الإشراف الحكومي على التأمين

الإشراف الحكومي على التأمين

تهتم دول العالم جميعًا بالإشراف والرقابة على هيئات التأمين الخاصة عن طريق مراقبة معاملاتها مع المستأمنين وكذلك سلوكها المالي والفني بالنسبة للأموال التي تخصهم. ولا تختلف الدول الرأسمالية عن الدول الاشتراكية في اعتقادها بضرورة عملية الإشراف الحكومي على التأمين والرقابة عليه.

وتحتاج عمليات الإشراف والرقابة إلى مجموعة من القوانين الملزمة التي تحدد أبعادها ومعالمها. كما تحتاج أيضًا إلى هيئة فنية منظمة تقوم بتطبيق القوانين واللوائح تطبيقًا فنيًا عادلاً على هيئات التأمين التي تخضع لأحكامها بمختلف أنواعها. وفي البلاد الرأسمالية – مثل الولايات المتحدة الأمريكية – يصدر قانون للإشراف والرقابة ويقوم بتطبيقه مدير أو محافظ التأمين Insurance Commissioner الذي يرأس دائرة يطلق عليها دائرة أو محافظة أو لجنة التأمين تتبع عادة الجهاز الاقتصادي في الولاية أو الدولة. ويقتصر إشراف دائرة التأمين هذه على هيئات التأمين الخاصة سواء كانت تبادلية أو تجارية. كذلك تنصب عمليات الإشراف على الهيئات المساعدة لهيئات التأمين من توكيلات عامة ومكاتب إنتاج ومكاتب أسعار ومكاتب تقييم ومكاتب خبرة سواء كانت للمعاينة أو لتوزيع الخسارة. كذلك يمتد الإشراف ليغطي نشاط اتحادات التأمين المحلية ونشاطها بالنسبة لأعمال الاتحادات الإقليمية والعالمية المشتركة في عضويتها.

تطور الإشراف الحكومي على التأمين في مصر

صدر في مصر عام 1939 أول قانون للإشراف والرقابة على هيئات التأمين. وفي نفس العام أنشئ مكتب للتأمين كان يتبع لوزارة المالية آنذاك لتطبيق القانون ولائحته التنفيذية على شركات التأمين المصرية والأجنبية التي كانت تعمل في سوق التأمين المصرية. وقد كان نتيجة لصدور قانون الإشراف والرقابة المذكور أن نشأت بوزارة المالية لجنة استشارية للتأمين لتساهم في عملية الإشراف والرقابة على أسواق التأمين.

وصدر القانون الثاني للإشراف والرقابة في عام 1950، وبمقتضاه تغير اسم اللجنة الاستشارية للتأمين إلى مجلس التأمين الأعلى. كذلك نص القانون الجديد على تشكيل لجنة أخرى أطلق عليها لجنة الرقابة على هيئات التأمين تختص بالنظر فيما يقدم إليها من طعون في قرارات مصلحة التأمين.

وفي عام 1961 صدر القانون رقم 899 الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للمؤسسات العامة، والذي ترتب عليه إنشاء المؤسسة المصرية العامة للتأمين. ومنذ ذلك التاريخ أصبح دور الإشراف والرقابة على هيئات التأمين الخاصة في السوق المصرية موزعًا بين المؤسسة ومصلحة التأمين. وقد ترتب على هذا الاشتراك أن ظهرت الرقابة المزدوجة على هيئات التأمين كما لم يتيسر وجود حد فاصل بين دور مصلحة التأمين ودور المؤسسة في عملية الإشراف هذه.

ونستعرض فيما يلي أعمال الإشراف والرقابة وتطورها في مصر في ظل هيئات الإشراف المتتابعة. وعلى الأخص مصلحة التأمين والمؤسسة المصرية العامة للتأمين.

مصلحة التأمين

كان سوق التأمين المصرية في بداية القرن الحالي خاليًا من شركات التأمين المصرية إلا شركة واحدة، في حين أنه كان يزخر بفروع وتوكيلات شركات أجنبية. وخلال الثلاثينات تزايد عدد الشركات المصرية إلى أن صار ست شركات، وبالرغم من ذلك بقيت السوق وما بها من شركات مصرية ومكاتب وفروع للشركات الأجنبية بدون هيئة تشرف عليها أو تراقب العمليات التي تقوم بها وحداتها.

وفي 25 أغسطس 1939 صدر أول قانون للإشراف والرقابة على هيئات التأمين بالسوق المصرية وهو القانون رقم 92 لسنة 1939. وقد ترتب على صدوره أن أصبح يخضع لأحكامه الهيئات المصرية والأجنبية التي تزاول عمليات التأمين بمصر على اختلاف أنواعها، ما عدا هيئات التأمين البحري وإعادة التأمين. وكان نتيجة لصدور القانون سالف الذكر أيضًا أن أصبح مكتب التأمين يقوم بتنفيذ أحكامه على هيئات التأمين الموجودة في السوق المصرية. وقد تغير اسم المكتب في مدى عشر سنوات إلى إدارة التأمين ثم إلى مراقبة التأمين.

وفي 23 ديسمبر 1950 صدر القانون رقم 156 لسنة 1950 الخاص بالإشراف والرقابة على هيئات التأمين ليحل محل القانون الأول. وقد ترتب على صدور القانون الثاني هذا أن تغير اسم مراقبة التأمين وأصبح مصلحة التأمين. ومنذ عام 1950 حتى عام 1966 كانت تقوم مصلحة التأمين بتنفيذ أحكام قانون الإشراف والرقابة على هيئات التأمين في مصر.

وكانت تهدف المصلحة إلى تحقيق رسالة واضحة المعالم في سوق التأمين. فمن أهدافها الرئيسية إرساء سوق التأمين على أسس فنية سليمة عند حساب قسط التأمين بما يكفل تحقيق العدالة لكل من المستأمنين ولهيئات التأمين المختلفة. كذلك كان يقع على عاتقها الرقابة المستمرة على التغييرات في تلك الأسس الفنية مما قد يؤدي إلى تعديل الأقساط الخاصة بالتأمينات على مختلف أنواعها.

اختصاص أعمال مصلحة التأمين

وإلى جانب تلك الأهداف كانت تختص المصلحة بأعمال محددة يمكن إجمال أهمها فيما يلي:

  1. الرقابة على فحص المركز المالي لهيئات التأمين وتكوين الأموال على فترات متقاربة للتأكد من مدى متانة مركزها المالي وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها قِبل حملة الوثائق والمستفيدين منها حسب القانون رقم 195 لسنة 1959.
  2. الإشراف على صناديق التأمين الخاصة تطبيقًا لأحكام الباب الثالث من قانون الإشراف والرقابة على هيئات التأمين رقم 156 لسنة 1950.
  3. الإشراف والرقابة على عمليات التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات تنفيذًا لأحكام القانون رقم 652 لسنة 1955.
  4. إدارة صندوق الضمان الحكومي لضمانات أرباب العهد من موظفي ومستخدمي الحكومة تنفيذًا لأحكام لائحة الصندوق.

المؤسسة المصرية العامة للتأمين

أنشئت المؤسسة المصرية العامة للتأمين في 16 ديسمبر 1961 طبقًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 899 لسنة 1961 الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للمؤسسات العامة. وقد أنشئت المؤسسة بغرض الإشراف على تخطيط وتوجيه قطاع التأمين بما يتفق والاتجاهات العامة بعد أن تحقق تمصيره بالقانون رقم 23 لسنة 1957 وتأميمه بالقانون رقم 117 لسنة 1961.

ومن المؤكد أن وظيفة المؤسسة هي امتداد لوظيفة شركات التأمين وخاصة بالنسبة لوظيفة الإدارة العليا فيها. فالمؤسسة عليها أن تقوم بأعمال التخطيط والتنسيق وتوجيه شركات التأمين التي هي ملك كامل للدولة. وهذا بالطبع يختلف أساسها عن وظيفة مصلحة التأمين إذ أن دورها يقتصر على أعمال الرقابة التي تقوم بها للتأكد من جدية الخدمات التأمينية المقدمة للجمهور، ومن متانة المركز المالي لشركات التأمين. ومن محاولة الفصل في المنازعات بين حملة الوثائق وشركات التأمين هذه.

وبالرغم من هذا فإن الجهات المختصة في وزارة الاقتصاد رأت إدماج مصلحة التأمين في المؤسسة المصرية العامة للتأمين خلال عام 1996. وقد أدى هذا إلى قيام المؤسسة بوظيفتين متعارضتين في سوق التأمين المصرية، فأصبحت خصمًا للمستأمنين على أساس أنها المسئولة عن عملية الإشراف على إدارة شركات التأمين، كما أصبحت حكمًا بينهم و بين تلك الشركات على أساس أنها المسئولة عن عملية فض المنازعات بينهم. وعلى الأخص تلك المنازعات المتعلقة بسلامة حساب القسط ومبالغ التأمين والتعويض واستحقاقها وسدادها في مواعيدها.

قوانين الإشراف والرقابة

سبق أن أشرنا إلى أن أول قانون صدر في مصر للإشراف والرقابة على هيئات التأمين كان القانون رقم 92 لسنة 1939. وقد ترتب على صدوره خضوع الهيئات المصرية والأجنبية التي تزاول عمليات التأمين بمصر لأحكامه ما عدا هيئات التأمين البحري وإعادة التأمين. كما قد أعقب ذلك صدور القرار الوزاري رقم 60 لسنة 1940 باللائحة التنفيذية التي تنظم تطبيق القانون المذكور. وقد اعتبر القانون خطوة مبدئية لفرض الرقابة على هيئات التأمين في مصر كانت تقتضيها ظروف الانتقال.

ثم صدر القانون رقم 156 لسنة 1950 الخاص بالإشراف والرقابة على هيئات التأمين وتكوين الأموال ليحل محل القانون الأول. وفي عام 1952 صدر القرار الوزاري رقم 49 لسنة 1952 باللائحة التنفيذية للقانون المذكور لكي توضح الأسس العلمية لتطبيقه.

ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 23 لسنة 1957 ومن بعده القانون رقم 195 السنة 1959 وكلها تنظم أو تعدل عمليات الإشراف والرقابة سواء في مصر أو في الجمهورية العربية المتحدة بشقيها – كما كان الغرض من القانون الأخير – ولكن لم تظهر أية قرارات وزارية بلائحة تنفيذية لأي منهما ما استدعى تطبيق اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون رقم 156 لسنة 1950 حتى يومنا هذا.

قانون هيئات التأمين

ويعرض على مجلس الشعب في دورته الآنية التي تبدأ في نوفمبر 1971 مشروع قرار بإصدار قانون هيئات التأمين يتمشى مع الوضع الحالي لسوق التأمين المصرية. ومشروع القانون الجديد مقسم إلى أربعة أبواب رئيسية الثلاثة الأولى منها مقسمة إلى عدة فصول. وهي كما يلي:

الباب الأول

الباب الأول من القانون مخصص للأحكام العامة وينقسم إلى ستة فصول فرعية، فيخصص الفصل الأول من الباب الأول بالإشراف والرقابة على شركات التأمين من حيث الشركات التي لها حق مزاولة أعمال التأمين في السوق المصرية وتقسيم عملات التأمين والرسوم التي تدفعها الشركات للمؤسسة.

ويختص الفصل الثاني بإنشاء وتسجيل شركات التأمين من حيث أصحاب هذا الحق – المؤسسة فقط – وطريقة الترخيص. والمستندات اللازمة لذلك وشطب تسجيل الشركة في حالة انقضائها. وطريقة الحصول على مستخرجات من المستندات والبيانات، ومن لهم الحق في ذلك.

ويختص الفصل الثالث بوسطاء التأمين والشروط اللازم توافرها فيهم. وطريقة قيدهم في السجل، وطريقة تعاملهم مع شركات التأمين.

والفصل الرابع يختص بخبراء المعاينة وتقرير الأضرار، وتسجيلهم. وطريقة اختيارهم، والتعامل معهم.

ويختص الفصل الخامس بالخبراء الاكتواريين والتعريف بهم وأعمالهم واختصاصاتهم وطريقة الترخيص لهم بالعمل.

ويختص الفصل السادس والأخير باتحاد شركات التأمين وطريقة إنشائه ومن له الحق في ذلك واعتماد تكوينه والتصديق على نظامه.

الباب الثاني

أما الباب الثاني من مشروع القانون فيختص بواجبات شركات التأمين وينقسم إلى فصلين فقط. ويختص الفصل الأول منه بأحكام عامة في واجبات شركات التأمين، وعلى وجه الخصوص إعادة التأمين، وأموال شركات التأمين. وسجلات وحسابات شركات التأمين، وتحويل الوثائق ووقف العمل في حالات معينة.

ويختص الفصل الثاني من الباب الثاني بأحكام خاصة بشركات التأمين على الحياة وتكوين الأموال وخاصة بالنسبة للأسعار، وفحص المركز المالي لفروعه وشروط المدة بالنسبة لعقود تكوين الأموال. ومهلة دفع القسط، وطريق عمل اليانصيب على الوثائق المصرح لها بذلك.

الباب الثالث

أما الباب الثالث من القانون فيختص بأحكام متعلقة بصناديق التأمين الخاصة ويتكون من ستة فصول. ويختص الفصل الأول بأحكام عامة متعلقة بتعريف الصناديق الخاصة وتكوينها وشروطها.

ويختص الفصل الثاني بتسجيل الصناديق في السجل الخاص بالمؤسسة. وسداد الرسوم والمستندات اللازمة لذلك، والمزايا المختلفة التي تتمتع بها الصناديق وخاصة بالنسبة للإعفاءات من الرسوم والدمغة.

وختم الفصل الثالث بواجبات الصندوق وحساباته بالنسبة للالتزامات قِبل الأعضاء وطريقة إمساك الحسابات ومراجعتها وانتهاء السنة المالية وفحص المركز المالي للصندوق.

والفصل الرابع يختص بتحويل الصناديق وشطبها والحالات التي يتحتم فيها ذلك والعقوبات المالية المختلفة التي يمكن أن تفرض على الصندوق.

ويختص الفصل الخامس بالجمعية العمومية وتكوينها ودعوتها للانعقاد وفعالة قراراتها بعد التصديق عليها من المؤسسة.

ويختص الفصل السادس والأخير بمجلس الإدارة، وتنظيمه، وعدد أعضائه. والشروط الواجب توافرها في العضو، ومدة العضوية واختصاصاته، وسلطة المؤسسة في حله.

الباب الرابع

أما الباب الرابع والأخير فيختص بالعقوبات نتيجة عرض وثائق تأمين أو إبرامها أو التوسط فيها قبل تسجيل الشركة أو بعد شطبها. وكذلك يختص بالعقوبات التي تفرض على خبراء المعاينة ووسطاء التأمين ورؤساء وأعضاء مجالس إدارة صناديق التأمين.

كما يعرض على مجلس الشعب مشروعات بقوانين أخرى لصالح قطاع التأمين من أهمها:

مشروع قانون بإنشاء الصندوق المشترك للتأمين الإجباري من حوادث السيارات ينص على ضمان سداد التعويضات في حالة عدم وجود وثائق تأمين أو عدم معرفة المتسبب في الحادث Hit & Run.

مشروع قانون بإعفاء أقساط التأمين على الحياة من ضرائب الأرباح التجارية والصناعية، وكسب العمل. وكذا إعفاء مبالغ التأمين من ضريبة الأيلولة على التركات في حدود معينة.

المراجع

  • كتاب الخطر والتأمين – الأصول العلمية والعملية. تأليف: الدكتور سلامة عبد الله، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 1967، 1974.
  • موسوعة التأمين، العلوم المالية والمصرفية، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات، 2023.
error:
Scroll to Top