اختيار موضوع البحث

من كتاب دليل الباحثين في إعداد البحوث العلمية للدكتور سيد الهواري، الفصل الثاني: اختيار موضوع البحث.

اختيار موضوع البحث

من الطبيعي أن تكون نقطة الانطلاق في كتابة أي بحث هي اختيار موضوع البحث في ضوء خلفية معرفة الباحث واهتماماته. ونُعالج في هذا الفصل الاعتبارات النمطية في اختيار موضوع البحث بصفة عامة ثـم نتطرق للاعتبارات المتعلقة باختيار موضوع بحث الماجستير وبحث الدكتوراه. وتركز بصفة خاصة على كيفية التوصل إلى موضوع محدود من موضوع عام.

الاعتبارات النمطية في اختيار موضوع البحث

إن أحسن موضوع تكتب فيه بحثك هو الموضوع الذي يتوافر فيه ما يأتي:

  1. أن تشعر نحوه “بانفعال خاص”، نوع من الحب الزائد أو الاهتمام الزائد حتى يكون ذلك دافعًا لك على الاستمرار حتى في حالة مواجهة صعوبات في أثناء البحث. وتتوصل إلى هذا “الانفعال” بالقراءة الانتقادية والتفكير العميق وبالإصرار العلمي العنيـد لمعرفة “حقيقة” الأشياء، وهو شرط سابق لاختيار أي موضوع.
  2. أن يدور هذا “الانفعال الخاص” حول – ويؤدى إلى – إبراز شيء جديد لم يسبق الكتابة فيه، أو إلى تصحيح خطأ، أو إلى إتمام شيء ناقص، أو إلى شرح شيء مبهم أو إلى تجميع أشيـاء متفرقة أو إلى ترتيب أشياء مختلطة، أو إلى تقييم أو تفسير جديد. وفي بحوث الدكتوراه وما بعدها يتطلب الأمر إضافة شيء جديد للعلم كما سبق أن وضحنا. (الانفعال الخاص بموضوع البحث هو أحد أهم شروط اختيار الموضوع. لماذا؟)
  3. أن يكون موضوع البحث ضيقًا ومحدودًا، فالبحث هو أخذ نقطة من محيط والتعمق بها إلى القاع، ومعنى هذا أنك تكتب في نقطة واحدة لا في عدة نقاط؛ فهناك فرق بين أن تكتب بحثًا وأن تكتب كتابًا. فعنـوان مثل “التدريب” غير جائز لأنه واسع وغامض. وبعد قراءات مبدئية قد تخفض العنوان إلى “التدريب للمديرين في مصر”، ثم إلى “تدريب المديرين في قطاع الصناعة في مصر” ثم إلى “تدريب الإدارة الوسطى في قطاع الصناعات الهندسية”، .. وهكذا. (موضوع البحث الجيد لا بد وأن يكون نقطة في المحيط تنزل بها إلى القاع).
  4. أن يكون استكمال البحث ممكنًا، فليس هناك معنى وراء اختيار موضوع ليس له مراجع أو بيانات ممكن الحصول عليها في الوقت المتاح. لذلك يتطلب الأمر التأكد من إمكان الحصول على كافة البيانات اللازمة من الحكومة والمؤسسات والشركات في الوقت المتاح. وتوافر المراجع الأجنبية في الموضوع (رالف بيري، ص 7). (لابد أن تتأكد من البداية إن البيانات كافية والمراجع متاحة وأنت شخصيًا قادر على البحث).

الاعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار موضوع بحث الماجستير

فيما يلي الاعتبارات التي تساعدك على تحديد وتكـوين موضوع بحث الماجستير طبقًا لدليل المعايير لجامعة نيويورك:

1. مشكلة في مجال الاهتمام الرئيسي.

2. بجب تقييم قـدرة الباحث لنفسه من حيث خلفية الموضوع عنده وعن المعلومات السابقة التي يعرفها.

3. موقف الموضوع من حيث درجة حداثته.

  • هل ثم تغطية الموضوع بشكل كاف عن ذي قبل؟
  • هل يقوم أحد الباحثين الحاليين الأكفاء بدراسة هذا الموضوع في الوقت الحالي؟
  • إذا كان هذا الموضوع قد سبق طرحه للبحث والمناقشة فهل الحاجة إلى إعادة دراسته وبحثه من جديد راجع إلى إعادة تقييم أو تفسير جديد (حديث)؟ أو فجوات وقع فيها الباحثون يجب تغطيتها؟ أو إضافات يجب القيام بها؟

4. درجة توافر مصادر المعرفة المرتبطة بالمشكلة المطروحة للبحث.

  • هل البيانات المتاحة كافية؟
  • هل البيانات متاحة بتكلفة عالية؟ مال وجهد؟
  • هل من المطلوب السفر لجمع المعلومات؟
  • ما هي احتمالات تجاح محاولات الحصول على المعرفة؟

5. اختيار الموضوع يتأثر بما إذا كان لنتائج البحث قيمة عملية بالنسبة لـ :

  • الباحث نفسه.
  • صاحب العمل (إذا كان هناك).
  • الكلية أو المعهد أو الجامعة.
  • اهتمام بعض المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية.
  • المجتمع بصفة عامة. (إن الموضوع يجب أن يكون موضوع الساعة ومهم وله قيمة للآخرين).

6. استكمال العنوان:

  • يجب أن يكون العنوان محددًا حتى لا يكون مطاطًا.
  • ربما يكون العنوان مبدئيًا واسعًا أو شامـلا ولكن في مراحـل لاحقة يجب تحديده ليشمل نقطة محددة كلما كان ذلك ممكنًا.
  • إن الشكل النهائي لـلـعنـوان يتم التوصل إليه بالبحث المبدئي المستمر لفترة.

7. تحديد المشكلة ضروري:

  • يجب تحديد المشكلة بحيث يستطيع الباحث أن يستكمل البحث في المدة المخصصة للبحث.
  • من الأفضل أن يكون البحث مكثفًا في نقطة عن أن يكون عامًا لكل النقاط.
  • من المعروف أن البحث المستفيض غالبًا ما يفتح قنوات جديـدة نفتح الموضوع أكثر من قبل.

موضوع الماجستير لا بد وأن يكون حديثًا ومهمًا وله قيمة عملية وممكنًا.

الاعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار موضوع بحث الدكتوراه

إن الاعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار موضوع الدكتوراه هي نفس الاعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار موضوع الماجستير مع تحفظ واحد هام وهو أن يكون موضوع الدكتوراه إضافة أصيلة وأصلية لميدان المعرفة الإنسانية (دليل المعايير لجامعة نيويورك، 9).

ويعتبر من قبيل الإضافة الأصلية لميدان المعرفة الإنسانية تكوين نظرية جديدة بتأصيل علمي منهجي أو تصحيح نظريات قائمة… إلخ. وقد سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام عن الفرق بين بحث الدكتوراه وبحث الماجستير.

موضوع الدكتوراه لابد أن يضيف للعلم إضافة أصيلة وأصلية بطريقة منهجية.

كيفية التوصل إلى موضوع محدود من موضوع عام

يميل معظم الطلبة إلى اختيار موضوعات عامة كبيرة إلا أن الموضوع العام الشامل يصعب السيطرة عليه، وغالبًا ما يؤدي بالباحث إلى التوقف في مراحل لاحقة. إن الموضوع العام وإن كان يصلـح لكتابة كتاب أو موسوعة إلا أنه لا يصلح لبحث علمي. فالبحث العلمي عبارة عن دراسة مكثفة في موضوع محدود. إنه بمثابة اختيار نقطة من محيط المعرفة والوصول بها إلى القاع. وهذا هو التعمق المطلوب في البحوث العلمية.

إن الطالب الذي يبدأ بموضوع عام يجب أن يحاول دائمًا أن يحدد موضوعه على عدة مراحل. لنفرض أن أحد الطلبة يريد أن يبحث في تطورات الجهاز المصرفي، إنه يبدأ بهـذا الموضوع العام ويحاول الوصول من خلال مراحل متتابعة إلى موضوع محدود.

  1. موضوع عام: تطورات الجهاز المصرفي في العالم العربي
  2. موضوع أقل عمومية: تطورات الجهاز المصرفي في مصر
  3. ثم موضوع عموميته محدودة: تأميم البنوك في مصر
  4. موضوع محدود: أثر تأميم البنوك المصرية على الاقتصاد المصري
  5. موضوع أكثر تحديدًا: أثر تأميم البنوك المصرية على تمويل المشروعات الاستثمارية

مثال على التوصل إلى موضوع محدود من موضوع عام

خذ مثلا آخر في كيفية الوصول إلى موضوع محدود من موضوع عام (موضوع تقييم الاستثمار):

  1. الموضوع العام: تقييم الاستثمار
  2. موضوع أقل عمومية: تقييم الاستثمار في القطاع العام
  3. ثم موضوع عموميته محدودة: تحليل التكلفة والعائد في القطاع العام
  4. موضوع محدد: التكلفة الاجتماعية للاستثمار في القطاع العام

وبطبيعة الحال فإن درجة تحديد موضوع البحث له علاقة بعدد الصفحات المتوقعة للبحث، فبحث في عشر صفحات يختلف عن بحث في مائة صفحة وهكذا.

ويـجـب أن يكـون مفهومًا أن الموضوع المحدد جيدًا هو موضوع جيد بالضرورة؛ فالعبرة ليست فقط بدرجة محدودية الموضوع، ولكنها مرتبطة أيضًا بوجود المراجع والمصادر اللازمة للبحث.

تذكر أن موضوع الدكتوراه الجيد لا بد وأن يكون نقطة من المحيط تنزل بها إلى القاع.

وعلى ذلك فالموضوع الذي ليس له مراجع عـلى الإطلاق أو له مراجع محدودة جدًا هو موضـوع لا يصلح للبحث العلمي لأن إمكانيات استكماله ضعيفة جدًا وقد تكون مستحيلة.

ومن ناحية أخرى فالموضوع الذي تجده واردًا بشكل مركز في موسوعة مثل “الموسوعة البريطانية”، موضوع لا يصلح كموضوع لبحث علمي لأن ورود هذا الموضوع في الموسوعة معناه أن هذا الموضوع قد قتل بحثًا ولا تخدع نفسك أنه يمكنك تغيير كلمات العناوين لاستخدامها في موضوع.

محاولة الحصول على الموافقة على مشروع البحث

من المفضل دائمًا أن يتقدم الطالب بثلاثة مشروعات بحث بثلاثة موضوعات للأستاذ المشرف لكي تتناسب مع تفضيلات المشرف الشخصية. ويجب على الباحث أن يكون قادرًا على شرح وجهة نظره في اختياراته وتفضيلاته والأهداف التي يسعى إليها ومصادر المعرفة التي سيحصل عليها. ونقترح ألا يتقدم الطالب للأستاذ المشرف قبل أن يستوفى الهيكـل المبدئي للبحث وكذلـك قبل أن يكون قائمة المراجع المبدئية، وذلك في حالتي رسائل الماجستير والدكتوراه.

اهتم بالانطباع الأول الذي يأخذه عنك المشرف. اذهب إليه مستعدًا وواثقًا.

المصدر

  • كتاب دليل الباحثين في إعداد البحوث العلمية، ابتداء من اختيار الموضوع حتى وضع البحث في صورته النهائية، تأليف الدكتور سيد الهواري، القاهرة، 2004. الفصل الثاني: اختيار موضوع البحث.
دليل الباحثين في إعداد البحوث العلمية - اختيار موضوع البحث
دليل الباحثين في إعداد البحوث العلمية – اختيار موضوع البحث
error:
Scroll to Top