الأوراق التجارية – تعريفها وخصائصها وتعدادها ووظائفها

ملخص المحتوى

الأوراق التجارية – تعريفها في القانون التجاري وخصائصها وتعدادها. الكمبيالة، السند الإذني، السند لحامله أو السند لأمر، الشيك. وظائف الأوراق التجارية وتشريعها. خصائص الالتزام الصرفي.

المحتويات

الأوراق التجارية

يغلب أن تكون المعاملات بين التجار بالأجل، وهو وضع تفرضه المصلحة المشتركة للمتعاملين، لأن التاجر لا يحتفظ في خزانته عادة بمبالغ نقدية كبيرة يستطيع أن يفي منها التزاماته، بل إن كثيرًا من أصوله تتمثل في حقوق له لدى الغير. فإذا اشترى تاجر التجزئة بضاعة مثلاً من تاجر جملة فهو لا يسوي مركزه معه فورًا بل يحتاج الى مهلة يستطيع فيها تصريف البضاعة ويدفع دينه لتاجر الجملة من ثمن بيع هذه البضاعة. وكذلك الأمر بالنسبة لتاجر الجملة. فهو لا يستطيع أن يدفع ثمن البضاعة التي اشتراها من المصنع بمجرد شرائها إذ تعوزه النقود الكافية. بل هو لا يستطيع ذلك بمجرد بيعها لتاجر التجزئة إذ عليه أن ينتظر حتى يستوفي حقّه من تاجر التجزئة فيقوم بدوره بوفاء ما عليه للمصنع. كذلك حال المصنع أيضًا بالنسبة لبائع المواد الأولية، وهكذا.

ولكن الدائن قد لا يرضى بمنح المدين التاجر أجلاً، أما لأنه لا يثق فيه، وإما لأنه – مع ثقته – يحتاج إلى نقود عاجلة يفي بها ديونًا عليه لا تحتمل التأخير كأجور عمّاله وأجرة محله مثلاً، لذلك لجأ العمل الى أداة تغني عن النقود، تقنع الدائن بقبولها، وتمكنه من الحصول فورًا على نقود من غير طريق مدينه، تلك هي الأوراق التجارية.

الأوراق التجارية صكوك

والورقة التجارية هي – بوجه عام – صك يثبت فيه المدين تعهدًا، لصالح الدائن، أن يدفع بعد أجل معين المبلغ الذي كان عليه أن يدفعه فورًا، أو يأمر أحد مدينيه أن يدفع في تاريخ معيّن لصالح المستفيد من الورقة مبلغًا من الحق الذي للآمر عند المأمور بالدفع. وفي الحالتين يأذن المدين، الذي حرر الورقة، الدائن المستفيد منها أن يحوّل حقه فيها إلى شخص آخر ويفيد المستفيد من هذه الرخصة عادة بأن يحوّل الورقة إلى أحد البنوك بعملية تسمى الخصم Escompte فيدفع البنك إليه قيمة الورقة ويصبح هو صاحب الحق فيها. وذلك نظير عمولة للبنك يخصمها من المبلغ الذي يدفعه الى من قدم إليه الورقة وفائدة المبلغ حتى تاريخ استحقاقه. ويحتفظ البنك بالورقة حتى يحل موعد استحقاق الدين الثابت فيها فيتقدم الى المدين يطلب منه وفاءها. وقد يرى البنك خصمها لدى بنك آخر، فيحصل على حقه نقدًا قبل موعد استحقاقه الورقة.

وترى من هذا أن المعاملات التجارية تحيا على الائتمان، وأن الأوراق التجارية هي أداة هذا الائتمان. إذ يمنح الدائن ائتمانه للمدين بقبوله الوفاء بطريق الكمبيالة أو السند للأمر. ويمنح بنك الخصم ائتمانه للدائن بقبوله تحويل الصك إليه. ويمنح البنك المركزي ائتمانه لبنك الخصم بقبوله إجراء إعادة الخصم. وهكذا يقوم في الوسط التجاري بنيان من الائتمان تتساند جدرانه وأركانه بحيث إذا نقض ركن منها بامتناع أحد المدينين عن الوفاء فقد يؤدى هذا إلى خلل في عدة مراكز مالية. لهذا حاول القانون التجاري حماية الائتمان. فأودع الصك التجاري ضمانًا قويا، فقضى بتضامن كل الموقّعين عليه في الوفاء بقيمته، وملك الحامل مقابل الوفاء، وسهّل طرق التنفيذ على المدين. وحدد لهذا التنفيذ مواعيد قصيرة ليحث الدائن على الإسراع في المطالبة بحقوقه، وليجبر المدين على الوفاء بذات السرعة.

الأوراق التجارية يستعملها التجار وغير التجار

وهكذا تمكّن الأوراق التجارية للدائن أن يتحصّل فورًا على حقه نقدًا. وتمكّن للمدين من أن يتمتع بالأجل الذي يلزمه. ونلاحظ – قبل تعريف هذه الأوراق وبيان خصائصها – أن وصفها بالتجارية لا يعني أنها مقصورة على طائفة التجار أو الأعمال التجارية، بل أن هذه التسمية تشير إلى أنها نشأت عن حاجة التجارة وانتشرت بين التجار، ولكننا سنرى أن للتاجر ولغير التاجر أن يحرر ورقة تجارية وسواء لتسوية عملية تجارية أو عملية مدنية.

تعريف الورقة التجارية

ولم يضع المشرّع تعريفًا جامعًا للأوراق التجارية، بل أنه اقتصر على تنظيم أحكامها تنظيمًا راعى فيه الغايات التي خُلقت هذه الأوراق لخدمتها. ومن النصوص يبيّن أن المشرع ينظر إلى الأوراق التجارية باعتبارها صكوكاً وظيفتها أن تقوم مقام النقود في الوفاء.

هذه الوظيفة التي يسندها المشرّع إلى الورقة التجارية – أي وظيفة الوفاء –  دفعته إلى اشتراط شروط معيّنة كفيلة بضمان أدائها هذه الوظيفة، كما أضاف إليها العرف والقضاء شروطًا أخرى قصد بها ذات الغاية.

لذلك نعرّف الأوراق التجارية بأنها “صكوك مكتوبة، بشكل قانوني محدّد تتضمّن التزامًا بدفع مبلغ من النقود في وقت معين أو قابل للتعيين، ويمكن نقل الحق الثابت فيها بطريق التظهير أو المناولة”.

فالأوراق التي لا تنتقل الحقوق الثابتة بها بمجرد التظهير والسندات التي يكون الدين بها مقسطًا، والسندات التي تتصل بأمور أخرى بعيدة عن مجرد ثبوت الدين بذمة المدين وميعاد دفعه، كتعليق حلول أجل السداد على أمر خارجي غير مضي ميعاد الاستحقاق، وكالتزام المدين بأداء عمل معيّن لشخص دائنه مع تعهده بسداد الدين – هذه الأوراق لا تعتبر من “الأوراق المحررة لأعمال تجارية” وإذن فعقد الإقرار بالدين الذي يشمل فضلاً عن هذا الإقرار بالدين تأمينًا عقاريًا والذي جعل السداد فيه على أقساط شهرية والذي يتضمن التزامات أخرى من جانب المدين لا علاقة لها بالمديونية كالتزامات شراء بضائعه من محل تجارة دائنه، ويجعل هذا الالتزام مرتبطًا بالمديونية. ويرتب على عدم القيام بتنفيذه سقوط الحق في الأجل واستحقاق جميع الأقساط الشهرية – هذا العقد لا يمكن اعتباره “من الأوراق المحررة لأعمال تجارية” على المعنى الذي تقصده المادة 194 من قانون التجارة.

خصائص الأوراق التجـارية

من تعريف الأوراق التجارية نستطيع أن نبرز الخصائص الجوهرية اللازمة في الورقة لكي يمكن اعتبارها ورقة تجارية تخضع للأحكام الخاصة بهذه الأوراق. فإذا تخلّفت خاصية منها لم نكن أمام ورقة تجارية، لا صحيحة ولا معيبة.

والفكرة الأساسية في هذه الخصائص أنها تمكّنها من أداء وظيفتها كبديل للنقود وتمكنها – لذلك – من أن تنطلق في التداول.

1. الأوراق التجارية صكوك بها بيانات معينة

ومعنى ذلك أن الصك المادي ليس مشروطًا فقط لإثبات الالتزام الثابت فيه بل هو شرط وجود. مما دفع الشُرّاح إلى القول إن الورقة التجارية تصرّف شكلي. ولذلك لا تنطبق أحكام القانون الخاصة بالأوراق التجارية ما لم تكن هناك ورقة متضمنة البيانات المطلوبة قانونًا ولو ثبت مضمون الورقة بدليل آخر كالإقرار.

2. الكفاية الذاتية للأوراق التجارية

ولا يكفي لاعتبار المحرر ورقة تجارية أن تتضمّن البيانات المطلوبة قانونًا، بل يجب أن يكون هذا المحرر كافيًا بذاته لبيان مدى الالتزام الثابت به وأوصافه بحيث تكفي مجرد النظرة إليه لتحديد الحقوق التي يتضمنها المحرر ومداها. وعلى ذلك إذا أحال المحرر – في تحديد الحقوق الثابتة به أو مداها أو وصفها – إلى واقعة خارجة عنه فقد شرط الكفاية الذاتية وبالتالي فقد وصف الورقة التجارية وخضع للأحكام العامة في الالتزامات دون الأحكام الخاصة بالأوراق التجارية.

والمقصود بالكفاية الذاتية أن لا تكون الإحالة خاصة بالالتزامات والحقوق الثابتة بالورقة أو بمداها أو أوصافها. أما إذا كانت الإحالة خاصة بواقعة لا توثر في حقوق الحامل وواجباته فلا تمنع وصف الورقة التجارية الصحيح عن المحرر. ولذلك حُكم أنه إذا ذُكر في السند الإذني أن القيمة وصلت “طبقًا للعقد المحرر اليوم، مع استيفائه لجميع البيانات المطلوبة قانونًا فإن هذا لا يعيب السند ما دام لم يذكر فيه أن وجود الدين نفسه أو تحديد المبلغ الواجب دفعه أو ميعاد الوفاء يخضع لشروط العقد المُشار إليه.

ولكن يسقط شرط الكفاية الذاتية إذا كانت الإحالة تجعل نهائية الورقة أو مصيرها مرتبطًا بمصير واقعة أخرى خارجة عنها. لأن الغير الذي قد تنتقل إليه الورقة يتعذّر عليه معرفة مصير الحقوق الناشئة عنها. فلا تعتبر أوراقًا تجارية السندات الإذنية التي لا تكون كافية بذاتها وتحيل إلى عقد آخر، كصلح ودي مما يجعل الالتزام الثابت خاضعًا لشروط العقد المشار إليه.

ويتعارض كذلك مع ضرورة الكفاية الذاتية للورقة أن يصحح عيب أو نقص فيها بعمل أو واقعة خارجة عنها. فإذا تخلّف ذكر موعد الاستحقاق في السند فقد صفته كورقة تجارية وتحوّل سندًا عاديًا. ولا يتأتى إصلاح هذا السبب في بيان منفصل عنه.

3. موضوعها التزام بدفع مبلغ نقدي

أن يكون موضوع الورقة التزامًا بدفع مبلغ نقدي محدد في تاريخ واحد معين أو قابل للتعيين

وذلك لأن توافر هذا الشرط هو الذي يقنع الدائن بقبولها بدلاً من النقود. إذ تكون لها قيمة ثابتة محددة سلفًا. أما لو كان موضوعها التزامًا بتسليم بضاعة أو بالقيام بعمل فإنه يتعذّر تحديد قيمتها ويتعذّر على حاملها أن يحصل على نقوده في كل وقت، فقد لا يجد مشتريا لها، وقد تهبط قيمتها بهبوط سعر البضاعة التي تمثلها.

ولذلك لا يعتبر سند الشحن الذي يمثل البضاعة المنقولة ولا تذكرة النقل ولا الإيصال الذي يسلّمه المخزن العمومي عن البضاعة المودعة أوراقًا تجارية ولو استوفت باقي الشروط اللازمة في الأوراق التجارية، وحتى ولو ذكر في المحرر قيمته.

ولا يكفي أن ترد الورقة على مبلغ نقدي، بل يجب أن يكون موضوعها التزامًا بدفع هذا المبلغ. فاذا كان موضوعها مجرد اعتراف بالدين دون التعهد بوفاته في تاريخ معين لم تعتبر ورقة تجارية. ولهذا السبب لا تعتبر الفاتورة التي يحررها البائع ويوقعها المشترى المدين ورقة تجارية. إذ لا تعدو أن تكون مجرد إقرار بالدين، وحتى ولو تضمّنت بقية الشروط.

ومن الجائز اشتراط دفع فائدة عن المبلغ المذكور في السند عن الفترة بين تحريره واستحقاقه بإجراء عملية حسابية بسيطة طالما أن بيانات المبلغ وسعر الفائدة وتاريخي التحرير والاستحقاق مذكورة في السند. وإذا اُتفق على الفوائد دون تحديد سعر لها، وجب حسابها على أساس السعر القانوني المعمول به وقت إنشاء السند. ومع ذلك فقد جرت العادة على إضافة الفوائد إلى أصل المبلغ بدلاً من ذكرها منفصلة، إلا إذا كان السند مستحق الأداء بمجرد الاطلاع، إذ يتعذر عندئذ على المحرر عند إنشاء السند تعيين اليوم الذي سيتقدم به الحامل للمطالبة بالوفاء ليجري حساب الفوائد مقدمًا على أساسه. ولا مناص في هذه الحالة من ذكر شرط الفائدة منفصلاً.

الأسهم والسندات ليست من الأوراق التجارية

ولهذا السبب ذاته لا تعتبر الأسهم والسندات أوراقًا تجارية. بل تسمى أوراقًا مالية، وذلك لأن السهم لا يمثل دينًا على الشركة التي أصدرته، وهي لا تتعهّد بوفاء قيمته، بل إن حق حامله هو حق الشريك في الإدارة وفي الربح وحقه في اقتسام موجودات الشركة عند انحلالها. كذلك السند فهو يمثل دينًا على الشخص الذي أصدره ولكنه مع ذلك لا يُعدّ ورقة تجارية. لأنه في الغالب يعطى فائدة دورية يتقاضاها حامله حتى يحل موعد وفائه. في حين أن دين الورقة التجارية حتى لو كان يعطي فائدة فهي تُستحَق مرة واحدة مع أصل الدين. فضلاً على أن التجار لا يقبلون تداول السندات بالطرق السهلة السريعة التي تتداول بها الأوراق التجارية لأن قيمة السند تُستَحق غالبًا بعد مدة طويلة وتتعرّض قيمته لذلك للاضطراب تبعًا لمركز الشخص الذي أصدره. فلا يمكن تحديد قيمته على وجه الضبط في كل لحظة.

أما قسائم كوبونات الأوراق المالية، وهي التي تعطى حاملها الحق في قبض الربح ولو كان محددًا. فيتوافر فيها الشرط الذي نحن بصدده، إذ تُعطي الحق في استيفاء مبلغ معيّن في تاريخ معيّن، ولكنها لا تعتبر ورقة تجارية لتخلّف شرط آخر، هو أن الجهة التي أصدرت السهم أو السند لا تُعطي الربح لأي حامل للكوبون إلا إذا قدّم لها الفاتورة التي اشترى بمقتضاها الورقة حتى ولو كان السهم أو السند لحامله. وذلك لما يتطلبه القانون رقابة على تداول هذه الأوراق.

التزام مستحق الدفع ووحيد

ويجب أن يكون هذا الالتزام مستحق الوفاء في تاريخ معيّن أو قابل للتعيين وإلا كان التزامًا غير محدد ووقع باطلاً.

ويلزم أن يكون هذا المبلغ وحيدًا غير مقسّط أي يستحق الوفاء جميعه في موعد واحد. لأن تقسيطه على مواعيد مما يتعارض مع الواجبات المفروضة على حامل الورقة للمطالبة بقيمتها والرجوع على الضمان، وهو ما ينفّر من قبول الورقة كبديل للنقود.

وحُكم في ذلك بأن تقسيط الدين في سند تحت الإذن يخرجه عن كونه سندًا بهذا الوصف بالمعنى المقصود في القانون التجاري. وذلك لأن وحدة الاستحقاق ووحدة الدين هما من الأركان الأساسية والجوهرية للورقة التجارية.

أوراق النقد

هل تُعتبر أوراق البنكنوت أوراقًا تجارية؟

يرى البعض ذلك لأنها – في نظره – ترد على مبلغ نقدي محدّد واجب الدفع لدى الطلب، وتتداول بمجرد المناولة من يد إلى يد، ولا يفوت هذا الرأي أوجه الخلاف العديدة التي تميّز أوراق البنكنوت فهي تصدر جملة في فئات وبأرقام متتابعة وبقيم موحّدة. أما الأوراق التجارية فتصدر بمناسبة عمليات قانونية معينة. هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع فالفوارق جوهرية: فالحقوق الثابتة بالورقة التجارية تتقادم – على ما سنرى – بمضي خمس سنوات، أما أوراق النقد فلا تتقادم إلا إذا أبطل القانون التعامل بها. كما أن للوفاء بورقة النقد قوة إبراء نهائية. أما الوفاء بورقة تجارية فلا يصبح نهائيًا إلا عند الوفاء بقيمتها، ولهذا كان الوفاء بالورقة النقدية إجباريًا للدائن بخلاف الوفاء بورقة تجارية فلا يُجبر الدائن على قبوله.

وبالتأمل نجد أن الورقة النقدية لا تُعتبر ورقة تجارية مادامت تخضع لأحكام تخالف أحكام الأوراق التجارية. ولا محل للقول إنها ورقة تجارية من نوع خاص تخضع لأحكام خاصة كما يقول أيضًا الرأي المتقدم، بل هي نقود ورقية تشبه النقود المعدنية تمامًا.

4. يلزم أن تكون الورقة قابلة للتداول بالطرق التجارية

وهذه الطرق هي التظهير والمناولة. وهي تكون كذلك إذا تضمنّت شرط الأمر أو الإذن أي إذا كان التعهّد الوارد فيها مكتوبًا لإذن فلان أو لأمره أو تحت أمره أو أي عبارة أخرى تفيد ذات المعنى. فتكون قابلة عندئذ للتظهير، أو إذا كان التعهد مكتوبًا لحامل الورقة فتتداول عندئذ بمجرد المناولة من يد إلى يد.

فإذا نُصّ في الورقة على أنها واجبة الدفع لشخص معيّن بالذات لا لأمره ولا تحت إذنه. ولم يُنَص فيها على أنها لحامله أو نُصّ فيها صراحة أنها لا تقبل  التداول فلا يمكن اعتبارها ورقة تجارية. وكذلك لا تعتبر ورقة تجارية الورقة التي شُطبت منها عبارة الإذن بل تعتبر مجرد اعتراف بالدين.

وسنرى عند دراسة تداول الورقة التجارية أن هذه الطرق التجارية أبسط وأسرع في إجراءاتها من الطرق التي يقررها القانون المدني لحوالة الحقوق كما أنها أقوى في الضمانات التي تقررها لمن تنتقل إليه الورقة.

5. هل يلزم قبول العرف التجاري الورقة في تسوية الديون

يضيف بعض الشراح هذا الشرط، قائلين أن الأوراق التجارية نشأت من العرف التجاري وسدًا لحاجة التجارة، لكي تحل محل النقود في الوفاء بين التجار. فيجب لذلك أن يقبلها العرف التجاري كورقة لها هذه القدرة.

ولئن كانت الملاحظة صحيحة في خصوص نشأة الورقة التجارية أي أن العرف هو الذي أنشأها وطورها، إلا أن اعتبار العرف شرطًا لكي يكون للورقة وصف الورقة التجارية يضيف إلى شروط الورقة التجارية عنصرًا يثير النزاع بين الموقعين عليها حول إثبات وجود هذا العرف ومداه. لذلك يحسن الاكتفاء بالشروط المتقدم ذكرها. فإذا قبل الدائن ورقة توافرت فيها هذه الشروط كان له أن يتمتع بالضمانات المقررة لحامل الورقة التجارية دون أن يكلف بإثبات أن العرف جرى على اعتبار الورقة تجارية ولا أن يكلف خصمه بإثبات عدم قبول العرف لها كورقة تجارية. وهذا مما يثبت الثقة لدى المتعاملين بالأوراق التجارية أيا كانت ويسهل تداولها.

تعداد الأوراق التجارية

نظّم المشرّع أنواعًا أربعة للأوراق التجارية هي الكمبيالة، والسند الإذني، والسند لحامله، والشيك.

وقبل أن نلقي نظرة عامة على كل هذه الأوراق نعرض لمسألة أوليّة خاصة بما إذا كانت هناك أوراق تجارية أخرى أو أن المشرع – إذ قصر تنظيمه على الأوراق المذكورة – لا يسمح بتطبيق أحكام الأوراق التجارية على غير الصور التي نظّمها.

ترى محكمة النقض المصرية أن المشرّع أورد في المادة 194 تجاري الخاصة بالتقادم في الأوراق التجارية عبارة يُفهم منها أن هناك أوراقًا أخرى تجارية غير ما ذكره، فقالت: “أن الإحصاء لم يتناول الأوراق التجارية إذ لم يرد فيه ذكر للأوراق المشتبهة بالكمبيالات وليست منها لعوار فيها التي اعتبرتها المادة 108 من الأوراق التجارية إذا حُررت بين تجار أو لأعمال تجارية، ولا لشهادات إيداع البضائع في المستودعات العامة التي هي من الأوراق التجارية! ولأن الشارع الأهلي أراد بإضافة عبارة (وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية) الأشعار بأن إحصاءه لم يكن على سبيل الحصر. ولعله أراد أن يجعل نصه شاملاً لما قد يوجد مستقبلا من أوراق تجارية.

وقد ساند الفقه هذا القضاء.

ويدعو هذا الكلام إلى التأمل، لأن المشرّع يضع شروطًا موضوعية وشروطًا شكلية مفصّلة لاعتباره ورقة ما مما يخضع لأحكام الأوراق التجارية، فمن الصعب أن نتصور ورقة أخرى لا تتخذ شكلاً من الأشكال التي نظّمها ومع ذلك تخضع لأحكامه. هذا فضلاً على أن أحكام الأوراق التجارية أحكام استثنائية لا محل للتوسع في تطبيقها في غير الحالات المنصوص عليها، ومع كل فأهمية هذا الخلاف نظرية لأن العمل لم يبتكر حتى الآن ورقة تجارية أخرى غير ما ذكر.

1. الكمبيالة

هي أمر مكتوب يتضمن بيانات معيّنة يتوجه به الآمر ويسمى الساحب، إلى شخص يسمى المسحوب عليه، يأمره بدفع مبلغ معين، في تاريخ معين، لإذن شخص ثالث يسمى المستفيد أو لحامله.

وبذلك تتضمن الكمبيالة ثلاثة أشخاص، الساحب والمسحوب عليه والمستفيد، وتقوم على علاقتين: علاقة بين الساحب والمسحوب عليه وتسمى مقابل الوفاء، وعلاقة بين الساحب والمستفيد وتسمى وصول القيمة. ولا تقوم علاقة مباشرة بين المسحوب عليه والمستفيد طالما لم يوقّع المسحوب عليه الكمبيالة. وستكون هذه العلاقات والاصطلاحات التي تمثّلها محل بحث مفصل فيما بعد.

وقد يستبقي المستفيد الكمبيالة في يده حتى ميعاد استحقاقها فيتقدم إلى المسحوب عليه يطالبه بالوفاء. ولكن الغالب أن يحتاج إلى نقود قبل حلول أجلها فينقلها بتظهيرها أو بالمناولة – في نظير قيمتها – إلى شخص يظهّرها بدوره إلى غيره. وهكذا حتى تستقر في يد حامل أخير يتقدم إلى المحسوب عليه مطالبًا بوفائها.

وتعتبر الكمبيالة ورقة تجارية في جميع الحالات، وقد نصت على ذلك المادة الثانية من القانون التجاري فاعتبرت عملاً تجاريًا “جميع الكمبيالات أيًا كان أولو الشأن فيها”. والمقصود بذلك أن يعتبر تجاريًا التزام كل الموقّعين على الورقة التي لها شكل الكمبيالة، سواء كان الموقّع محررًا أي مُنشئًا لها أو تلقاها من شخص آخر وقام بتظهيرها إلى شخص بعده أو وقّع عليها بأية صفة أخرى. سواء كان توقيعه بمناسبة تسوية عملية مدنية أو عملية تجارية.

ولا يُستثنى من ذلك إلا توقيع النساء غير التاجرات بصفاتهن الشخصية على الكمبيالة فقد اعتبره القانون عملاً مدنيًا بالنسبة إليهن (م ۱۰۹ تجاري) على ما سنرى.

2. السند الإذني أو السند لأمر

رأينا أن الكمبيالة أمر من شخص إلى شخص آخر بدفع مبلغ معيّن. أما السند الإذني أو السند لأمر فهو تعهّد من محرّره بدفع مبلغ نقدي معيّن في تاريخ محدّد لإذن شخص معيّن.

ويختلف السند الإذني عن الكمبيالة من عدة وجوه:

فقد رأينا أن الكمبيالة أمر من المحرر إلى شخص آخر بالدفع، أما السند الإذني فهو تعهّد المحرر بالدفع.

تتضمن الكمبيالة عند إنشائها ثلاثة أشخاص: الساحب والمسحوب عليه والمستفيد، أما السند الإذني فلا يتضمن عند إنشائه سوى شخصين: المحرر وهو المدين، والمستفيد وهو الدائن. ويترتب على ذلك أن العلاقات التي تنطوي عليها الكمبيالة لا توجد كلها في السند الإذني. فلا محل فيه لمقابل الوفاء الذي يمثل علاقة الساحب بالمسحوب عليه لأننا أمام شخص واحد هو المحرر. وكذلك لا محل لعملية القبول أي تقديم الورقة إلى المسحوب عليه ليوقّع عليها بأنه سيدفعها عند الأجل لأن المقصود بذلك هو إدخال المسحوب عليه في دائرة الورقة التجارية (وهو هنا في السند الملتزم الأصلي فيها لأنه محررها).

تعتبر الكمبيالة عملاً تجاريًا في جميع الحالات، أما السند الإذني فله حكم مخالف إذ تنص المادة الثانية من القانون التجاري في فقرتها السابعة على أن يعتبر عملاً تجاريًا بحسب القانون “جميع السندات التي تحت إذن سواء كان من أمضاها أو ختم عليها تاجرًا أو غير تاجر. إنما يُشترط في الحالة الأخيرة أن يكون تحريرها مترتبًا على معاملات تجارية”.

أهلية النساء

وهناك فرق آخر خاص بأهلية النساء غير التاجرات سنراه فيما بعد. والنص السابق بعبارته يواجه فرضين:

  • الأول: أن يكون السند صادرًا أي محررًا من غير تاجر، فلا يعتبر عندئذٍ تجاريًا إلا إذا ثبت أنه حُرر تسوية لعملية تجارية، وهذا الإثبات على من يدّعيه.
  • والفرض الثاني: أن يكون محرر السند تاجرًا. ومفهوم عبارة النص أن يُعتبر السند تجاريًا إطلاقًا سواء أكان محررًا تسوية لعملية تجارية أم لعملية مدنية، أي أنه يعتبر تجاريًا بالنظر إلى صفة محرره وقت إنشائه. وذلك لأن القيد الوارد في آخر نص الفقرة السابقة من المادة الثانية مقصور على حالة تحرير السند من غير تاجر.

وإذا كان الدين ثابتًا بأوراق تجارية وموقَّعًا عليه من تاجر فإنه إذا قام الشك حول طبيعة الدين وجب اعتباره تجاريًا وفقًا للقرينة التي تقضى بتجارية كل أعمال التاجر حتى يقوم الدليل على مدنيتها.

فإذا لم يتوافر للسند شرط اعتباره تجاريًا طبقًا للنص فلا يكفي مجرد إدراج شرط الإذن في السند لاعتباره ورقة تجارية، فيظل مثل هذا السند مدنيًا وإن كان يقبل التداول بالتظهير نظرًا لاحتوائه شرط الإذن. ويرتّب هذا التظهير آثارًا تختلف عن آثار تظهير السند التجاري، كما سنرى.

ويلاحظ أن السند الذي يحرره غير تاجر يعتبر ابتداءً مدنيًا لأن هذا هو الأصل في الالتزامات. والقاعدة في الأعمال أنها مدنية. وعلى من يدّعي صفتها التجارية أن يقدّم الدليل. ولا يعتبر تجاريًا إلا إذا أقيم الدليل على أنه محرر بناء على معاملة تجارية أو أن محرره تاجر. وهذا الإثبات على من يدّعى الصفة التجارية.

العبرة بوقت إنشاء السند

والعبرة في صفة السند هي بوقت إنشائه. وبالنسبة الى محرّره، فإذا حرره تاجر، أو حرره غير تاجر لعمل تجاري، كان السند تجاريًا، بمعنى أنه يخضع للأحكام الخاصة بالأوراق التجارية، ولو كانت العملية التي حُرر من أجلها السند مدنية بالنسبة إلى المستفيد منه. فإذا اشترى تاجر قطن محصول القطن من المزارع وحرر له سندًا بالثمن فالسند تجاري ولو أن بيع القطن عملية مدنية بالنسبة إلى المزارع المستفيد في السند. أما إذا اشترى المزارع لوازم زراعته وحرر بثمنها سندًا على نفسه فالسند هنا مدني رغم أن العملية بالنسبة إلى التاجر المستفيد منه تجارية.

فالعبرة هي بالنظر إلى صفة المحرر أو صفة العملية بالنسبة إلى المحرر وليس بالنسبة إلى المستفيد في السند.

ومتى اعتبر السند تجاريًا خضع لأحكام الأوراق التجارية. وخضعت لها كذلك كل العمليات اللاحقة التي ترد عليه كتظهيره ولو كان هذا التظهير بمناسبة عملية مدنية. وبالعكس لو كان السند عند نشأته مدنيًا فهذا الوصف ينسحب على كل العمليات الواردة عليه.

والعبرة كما تقدّم هي بوقت أنشاء السند. فإذا كان محرره المدين به تاجرًا وقت إنشائه كان السند تجاريًا ولو اعتزل المدين التجارة بعد ذلك.

وكذلك لو توفي فإن السند يظل تجاريًا حتى بالنسبة لورثته لأن وفاة المدين لا تؤثر في صفة التزاماته. ومن ناحية أخرى لو كان السند مدنيًا فإنه يظل كذلك بالنسبة لوارث المحررة ولو كان هذا الوارث تاجرًا.

والفرض في السند التجاري، بالمعنى المتقدم، أن يستوفي كذلك الشروط العامة الجوهرية للأوراق التجارية المتقدم ذكرها.

3. السند لحامله

السند لحامله هو ورقة يتعهّد فيها محررها بدفع مبلغ نقدي معيّن في تاريخ معين لمن يحمل الورقة. وهو لا يختلف عن السند الإذني إلا في خلوّه من شرط الإذن. وفي أنه يدفع للحامل.

ويترتب على هذا الفرق أثر هام من حيث كيفية التداول. فالسند الإذني يتداول بالتظهير. أما السند لحامله فيتداول بمجرد المناولة من يد إلى يد. وهذه السهولة في التداول وإن كانت تُعد ميزة للسند لحامله إلا أن حامله لا يكون له سوى الرجوع على محرره لأنه لا يعرف الأشخاص الذين مر بهم السند قبله، بخلاف المستفيد في السند الإذني فله أن يرجع على كافة المظهرين الموقّعين على السند إذا تخلّف المحرر عن الوفاء. كما أن ضياع السند أو سرقته تعتبر خطرًا كبيرًا لأن المحرر يكون عليه أن يفي بقيمته لمن عثر عليه أو لمن سرقه بوصفه حامله.

ولم تُشر المادة الثانية تجارى إلا إلى السند الإذني دون السند لحامله، ولكن الرأي على قياس السند لحامله على السند الإذني باعتبار أن الفرق بينهما ليس في الطبيعة بل في مجرد كيفية التداول، ولذلك تحكمهما نفس القواعد، فيكون السند لحامله تجاريًا إذا حرره تاجر أو حرر لأعمال تجارية.

4. الشيك Cheque

الشيك أمر مكتوب وفقًا لأوضاع حددها العرف، يطلب به الآمر، ويسمى الساحب، من المسحوب عليه – وهو غالبًا بنك – أن يدفع بمقتضاه وبمجرد الاطلاع عليه، مبلغًا معيّنًا من النقود لإذن شخص معيّن أو لحامله.

ونلاحظ في هذا التعريف أن الأوضاع التي تحكم الشيك حدّدها العُرف وليس القانون لأنه لم ينظّم أحكامه وإن كان قد أشار إليه بعبارة “الحوالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع والأوراق المتضمنة أمرًا بالدفع” في المواد من 191 إلى ١٩٤ تجاري.

ونلاحظ كذلك أنه إذا كان الشيك اسميًا أي واجب الدفع لشخص معيّن خرج من زمرة الأوراق التجارية لتعذّر تداوله بالطرق التجارية.

ويشتبه الشيك – في ظاهره – بالكمبيالة: فهو يفترض ثلاثة أشخاص: الساحب والمسحوب عليه والمستفيد. وينطوي مثلها على علاقتين قانونيتين: العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه وهي مقابل الوفاء أو الرصيد والعلاقة بين الساحب والمستفيد وهي وصول القيمة.

والخصيصة الكبرى للشيك هي أنه دائمًا مستحق الوفاء لدى الاطلاع. لذلك فهو غالبًا أداة وفاء، ولا يمكن أن يكون أداة ائتمان كالأوراق الأخرى. وذلك لتخلف عنصر الأجل فيه إلا في حالات خاصة، سنعرض لها فيما بعد، يؤدى الشيك فيها وظيفة أخرى.

ويخضع الشيك من حيث وصفه للقواعد العامة. فيُعتبر تجاريًا إذا كان تحريره تسوية لدين تجاري بالنسبة إلى المحرر، ومدنيا إذا كان تسوية لدين مدني، (ولا محل لقياس الشيك على الكمبيالة رغم أنهما يتشابهان من حيث الشكل لأن حكمها استثناء لا يقاس عليه، ولا محل لقياسه كذلك على السند الإذني لأن حكم القانون فيه مجرد تطبيق للقواعد العامة).

وظائف الأوراق التجارية

تؤدى الأوراق التجارية وظائف ثلاثة: فهي تغني عن نقل النقود من مكان إلى مكان، وتستخدم أداة للوفاء إذا كانت مُستحقّة لدى الاطلاع، وأداة للائتمان إذا تضمّنت أجلاً لوفاء قيمتها.

أولاً: الورقة التجارية تغني عن نقل النقود

وهذه كانت وظيفة الكمبيالة بالذات عند نشأتها في القرن الثاني عشر في تنفيذ ما يسمى بعقد الصرف المسحوب change tirée أي الذي تتم فيه مبادلة النقود من مكان إلى مكان، بالمقابلة إلى عقد الصرف اليدوي manuel وهو مبادلة نقود بنقود من نوع آخر ويتم في نفس المكان. فكان التاجر إذا أراد السفر إلى سوق في بلد آخر يعطي الصيرفي مبلغًا يقابل المبلغ الذي يريد أن يتوفر له في السوق ويعطيه الصيرفي نظير ذلك كمبيالة مسحوبة على وكيل للصيرفي في هذا السوق، وبذلك يستغني التاجر عن حمل النقود معه وما يتعرض له من خطر السرقة والضياع.

ثانيًا: الورقة التجارية أداة وفاء

وقد رأينا أن القانون ينظر إلى الورقة التجارية باعتبارها تقوم مقام النقود في الوفاء. وهي نظرة في محلها مادام الشرط في الورقة التجارية أنها ترد على مبلغ نقدي مستحق الوفاء في موعد محدد وما دامت بقية الشروط التي درسناها تكفل للحامل أن يحصل على قيمة الورقة بخصمها لدى البنك في أي وقت يريد، فلا يوجد ما يمنعه إذن من قبول الورقة التجارية كما يقبل الورقة النقدية.

وتظهر فائدة الورقة التجارية في الوفاء إذا لاحظنا أنها تقضي عدة ديون بعملية وفاء نقدي واحدة. فإذا فرضنا أن (أ) دائن لـ (ب) وأن (ب) دائن لـ (ج) فإن (ب) يسحب كمبيالة على مدينه (ج) لصالح (أ)، وعندما يدفع (ج) قيمة الورقة إلى (أ) ينقضي حق (أ) ضد (ب) وحق (ب) ضد (ج) بعملية وفاء واحدة من (ج) إلى (أ). وإذا تصورنا أن (أ) كان بدوره مدنيًا لـ (د) وهذا بدوره مدين لـ (ه) فإن (أ) يُظهّر الورقة إلى (د) وهو يُظهّرها إلى (ه) الذي يحصل على الوفاء من (ج).

ثالثًا: الورقة التجارية أداة ائتمان

الغالب أن تتضمن الورقة التجارية أجلاً لوفائها. فتحقق بذلك الائتمان اللازم للمعاملات التجارية، بأن تمنح المدين الأجل الذي يحتاجه، وتمكّن الدائن – مع وجود الأجل – من الحصول فورًا على حقه نقدًا إذا شاء بطريق خصم الورقة التجارية التي بيده لدى بنك. فبائع الجملة مثلاً عليه دين للمصنع الذي اشترى منه وله حق في مواجهة تاجر التجزئة يستحق الوفاء بعد ثلاثة شهور مثلاً، فيسحب كمبيالة تستحق بعد ثلاثة شهور على تاجر التجزئة ويخصمها لدى البنك. ومعنى ذلك أن يظهرها للبنك نظير أن يعطيه البنك فورًا قيمة الورقة مخصومًا منها فائدة المبلغ عن المدة ما بين تاريخ الخصم وتاريخ استحقاقها وكذلك عمولة البنك. وبذلك يحصل التاجر على حاجته من النقود لكي يفي دينه للمصنع. وقد يحتفظ البنك بالورقة الى حين موعد سدادها. وقد يحتاج بدوره إلى قيمتها قبل ذلك فيخصمها لدى بنك آخر وهكذا.

ونلاحظ أن الكمبيالة والسند الإذني، كلاهما يصلح للقيام بدور الائتمان. أما الشيك فيعجز غالبًا عن أداء دور الائتمان لأنه يكون واجب الدفع لدى الاطلاع. فهو لا يصلح إلا في الوفاء. هذا إلا إذا أخرجه ذوو الشأن عن وظيفته الأصلية وذلك بطريقة مستترة، بأن كتب فيه تاريخ لاحق على وقت تحريره بعد أن يتفق بينهما على تأجيل موعد استحقاقه فيُحرر مثلاً في أول يناير ولكن يُكتب فيه أنه مُحرر في أول إبريل ويكون واجب الدفع لدى الاطلاع أي ابتداء من أول أبريل، بقصد ذوو الشأن بذلك إعطاء حامله ضمانًا قويًا للوفاء يتمثل في العقوبة الجنائية المقررة للامتناع عن وفاء الشيك (م 337 عقوبات). وهي عقوبة لا تمتد إلى الامتناع عن وفاء أي ورقة أخرى.

اختلاف الشيك

والمقصود بعبارة أن الشيك، أداة وفاء، أن محرره إذ يقوم بتحريره وتسليمه الى المستفيد منه إنما يقصد وفاء دين عليه لهذا المستفيد، لأنه بدلاً من أن يعطيه نقودًا يعطيه الشيك الذي يقوم البنك بتسليم المستفيد قيمته فور تقديمه إليه. ومتى قبض المستفيد المبلغ من البنك فإنه – بوصفه دائنًا لمحرر الشيك – يكون قد استوفى حقه الذي كان له في ذمة الساحب.

على أن هذه الوظيفة ليست من جوهر الشيك. وإن كانت هي الغالبة فيه. فمن الممكن أن يتخذ الشيك أداة – لا للوفاء الذي يقضي الدين – بل أداة لإنشاء دين جديد، مثلاً أداة للإقراض. فلا يُفهم من إعطاء الشيك من الساحب إلى المستفيد على أن الساحب يقضي دينًا عليه موجودًا من قبل لصالح المستفيد.

ولهذا فإن من الصواب أن تقول إن سحب الشيك يعتبر عملاً محايدًا لا يعبّر بذاته عن حقيقة العملية التي يتخذ الشيك أداة لتنفيذها.

قانون الصرف والالتزام الصرفي

رأينا أن أقدم وظيفة للكمبيالة في تنفيذ عقد الصرف المسحوب بل أن هذه الوظيفة هي سبب نشأة الكمبيالة. ولذلك يطلق اصطلاح قانون الصرف Droit cambaire على القواعد التي تحكم الأوراق التجارية بصفة عامة. كما يطلق اصطلاح الالتزام الصرفي على الالتزام الناشئ عن التوقيع على ورقة تجارية.

خصائص الالتزام الصرفي

قدمنا أن الوظيفة الأساسية للورقة التجارية هي قيامها مقام النقود. ولكي تؤدي هذه الوظيفة يجب أن يكون تداولها سهلاً، وأن تتوافر فيها الضمانات التي تكفل لكل من تلقاها حقه في استيفاء قيمتها في ميعاد الاستحقاق. لهذا أسبغ القانون على الالتزامات الثابتة بها صفات خاصة من شأنها أن تحقق هذا الغرض. فالالتزام الصرفي: التزام حرفي، مستقل عن غيره من الالتزامات الثابتة بنفس الورقة، ومجرد عن العلاقات التي كانت سبب نشأته.

وهو التزام تجاري تنظمه أحكام فيها قسوة على المدين الذي يتخلف عن تنفيذه.

1. الالتزام الصرفي هو التزام حرفي Literale

بمعنى أنه ينشأ عن ورقة، لها شكل معين، وتتضمّن بيانات محدّدة نص عليها القانون أو العرف وأن مضمونه يتوقف على عبارة هذه الورقة.

ويترتب على ذلك نتائج هامة منها، أن الورقة التي لا تتضمن جميع البيانات الإلزامية التي يشترطها القانون لا تعتبر ورقة تجارية، ولو توافرت لها الشروط الموضوعية السابق دراستها. وأن أمكن اعتبارها سندًا عاديًا بالمديونية.

ويترتب كذلك على ما تقدم أن الحق يندمج في الصك أو الورقة بحيث لا ينتقل إلا بانتقال حيازة الورقة إلى المُتَصرَّف إليه. وأن الدائن لا يستطيع المطالبة به إلا متى أثبت حقه وأبرز الورقة. وأن المدين به لا يلزم بالوفاء إلا متى سلّمه الدائن الورقة التجارية. وذلك باستثناء حالات خاصة (كما في حالة ضياع أو سرقة الورقة).

وأن مضمون الالتزام الصرفي يتحدد بالعبارة الدالة عليه في الورقة ذاتها دون إمكان الالتجاء الى عناصر أخرى خارجة عنها.

وأنه يجب تفسير عبارات الورقة تفسيرًا ضيقًا. فيجب الاعتماد على عبارة الورقة وحدها دون البحث عن النيّة الحقيقية للموقّع. لأن الالتزام يستمد قيمته من الشكل الخارجي الذي يعتمد عليه كل من يتلقى الورقة بحسن نية أي دون علم بالحقيقة. فإذا كان رضا الملتزم قد شابه عيب لم يكن لهذا العيب أثر وبقي التزامه صحيحًا ما دامت عبارة الورقة لا تدل على وجود هذا العيب.

وأنه لا يجوز إثبات وجود الالتزام الصرفي ولا مداه بأي دليل غير الورقة التجارية.

2. الالتزام الصرفي مستقل بذاته

وهو ما يُعبّر عنه بمبدأ استقلال التوقيعات. ومعناه أن التزام كل موقع على الكمبيالة يستمد من توقيعه هو. ويعتبر لذلك مستقلاً عن التزام غيره من الموقعين في صحته وبطلانه وفي أوصافه. فإذا كان التزام أحد الموقعين باطلاً لنقص أهليته مثلاً اقتصر البطلان على التزامه هو وظلّت التزامات الموقعين الآخرين صحيحة. ويجد حامل الورقة في هذا المبدأ ضمانة كبرى، فاذا فسد التزام موقع عليها ظل باب الرجوع على باقي الموقعين مفتوحًا أمامه.

3. الالتزام الصرفي التزام مجرّد Abstraite

ومعنى ذلك أنه في نظر حامل الورقة منفصل عن العلاقة الأصلية التي كانت سببًا في نشأته. ويؤدى ذلك الى تأمين العلاقة الصرفية، أي علاقة حامل الورقة بكل موقع عليها، من العيوب التي تشوب العلاقة الأصلية التي أدت الى تحرير أو تظهير الورقة، مثال ذلك إذا حررت الورقة التجارية وفاءً لدين قمار ثم ظُهرت إلى شخص حسن النية لا يعرف حقيقة العلاقة التي أدت الى تحرير السند، فإن لهذا المُظهر إليه أن يرجع على المحرر ولا يكون للمحرر أن يدفع بعدم مشروعية سبب التزامه لأن التزامه الناشئ عن توقيعه على الورقة مجرّد أي منقطع الصلة بالعلاقة السابقة عليه وهي دين القمار (وإن كان هذا التجريد غير كامل كما سنرى).

4. قسوة الالتزام الصرفي على المدين رعاية لحقوق الحامل

يعبّر كل التزام ناشئ من ورقة تجارية تجاريًا بالنسبة للمدين به، وتنطبق عليه الأحكام القاسية الخاصة بالالتزامات التجارية. على أن رغبة المشرع في حماية المتعاملين بالورقة التجارية لم تقف عند حد اعتبار الالتزام الصرفي التزاما تجاريًا. بل أنه عامله معاملة تختلف عن معاملته للالتزامات التجارية العادية.

فهو يقسو على المدين الصرفي في أنه لا يلقي عليه ضمان وجود الحق الصرفي فقط بل ضمان الوفاء به، ويجعله مسئولاً بالتضامن مع باقي الموقعين على الورقة عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق (م 137 تجاري)، ويحرمه من المهلة القضائية (م 156)، ويعرّض المدين التاجر للحجز التحفظي على منقولاته إن تخلّف عن الوفاء (م 173 تجاري و317مرافعات)، ولإجراءات البروتستو التي تنطوي على التشهير بسمعته وائتمانه.

ولكنه من ناحية أخرى خفف عن المدين الصرفي فقرر تقادمًا قصيرًا مدته خمس سنوات ينقضي به الدين الصرفي (م 194 تجاري)، كما رفع عنه نتائج تراخي الدائن الصرفي فخوّله أن يدفع دعواه إذا أهمل القيام بالإجراءات المطلوبة في مواعيدها (م 169)، كما سنرى، وبذلك فهو يقيم نوعًا من التوازن بين مراكز أصحاب الشأن في الورقة التجارية.

تشريع الأوراق التجارية

التشريع الذي يحكم الأوراق التجارية

تنظم المجموعة التجارية الأوراق التجارية في المواد من 105 الى 194. وقواعدها منقولة عن المجموعة الفرنسية الصادرة سنة 1807 كما كانت بحالتها – تقريبًا – وقت إصدارها. وقد عدّلت المجموعة الفرنسية سنة 1935 لكي تتمشي في هذا الشأن مع القانون الموحّد الذي انتهى إليه مؤتمر جنيف للأوراق التجارية في سنتي 1930و1931. بينما لا يزال القانون المصري على حاله منذ وضعه في سنة 1883.

وهناك مشروع تحت الدراسة للقانون التجاري أُخذ فيه بأحكام قانون جنيف سنة 1930 وقد أُخذ بها معظم التشريعات الأوربية والعربية.

الملخص

تعريف الأوراق التجارية

الأوراق التجارية ومفردها الورقة التجارية هي صك (ورقة) مكتوب وفق شكل حدده القانون أو العرف ويتداول بالطرق التجارية. ومحله مبلغ معين من النقود يستحق أدائه في أجل معين أو بمجرد الاطلاع. وجرى العرف على أنه يقوم مقام النقود في الوفاء بالمعاملات.

طبيعة تعداد الأوراق التجارية

التعداد الوراد في القانون ورد على سبيل المثال وليس الحصر.

والدليل على ذلك أن القانون بعد أن عدد الأوراق الثلاثة أردف قائلا:

“وغيرها من الأوراق التجارية الأخرى”.

من مواد القانون التجاري المصري

فهذه العبارة تقطع يقينًا أن الأوراق الثلاثة وردت على سبيل المثال لا الحصر.

النتائج المترتبة على طبيعة التعداد

النتائج المترتبة على ذلك أنه يمكن إضافة أوراق تجارية أخرى على الأوراق الثلاثة.

والسؤال هو: ما هي الضوابط أو المواصفات التي يجب أن تتوافر في الأوراق التي يمكن إضافتها؟

والإجابة هي: يمكن إضافة كل ورقة توافرت فيها خصائص الورقة التجارية.

خصائص الأوراق التجارية

1. كتابة الورقة التجارية

كتابة عرفية في الأصل وليس رسمية، كتابة مقررة للانعقاد وليس الإثبات، لا يهم نوع أو طبيعة المادة المكتوب عليها، لا يهم الصياغة المهم البيانات حسب القانون.

2. محل الورقة مبلغًا من النقود

مبلغ معين من النقود، ويجب أن يكون معين المقدار على وجه التحديد، وذلك إعمالا لخاصية رقم (3).

3. الكفاية الذاتية للورقة التجارية

أي أن الورقة بذاتها كافية لإثبات الالتزام الوارد بها دون الحاجة إلى الاستعانة بورقة أخرى، ويجب ن يكون محل الورقة التجارية مشروعًا، وهذا يعني أن تكون بعملة معلن لها سعر صرف بمعرفة البنك المركزي المصري وألا تشمل عملة محرمة تشريعيًا.

4. الاستقلال أو التجريد في الورقة التجارية

أي أن توقيع كل موقع على الورقة يستقل عن توقيع غيره من الموقعين على الورقة، باستثناء العلاقة الشخصية المباشرة بين الموقعين.

5. أن هذه الورقة تتداول بالطرق التجارية (طريقتين)

أ. التظهير

التظهير هو تحويل الحق الثابت بالكمبيالة من المستفيد إلى شخص آخر (أو بمعنى آخر المستفيد هو الحامل الشرعي للكمبيالة) بأي عبارة تفيد ذلك على متن الورقة مع التوقيع على ذلك، وهذا يختلف عن التظهير لحامله.

ب. المناولة أو التسليم

وفيها يقتصر الحامل الشرعي للورقة على مجرد تسليمها للحامل مع ملاحظة أنه يحظر أن تصدر الكمبيالة ابتداء لحامله، وإنما يجب أن يتم تعيين اسم المستفيد.

ومن ثم المناولة أو التسليم لا تكون صحيحة أو معتبرة قانونًا إلا بعد أول تظهير للكمبيالة.

بعض أحكام الكمبيالة كأحد الأوراق التجارية

1. تعريف الكمبيالة

الكمبيالة هي صك مكتوب وفق شكل قرره القانون متضمنًا أمر صادر من شخص يسمى الساحب موجه إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه بأن يدفع مبلغ معين لشخص ثالث يسمى المستفيد في أجل معين أو قابل للتعيين أو لدى الاطلاع ويجوز تداوله بالطرق التجارية.

2. الطبيعة القانونية للكمبيالة

الكمبيالة هي تصرف قانوني، عقد شكلي، حيث اشترط القانون أولا كتابتها، ثانيًا أن تتضمن عدد من البيانات الإلزامية أو تكون باطلة.

شروط صحة الكمبيالة كأحد الأوراق التجارية

لما كانت الكمبيالة تصرف قانوني شكلي فيلزم لصحتها شروط موضوعية عامة وشروط شكلية، وهي:

أولا: الشروط الموضوعية العامة

1. الرضا: توافق إرادتي الساحب والمستفيد، حيث يجب أن تكون الإرادتين صحيحة وخالية من العيوب، وكذلك أن تكون حقيقية وليست وهمية، والتعبير عن الإرادة للساحب يكون بالتوقيع عليها وليس كتابتها فقط، والمستفيد بحيازته لها، وطريقة التوقيع بالاسم أو البصمة أو الختم.

2. المحل: سبق كتابته في بند خصائص الورقة التجارية.

3. السبب: يجب أن يكون سبب الكمبيالة مشروعًا، وكان قبل صدور القانون الحالي يعبر عن هذا الركن ببيان (القيمة وصلتنا بضاعة)، أما بعد صدور القانون الحالي فلم يعد القانون يشترط هذا البيان، ولكن هذا ليس معناه أن الكمبيالة من الالتزام المجرد عن السبب ولكنها لا بد وأن يكون لها سبب وأن يكون هذا السبب مشروع.

المراجع

  • كتاب الأوراق التجارية، (السند الإذني، الكمبيالة، الشيك) دراسة للقضاء. الدكتور علي جمال الدين عوض، أستاذ القانون التجاري والقانون البحري، رئيس القسم ووكيل الكلية سابقًا، كلية الحقوق، جامعة القاهرة.
error:
Scroll to Top