدائية، وغيرها من الأعراض الجسدية الملموسة.

تشمل الأعراض السلوكية من جهتها فقدانًا للطاقة والحماس، وتزايدًا في الشكاوى وفقدان الهمة. وتضم الأعراض الأكثر حدة ارتفاع نسبة التغيب، وتدني نسبة الحضور، وتغيير أنماط وخصائص العمل، وعدم احترام القوانين وغيرها.

والواقع أن هذه الأعراض قد تلحق الضرر بالفريق العامل على المشروع. فالأعراض الجسدية مزعجة وتترك أثرًا على مخرجات وفعالية العضو المعني. أما الأعراض النفسية فتؤثر قطعًا في القدرة على التفكير المنطقي وطاقة الفرد العقلية في حين أن الأعراض السلوكية تترك أثرًا مباشرًا على فاعلية الفريق كله وعمله.

من المهم أن نعي أن مجموع مستويات الضغوط التي يتعرض لها الفرد تعتمد على المجموع التراكمي لأنواع الضغوط الثلاث التي يختبرها. وقد تكون المستويات الضئيلة للضغوط العملية والبيئية التي يختبرها الفرد مقبولة وإنما مجموع الضغط التراكمي قد يتخطى المستوى المقبول لدى الفرد.

مؤخرًا، راح القضاة يحكمون بمبالغ ضخمة من المال لصالح مستخدمين وضعتهم مؤسساتهم في أوضاع مسببة للضغوط أو يتحملون مستويات مفرطة من الضغوط ترتبط بمنصب يشغلونه. ويُتوقّع ازدياد عدد هذه الدعاوى ومستوياتها في المستقبل القريب. والواقع أن هذه النزعة تحمل المؤسسات وبالتحديد مدراء المشاريع عبء وضع أنظمة ومسارات تحدد ظروف العملية المرتبطة بالضغوط وتصحيحها قبل أن يتعرض الفرد للأذى.

إدارة الضغوط

إدارة الضغوط الفردية

أفضت التغييرات في مقاربات العمل وتوقعات رب العمل على مرور السنوات العشر الأخيرة إلى نشوء ثقافة تُعنى بمسألة الضغط. ففيما يجبر الناس على العمل بفعالية أكبر، تزايدت نسبة وقوع المشاكل المتصلة بالضغوط إلى حد كبير. وأفاد الأطباء بأن هذه المشاكل باتت الآن من أهم الأسباب التي تدفع المرضى إلى استشارتهم في المملكة المتحدة.

يتميز مستشارو الضغوط بقدرتهم على ولوج دراسات في إدارة الضغوط تقوم بها هيئة أبحاث مهمة. وترتبط النتائج الأساسية المستقاة من الأبحاث بـ:

  • النظام الغذائي الصحي.
  • الاستهلاك المحدود للتبغ والكحول (ما يصعب على بعض مدراء المشاريع القيام به).
  • التمارين الرياضية المنتظمة.
  • الوعي والضبط الجسديين.
  • التواصل.
  • التصالح وإعادة الاتساق الدوريين بين الغايات والحدود الشخصية.
  • المعاينة الذاتية النفسية وطلب النصح عند الضرورة.
  • الاستراحات والعطل الرسمية.

وقد ظهرت صلة دقيقة تربط النظام الغذائي غير الصحي وعدم ممارسة التمارين الرياضية بمستويات الضغوط المرتفعة. ولم تتضح بعد إذا كانت هذه العلاقة علاقة “الأسباب – بالمفاعيل” كما لم تتضح الاتجاهات التي سلكتها الأسباب والمفاعيل.

يسعى الضبط الجسدي إلى مجابهة الضغط والتخلص منه من خلال مجموعة من الطرائق بما فيها تعلّم كيفية السيطرة على تنشق الهواء والوظيفة التنفسية.

لعل التواصل يشكل عاملاً مهمًا لتفادي الضغط أو تخفيضه في حين أن العامل المساهم في تزايد نسبة الضغوط ينبع من عجز أشخاص عديدين عن التكلم على أسباب الضغط الذي يعانونه. من هنا، تتمثل نصيحة الأطباء العامين لمرضاهم الذين يعانون الضغط، بالاستعانة بمستشار الضغط. فإن مجرد توفر شخص يصغي إليهم يشكل فرقًا كبيرًا. ولا بدّ من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الفرق التي تصغي إلى كل فرد بتعاطف وتتواصل معه بشكل جيد، تتسم بعدد أقل من أعراض الضغط وبمستويات متدنية من الضغط.

إدارة الضغوط في الفريق العامل على المشروع

فيما لا تزال مقاربات الشركات لإدارة الضغوط متخلفة نسبيًا، بدأت مؤسسات عدة تعي أن الضغط يكلفها مبالغ طائلة من المال. فالتغيّب وانقطاع العمل وغياب الموثوقية تخلّف كلها مفاعيل على الإنتاجية والفاعلية في المؤسسة ككل. ونتيجة لذلك، شرع عدد متزايد من الشركات يطوّر ممارسات عملية تحاول ضبط نمو الضغوط العملية. وتشمل الممارسات العملية ما يلي:

إلغاء القيود التنظيمية

تعد الممارسات العملية المحددة والمطبقة بشكل صارم مصدرًا مهمًا للضغوط بالنسبة إلى الكثير من المستخدمين. ويكمن المثال عن ذلك في ساعات العمل الصارمة. فقد يواجه المستخدمون ذوو أولاد يقصدون المدارس تضاربًا بين ساعات إيصال الأولاد إلى المدرسة وجلبهم منها وساعات بدء العمل الرسمي وانتهائه. وفي ظل ظروف مماثلة، تقدم ساعات العمل المرنة مساعدة كبيرة ويتجلى البديل عنها بتقييم مساهمة الفرد في المشروع بحسب النتائج النهائية أي محصول عمله وليس استنادًا إلى الفترة الزمنية التي أمضاها في مكان العمل.

المنطقية

يجدر بمدراء المشاريع أن يضعوا أنفسهم مكان أعضاء الفرق العاملة على المشاريع. فمن شأن إقدامهم على هذه الخطوة أن يسمح لهم بإخضاع أعضاء فرقهم للمعاملة التي يرغبون هم بتلقيها في ظل ظروف مماثلة. وفي الواقع، تسهم التفاتات بسيطة شأن تفهّم عطلة يأخذها أحدهم لأسباب عائلية أو التغاضي عن التدني في الإنتاجية على المدى القصير (شرط أن يتم التعويض عنه في موقع آخر) في خفض نسبة الضغوط إلى حد كبير.

العدل

قلما تجد فريقًا عاملاً على مشروع يتسم أعضاؤه كلهم بنسبة التحفيز نفسها ويبذلون قصارى جهدهم. ففي الواقع، تضم معظم الفرق أعضاء أقل تحفيزًا أو مستائين يحاولون القيام بما يقل عن حصتهم من العمل. كذلك، قد تصادف أعضاء متفانين في العمل يقومون بما يتخطى حصتهم من المهمة كي يحافظوا على سير الفريق. وبوجه عام، يؤدي انعدام المساواة هذا إلى الشعور بالاستياء الذي يفضي بدوره إلى نشوء الضغط الناتج من العمل. من هنا، يجدر بمدير المشروع أن يحرص على تطبيق العدل من خلال توزيع كمية العمل بالتساوي على أعضاء الفريق كلهم استنادًا إلى قدراتهم. وأن يسهر على أن يقوم هؤلاء بأداء يوازي المستويات المطلوبة.

الانفتاح

من المهم أن يتمكن مدير المشروع من المحافظة على موقف يتسم بالانفتاح، إذ يسهل على أي شخص كان أن يدخل في روتين معين ويتوقع بالتالي التزامًا مستمرًا بالنظام. وبما أن المشاريع تسير في ظل ظروف من التغيير المستمر، فمن المهم أن يحدد مدير المشروع الموقع الذي يفرض فيه تغيير مواز في ممارسات العمل.

المرونة

يفرض المشروع مطالب متراوحة على مدير المشروع وأعضاء الفريق العامل على المشروع. ويشهد الطلب على العمل فترات ارتفاع حادة وفترات تراجع كبيرة. لذا يجدر مدير المشروع الحرص على استغلال فترات التراجع استغلالاً تامًا كي يسمح لأعضاء فريقه بأن يأخذوا فترة استراحة أو يخفضوا مخرجاتهم لمدة معينة من الزمن. والجدير بالذكر أن هذه المقاربة قد تكتسي قيمة نفسية عالية.

سهولة التعامل

يفترض بمدير المشروع أن يتبنى موقفًا يبدو فيه قريبًا من الموظفين. ففي الواقع، يشكل انعدام التواصل والشعور بالانعزال عنصرين مهمين في تطوير الضغط. وغالبًا ما يكون أعضاء الفريق أكثر سعادة عندما تتوافر لهم إمكانية الاقتراب من مدير المشروع وشرح مخاوفهم وقلقهم. وفي هذا السياق، يشيع قول مأثور في المملكة المتحدة مفاده “المشكلة المتشاركة مشكلة منقسمة”. ولا شك في أن هذا القول يحتوي على بعض من الصحة كما يشكل أداة فعالة لإدارة الضغط.

راجع موضوعات كتاب إدارة المشاريع:

المصدر

  • التواصل ضمن الفريق العامل على المشروع، الوحدة الثانية من كتاب إدارة المشاريع، تأليف الأستاذ ألكسندر روبرتس والدكتور وليام والاس، جامعة هيريوت وات، كلية إدارة الأعمال، إدنبرة، إسكتلندا، المملكة المتحدة.
  • موسوعة إدارة المشاريع، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات.
error:
Scroll to Top